مقال
قَدَرْ
| إبراهيم صموئيل |
1 يناير 1970
07:13 م
ثمة صديق سويسري زار عدداً من البلدان العربية وتعرّف إلى الناس فيها، وهمومهم، وأحلامهم قبل حلول الربيع العربي، وبعده أيضاً، ولطالما تعاطف مع قضايا الناس وتفهَّم مشكلاتهم التي يعانون منها، وأحلامهم التي يرنون إليها.
في زيارة قام بها مؤخراً هذا الصديق أراني رسماً كاريكاتيرياً للفنان العربي والعالمي علي فرزات يُصوّر رجلاً يصعد سلّماً خشبياً مرتكزاً إلى كرسي الرئاسة، حتى إذا ما صعد درجة قطعها ليصعد التالية عليها ويقطعها أيضاً!
ثم قال: لهذا، على ما أعتقد، قامت شعوب بعض بلدانكم العربية بالثورة على أنظمتها الحاكمة، أليس كذلك؟
قلت له: رغم أنك سويسري، أي من بلد يقف نظامه السياسي، وتداول منصب الرئيس فيه على النقيض تماماً مما هو لدينا، فإنك تدرك مواجعنا، وتستطيع اختيار ما يلخصها بشدة!
بلى يا صديقي ـ أضفت قائلاً ـ هذا الرسم هو الأسُّ والجذر العميق الأساسي لكل ما جرى في بلدان الربيع العربي، وهو نفسه ما يُعبَّر عنه في القول المعروف من أن البلدان العربية تفتقد في قاموسها السياسي إلى تعبير الرئيس السابق!!
فمن يتولى منصب الرئاسة في البلدان العربية، يعمل خلال ولايته على قطع الطريق لا على شخص آخر يتسلّم منه منصب الرئاسة فحسب، بل على نفسه إذا ما راودت ذهنه يوماً فكرةُ التخلّي عن المنصب ـ لا سمح الله ـ بعد ولاية يقضيها فيه أو ولايتين!!
إذا كان منصب الرئاسة لديكم يتمّ تداوله في كل عام جديد من شخص إلى آخر إلى آخر، فإن مفهوم منصب الرئاسة لدينا هو امتلاكه شخصياً وقانونياً على غرار سيارة أو قطعة أرض أو منزل أو ما شاكل!
هل رأيت مزرعة يتداول ملكيتها شخص بعد شخص بعد شخص على مدار الحياة؟! كذا الأمر في منصب الرئاسة وفي السلطات العربية!
لو كان القذافي ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ رأى أن «انتخابه» رئيساً في ليبيا لا يعني بحال بقاءه لاثنين وأربعين عاماً، ثم تهديده للشعب الثائر بالقضاء عليه «دار دار زنقة زنقة» حين يُطالب شعبه ـ وبعد انقضاء 42 عاماً على بقائه في السلطة ـ أن يتنحى عن الحكم ويرحل، تاركاً لشخص ليبي آخر منصب الرئاسة!
بلى ـ قلت لصديقي السويسري ـ هذا هو وجعنا، وهذه مصيبتنا، وهذه غاية كل نضالات شعوبنا، فتأملْ ـ يا رعاك الله ـ من أجل أيّ ألف باء الحياة ما زلنا نناضل ونسجن ونشرَّد ونُقتل!
طيَّب صديقي خاطري، ثم دعا لشعوبنا بالتوفيق وتحقيق الحدّ الأدنى من الحياة السياسية المعافاة، ثم سافر.
كان لا بدَّ أن أتأمل، بعد سفره، فيما لديه هو وليس لديَّ، وفيما لدى شعبه وليس لدى شعوبنا العربية، حتى تشاء الأقدار أن يولد ويشبَّ ويعيش هناك في ظل هموم أخرى مختلفة كل الاختلاف عن همومي هنا منذ ولادتي إلى اليوم، وعن هموم شعبي العربي!؟
ليس سوى الأقدار. الأقدار التي جعلت شعوبنا تعيش على كرة أخرى غير الكرة الأرضية التي تعيش عليها شعوبهم. إذ لا يمكن بحال من الأحوال أن نكون ـ جميعنا ـ أبناء كرة أرضية واحدة، حتى لو كان العلم ورحلات الفضاء تؤكد هذا!