بروفايل / عرف أسلوبه بتقليد القدامى خصوصاً في الغزل

أحمد شوقي... أمير الشعراء ورائد النهضة الأدبية والفنية

1 يناير 1970 10:48 ص
• شاعر القصر الملكي كان يطمح أن يكون المفضل لدى الخديوي

• تميز بموهبة شعرية فذة وبديهة سيالة ولم يجد عناء في نظم القصيدة

• كان لقاؤه بمحمد عبد الوهاب نقطة التحول في حياة الأخير

• التقى بأم كلثوم في أواخر حياته وغنّت قصائده بعد وفاته
حفل الزمان الجميل بابداعات عمالقة الفن والغناء في عالمنا العربي الى جانب نجوم العالم الغربي فقدموا الكثير خلال مسيرتهم التي كانت في بعض الأحيان مليئة بالمطبات والعثرات. منهم من رحل عن هذه الدنيا مخلفاً وراءه فنّه فقط، وآخرون ما زالوا ينبضون عطاء الى يومنا الحالي.

البعض من جيل اليوم نسي ابداعات هؤلاء العمالقة وتجاهلوا مسيرة حافلة من أعمال تركتها بصمة قوية، وفي المقابل يستذكر آخرون عطاءات نجوم الأمس من خلال الاستمتاع بأعمالهم الغنائية أو التمثيلية، وقراءة كل ما يخصّ حياتهم الفنية أو الشخصية.

وفي زاوية «بروفايل» نبحر في بحار هؤلاء النجوم ونتوقف معهم ابتداء من بداياتهم الى آخر مرحلة وصلوا اليها، متدرجين في أهم ما قدّموه من أعمال مازالت راسخة في مسيرة الفن.

يعتبر الشاعر الراحل أحمد شوقي من أشهر الشعراء العرب في العصر الحديث وليس غريبا أن ينال لقب أمير الشعراء العرب، فقد حقق الريادة في النهضة الأدبية والفنية والسياسية والاجتماعية والمسرحية، وفي مجال الشعر كان التجديد واضحا في معظم قصائده التي قالها وخصوصا في ديوانه الشوقيات.

نشأته

ولد أحمد شوقي في حي الحنفي بالقاهرة في 16 أكتوبر 1868 لأب کردي وأم من أصول ترکية وشرکسية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، وحين بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.

وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ محمد البسيوني، ورأى فيه مشروع شاعر كبير. بعدئذٍ سافر إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق، وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية، وخلالها اشترك مع زملاء البعثة في تكوين (جمعية التقدم المصري)، التي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنكليزي. وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفي كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية. وطوال إقامته بأوروبا، كان فيها بجسده بينما ظل قلبه معلقًا بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الكبار وعلى رأسهم المتنبي لكن تأثره بالثقافة الفرنسية لم يكن محدودًا، وتأثر بالشعراء الفرنسيين وبالأخص راسين وموليير.

المنفى

وبعد عودته إلى مصر كان شعر شوقي يتوجه نحو المديح للخديوي عباس، الذي كان سلطته مهددة من قبل الإنكليز، ويرجع النقاد التزام أحمد شوقي بالمديح للأسرة الحاكمة إلى عدة أسباب منها أن الخديوي هو ولي نعمة أحمد شوقي وثانيا الأثر الديني الذي كان يوجه الشعراء على أن الخلافة العثمانية هي خلافة إسلامية وبالتالي وجب الدفاع عن هذه الخلافة. لكن هذا أدى إلى نفي الإنكليز للشاعر إلى إسبانيا عام 1915.

وفي هذا النفي اطلع أحمد شوقي على الأدب العربي والحضارة الأندلسية هذا بالإضافة إلى قدرته التي تكونت في استخدام عدة لغات والاطلاع على الآداب الأوروبية، وكان أحمد شوقي في هذه الفترة مطلعا على الأوضاع التي تجري في مصر فأصبح يشارك في الشعر من خلال اهتمامه بالتحركات الشعبية والوطنية الساعية للتحرير عن بعد وما يبث شعره من مشاعر الحزن على نفيه من مصر، ومن هنا نجد توجها آخر في شعر أحمد شوقي بعيدا عن المدح الذي التزم به قبل النفي، عاد شوقي إلى مصر سنة 1920.

في عام 1927، بايع شعراء العرب كافة شوقي أميرا للشعر، وبعد تلك الفترة تفرغ شوقي للمسرح الشعري حيث يعد الرائد الأول في هذا المجال عربيا ومن مسرحياته الشعرية، مصرع كليوباترا وقمبيز ومجنون ليلى وعلي بك الكبير.

تميز أشعاره

كان شعر شوقي يملك نصيباً كبيراً من الثقافتين العربية والغربية، كما أفادته سفراته إلى مدن الشرق والغرب، ويتميز أسلوبه بالاعتناء بالإطار وبعض الصور وأفكاره التي يتناولها ويستوحيها من الأحداث السياسية والاجتماعية، وأهم ما جاء في المراثي وعرف عنه المغالاة في تصوير الفواجع مع قلة عاطفة وقلة حزن، كما عرف أسلوبه بتقليد الشعراء القدامى من العرب وخصوصاً في الغزل، كما ضمن مواضيعه الفخر والخمرة والوصف، وهو يملك خيالاً خصباً وروعة ابتكار ودقة في الطرح وبلاغة في الإيجاز وقوة إحساس وصدقا في العاطفة وعمقا في المشاعر.

يتميز شوقي بموهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره، ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث.

واشتهر شوقي كشاعرٍ يكتب من الوجدان في كثير من المواضيع، فهو نظم في السياسة ما كان سبباً لنفيه إلى الأندلس بإسبانيا وحب مصر، كما نظم في مشاكل عصره مثل مشاكل الطلاب، والجامعات، كما نظم شوقيات للأطفال وقصصا شعرية، ونظم في المديح وفي التاريخ. بمعنى أنه كان ينظم مما يجول في خاطره، تارة الرثاء وتارة الغزل وابتكر الشعر التمثيلي أو المسرحي في الأدب العربي. تأثر شوقي بكتاب الأدب الفرنسي ولا سيما موليير وراسين.

ديوانه

خلف شوفي ديواناً ضخماً عرف بديوان (الشوقيات) وهو يقع في أربعة أجزاء الأول ضم قصائد الشاعر في القرن التاسع عشر والمقدمة وسيرة لحياته، وقد تمت إعادة طبعه 1925 م، واقتصر على السياسة والتاريخ والاجتماع والجزء الثاني طبعه 1930م، أي بعد خمس سنوات واشتملت قصائده على الوصف ومتفرقات في التاريخ والسياسة والاجتماع. والجزء الثالث طبع بعد وفاة الشاعر في عام 1936 م، وضم الرثاء.

وظهر الجزء الرابع عام 1943 م، ضم عدة أغراض وأبرزها التعليم، كما للشاعر روايات شعرية تمثيلية وضعت في الفترة ما بين 1929 م، وحتى وفاته منها: خمس مآسٍ هي (مصرع كليوباترا، مجنون ليلى، قمبيز، علي بك الكبير، عنترة، الست هدى). كما للشاعر مطولة شعرية حواها كتاب (دول العرب وعظماء الإسلام)، تحتوي فصلاً كاملاً عن السيرة النبوية العطرة وقد تم طبع المطولة بعد وفاة الشاعر، وأغلب هذه المطولة عبارة عن (أراجوزات) تاريخية من تاريخ العهود الإسلامية الأولى وإلى عهد الدولة الفاطمية.

النثر

ولشوقي في النثر ثلاث روايات هي عذراء الهند، صدرت عام 1897 م، تناولت التاريخ المصري القديم منذ عهد رمسيس الثاني. كما للشاعر العديد من المقالات الاجتماعية التي جمعت عام 1932 م، تحت عنوان (أسواق الذهب) من مواضيعها الوطن، الأهرامات، الحرية، الجندي المجهول، قناة السويس.

و في مجال المدح أنشد قصائد في الخديوي إسماعيل وتوفيق وعباس وحسين وفؤاد كما مدح بعض سلاطين بني عثمان ومنهم: عبد الحميد الثاني ومحمد الخامس وبعض الأعيان. و في الرثاء الذي ضم ديوانه الشوقيات الجزء الثالث رثى أمه، جدته، أباه، الخديوي توفيق، مصطفي فهمي، رياض باشا بالإضافة إلى بعض الشعراء والكتاب والفنانين كالشاعر حافظ إبراهيم، يعقوب صدوق، فكتور هوغو، تولستوي، المنفلوطي. وفي الغزل له أسلوب جديد أبدع فيه إلا أن المرأة لم تأخذ حيزاً كبيراً فيه، كما كان لشوقي قصائد في القمر والوصف الذي قصره على الأقدمين، وأيضا في الشعر الديني.

شاعر البلاط الملكي

كان شوقي يعتز كونه شاعر القصر الملكي المصري، وكان يطمح قبل ذلك أن يكون الشاعر المفضل لدى الخديوي، لذا منذ أن عاد من فرنسا وهو شاعر البلاط بدءاً بالخديوي عباس، فلما أوصد باب القصر أمامه بعد رجوعه من منفاه برشلونة بالأندلس، اتجه إلى أن يكون شاعراً لشعب مصر وأمته العربية والإسلامية وأخذ يشاركهم أفراحهم وأحزانهم وآلامهم حيث أصبح لسان حال الشعب والمعبر عن أمانيه والمدافع عن حقوقه.

المسرح الشعري

تعتبر سنة 1893 سنة تحول في شعر أحمد شوقي حيث وضع أول عمل مسرحي في شعره. فقد ألف مسرحية علي برحيات يتفاعل في خاطره حتى سنة 1927 حين بويع أميرا للشعراء، فرأى أن تكون الإمارة حافزا له لإتمام ما بدأ به عمله المسرحي وسرعان ما أخرج مسرحية مصرع كليوباترا سنة 1927 ثم مسرحية مجنون ليلى 1932 وكذلك في السنة نفسها قمبيز وفي سنة 1932 أخرج إلى النور مسرحية عنترة ثم عمد إلى إدخال بعض التعديلات على مسرحية علي بك الكبير وأخرجها في السنة ذاتها، مع مسرحية أميرة الأندلس وهي مسرحية نثرية، مسرحية مصرع كليوباترا أخرجها سنة 1927، مسرحية مجنون ليلى (قيس وليلى). مسرحية قمبيز كتبها في عام 1931 وهي تحكي قصة الملك قمبيز. مسرحية علي بك الكبير وهي تحكي قصة ولي مصر المملوكي علي بك الكبير. مسرحية أميرة الأندلس. مسرحية عنترة وهي تحكي قصة الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد وابنة عمه عبلة. مسرحية الست هدى. مسرحية البخيلة. مسرحية شريعة الغاب. وفي الروايات كتب «الفرعون الأخير» و«عذراء الهند».

عبد الوهاب

كان لقاء شوقي بالمطرب محمد عبد الوهاب بداية التحول في حياة الأخير، فقد استمع شوقي الى عبد الوهاب في حفل أقامه معهد الموسيقى العربية الشرقية بفندق سان استفانو بالاسكندرية عام 1925، وكان المشرفون عليه من الأعيان يعتزون بصوت عبد الوهاب فسمحوا له بالدخول مجانا، وأعانوه في الحصول على وظيفة وهي وظيفة مدرس أناشيد بمدارس الأوقاف في القاهرة، وكان ذلك بعد أن مات سيد درويش الذي كان عبد الوهاب في فرقته.

وأعجب شوقي بصوت عبد الوهاب، فأقبل بحماسة الشاعر الفنان على تلك الموهبة الجديدة المتفتحة ليبسط عليها حمايته ورعايته. وكان عبد الوهاب في حاجة ملحة الى تلك الرعاية.

وقد تدخل شوقي في كل صغيرة وكبيرة في حياة عبد الوهاب، أخذه الى الأطباء ليعالجوه وأشرف على ملابسه وأناقته، كما أشرف أيضا على طعامه وشرابه، وأهم من ذلك تدخل في اختيار أغانيه، واندفع شوقي في هذا المجال الى حد أنه تخلى للأول مرة في حياته عن اللغة الفصحى التي يكتب الشعر والنثر، وألف عدة أغنيات باللغة العامية مثل،(في الليل لما خلى)،و( بلبل حيران )، ليغنيها عبد الوهاب.

أم كلثوم

تعرفت أم كلثوم على أحمد شوقي في أواخر أيامه وقبل أن تتغنى بأشعاره بسنوات طويلة، فحين رحل شوقي في 13 ديسمبر عام 1932 لم تكن أم كلثوم قد بدأت تفكر في تقديم أغنيات له.

وفي أول لقاء دعاها شوقي إلى الغناء في «كرمة ابن هانئ» بمنزله، وذهبت مع والدها وشقيقها وغنت ليلتها كما لم تغن من قبل، وبعد انتهائها إذ بشوقي بعدها يقدم لها هدية تعبر عن إعجابه بصوتها، وهي قصيدة مطلعها:

سلوا كؤوس الطلى هل لامست فاها واستنجدوا الراح هل مسّت محياها

لكن أم كلثوم لم تغن هذه القصيدة في حياة شوقي، بل غنتها بعد وفاته.

وفاته

ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن فاجأه الموت بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر، و توفي في 14 أكتوبر 1932.