عبء ملف النازحين ينذر بتداعيات «كارثية» على البنية التحتية

لبنان «مزنّر» بالأزمات ويصارع للمحافظة على «حزام الأمان»

1 يناير 1970 09:29 ص
رغم ان اللبنانيين لا يخفون «ارتياحهم» الى انهم افضل حالاً من السوريين والعراقيين على قاعدة «من يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته»، فان قلقهم يتعاظم على وقع مجموعة من «الحروب الصغيرة»، الامنية والسياسية والاقتصادية والحياتية، الامر الذي يجعل من الأشهر المقبلة مستودع كوابيس قد لا تنجو منها البلاد التي تعاند الانضمام الى ملعب النار الاقليمي وتحاول «حفظ رأسها في لحظة تغيير الدول»، على حد قول المثل الشعبي الشائع.

فـ «الحرب السياسية» التي أطاحت بالاستحقاق الرئاسي في 25 مايو الماضي وتمدُّد الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية المرشح ان يستمر الى امد «مديد»، ستملي التمديد مرة جديدة للبرلمان الحالي لان «الاسباب الموجبة» لن تتيح اجراء انتخابات نيابية في المرحلة الممتدة بين اغسطس ونوفمبر المقبلين، وهو ما يعزز الاعتقاد بان ثمة «قراراً ما» بوضع لبنان في «الثلاجة» الى حين اتضاح الخيط الابيض من الاسود في التوازنات الجديدة في المنطقة.

و«الحرب الامنية»، التي يكاد ان يختلط معها «الحابل بالنابل» تدور بلا هوادة بين السلطات اللبنانية المتكئة على تفاهم داخلي وتقاطع مصالح اقليمي، وبين «الشظايا» المتطايرة من سورية والعراق على شكل خلايا وانتحاريين وتصفية حسابات وألعاب مخابراتية وأطنان جوالة من المتفجرات... كل ذلك وسط معركة استباقية - وقائية تطلقها بيروت لمنع امتداد الحريق الاقليمي الى «الهشيم» اللبناني.

اما «حرب النزوح» التي يتسبب بها ما يشبه «الجيش الجرار» من اللاجئين السوريين، الذي من المرجح ان يبلغ عددهم «الرسمي» مع نهاية السنة مليون ونصف المليون نسمة، اي ما يوازي ثلث سكان لبنان، فان كلفتها المادية، المباشرة وغير المباشرة، تناهز الـ 13 مليار دولار، اما كلفتها الامنية فربما تكون اكثر خطراً نتيجة تحميل شرائح واسعة من النازحين «حزب الله» مسؤولية استمرار الحرب في بلادهم بسبب مساندته العسكرية لنظام الرئيس بشار الاسد.

غير ان ثمة «حرباً مقنّعة» بدأت تكشف عن وجهها المخيف وتتمثل في ازمات كارثية بدأ يطل شبحها على اللبنانيين. ففي اللحظة التي كثر الحديث عن «أزمة رواتب» في القطاع العام اواخر الشهر الجاري بدأ عبء ملف النازحين يلقي بتداعياته الهائلة على البنية التحتية اللبنانية حيث تزحف العتمة مع تقنين أشد صرامة في تغذية المناطق اللبنانية بالتيار الكهربائي ليصل الى حدود 12 ساعة من 24 ساعة على وقع اعلان وزير الخارجية جبران باسيل ان تأمين الكهرباء للنازحين يكلف لبنان 100 مليون دولار في الشهر، ووسط توقعات باحتمال تضاؤل النور في بيروت الادارية، اضافة الى رواج تجارة المياه مع شح متعاظم نتيجة انحباس امطار الشتاء المنصرم وضغط احتياجات النازحين.

وفيما هذه «الكماشة» من «الحروب الصغيرة» مرشحة لمزيد من «تضييق الخناق» على اللبنانيين وسط انقسامات عميقة تعكسها مقاربات انديتهم السياسية لـ«اي شاردة او واردة»، تتشعّب محاورت القلق الامني بين الخلايا الارهابية والواقع على الحدود مع سورية ولا سيما في ضوء الغارات التي شنها الطيران الحربي السوري في جرود عرسال وجرود القاع والتي شكلت اشارة سلبية باعتبار انها المرة الاولى منذ فترة طويلة نسبياً يستأنف الطيران السوري عمليات القصف هذه التي جاءت في غمرة السجال اللبناني حول انشاء مخيمات للنازحين السوريين في المنطقة الفاصلة بين لبنان وسورية او داخل الاراضي السورية والدعوات (من وزراء في 8 آذار) الى فتح حوار مع النظام السوري في هذا الشأن مع رفض اي مخيمات تقام في سهل عكار او سلسلة جبال لبنان الشرقية بحجة الخوف من «التوطين» كما عبّر وزير الخارجية اللبناني.

وعلى وقع التقارير التي تحدثت عن ان لبنان يتجه الى تعزيز الاجراءات على الحدود اللبنانية - السورية في البقاع الشمالي تلافياً لتكرار ظاهرة الانهيار على الحدود السورية - العراقية، اوضح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس ان ما طرحه وزير الخارجية عن اللاجئين السوريين سبق له ان قاله في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة موضحاً «ان ما هو متفق عليه بين الوزراء هو انشاء مراكز ايواء على الحدود الفاصلة بين لبنان وسورية وخصوصاً بين المصنع وجديدة يابوس. لكن ما هو مختلف عليه هو ما يجب اتخاذه من خطوات بديلة في حال تعذر إنشاء هذه المراكز». واذ اوضح «ان اجتماع خلية الازمة الذي تقرر عقده قريبا لمتابعة ملف اللاجئين ينتظر عودة الوزير باسيل الذي سافر الى البرازيل»، لفت الى أنه جرى سابقا طرح إقامة مخيمات للنازحين داخل بلادهم، ولكن الجهات الدولية لم تقبل تأمين الحماية لها، مؤكدا «أن لا أحد في لبنان متلهف على إقامة المخيمات داخل أراضيه، ولكننا متلهفون على تنفيس الاحتقان داخل المجتمع اللبناني. أما الحديث عن التوطين فهو غير واقعي لأنه لا يوجد رابط بين من احتلت أرضه ومع ذلك يتوق للعودة إليها وبين من ينتظر انتهاء الحرب لأنه عندها سوف يعود السوريون ومعهم ربع اللبنانيين من أجل المشاركة في عملية الاعمار».