4 يوليو ... من «معجزة بيرن» إلى «انجاز ماراكانا»

1 يناير 1970 10:26 ص
باريس - أ ف ب - دخلت المانيا الى مواجهتها المرتقبة مع جارتها فرنسا في الدور ربع النهائي من مونديال البرازيل وفي الخلفية ذلك اليوم من التاريخ... الرابع من يوليو 1954 حين تحققت «معجزة بيرن» التي تبقى عالقة في الاذهان الى الابد كاحد الانجازات الكلاسيكية في تاريخ العرس الكروي العالمي.

صحيح ان الغالبية العظمى من الالمان الذين تمكنوا من التفوق على «الديوك» 1 -صفر وبلوغ نصف النهائي للمرة الرابعة على التوالي والثالثة عشرة في تاريخهم (انجازان تاريخيان)، لم يخطر الى بالهم هذا اليوم التاريخي عندما كان «ناسيونال مانشافت» يدخل ارضية ملعب «ماراكانا» الاسطوري في ريو دي جانيرو من اجل مواجهة الجار الفرنسي على بطاقة دور الاربعة من النسخة العشرين في موقعة تعتبر ايضا من «الكلاسيكيات».

وبعد الجزائر التي اطاحت بها بمؤامرة مع النمسا في 1982، تواجهت المانيا مرة جديدة مع خصم اراد الثأر منها بعد حادثة اليمة في النسخة عينها في اسبانيا. في مدينة اشبيلية، ارتكب حارس مرمى المانيا هارالد طوني شوماخر خطأ رهيبا ضد مدافع فرنسا باتريك باتيستون عندما اجتاحه عمدا في الدقيقة مانعا الاخير من التسجيل في مرماه، ثم اهدرت فرنسا تقدما رائعا في الوقت الاضافي 3-1 عبر ماريوس تريزور والن جيريس، قبل ان يعادل كارل هاينتس رومينيغه وكلاوس فيشر (102 و108).

ولم تنته القصة هنا، فتقدم لاعبو ميشال هيدالغو 3-2 في ركلات الترجيح قبل ان يهدر ديدييه سيكس ومكسيم بوسيس وتتأهل المانيا الى نصف النهائي ثم تخسر امام ايطاليا 3-1.

ثم كررت المانيا الامر ذاته في مونديال 1986 عندما اطاحت ببلاتيني ورفاقه من الدور ذاته قبل ان تخسر مجددا في موقعة اللقب وهذه المرة امام ارجنتين دييغو ارماندو مارادونا.

وبغض النظر ان تذكر بعض الالمان يوم الرابع من يوليو واهميته في تاريخ العرس الكروي العالمي من عدمه، فان هذا اليوم سيبقى عالقا في الاذهان ليس لانه عيد الاستقلال الاميركي بل لانه كان شاهدا على «معجزة بيرن» قبل 60 عاما.

عندما وطأت اقدام القائد فريتس فالتر وهيلموت ران وماكس مورلوك وباقي افراد المنتخب الالماني ارض ملعب وانكدورف في بيرن في تمام الساعة 16:45 من 4 يوليو 1954، لم يكونوا يعلمون بأنهم بصدد دخول تاريخ كرة القدم.

ويلخص مدافع المنتخب انذاك يوب بوسيبال، اللحظات الاولى بعد الفوز على المنتخب المجري 3-2 في نهائي كأس العالم 1954 في سويسرا، والذي كان مرشحاً بقوة لاحراز اللقب بقوله «لم نكن مصدقين بعد، ما حصل عندما كنا نستمع الى عزف النشيد الوطني بعد نهاية المباراة. كانت صداقة قوية تربط بين جميع افراد المنتخب وقد شبكنا أيدينا ببعضنا البعض.»

شهدت تلك المباراة ولادة نجوم جدد على مدى 90 دقيقة، فأطلق عليها لقب «معجزة بيرن» لأنها دونت احدى أبرز الحقبات في تاريخ نهائيات كأس العالم.

«داس فوندر فون بيرن»- ستظل هذه العبارة الشهيرة مرادفة للكرة الألمانية. فلم تتكرر مباراة جمعت العديد من الأساطير والقصص كما فعلت المباراة النهائية لكأس العالم 1954 بين ألمانيا الغربية والمجر في العاصمة السويسرية.

ولطالما بقيت العبارات الشهيرة التي أطلقها مدرب المانيا سيب هيربرغر طويلا في الأذهان ولعل أبرزها «الكرة مدورة»، أو «المباراة تستمر 90 دقيقة»، أو «ما بعد المباراة هو قبل المباراة». ولا يزال الغموض يكتنف سر هذه العبارات وما اذا كان المدرب أدلى بها من مخيلته، أم أنه استعمل هذه العبارات التي باتت شهيرة بعد أن تفوه بها أحد عاملي التنظيف خلال معسكر تدريبي لفريقه.

واذا حاولت أن تسأل أحد أنصار الكرة الألمانية عن الهدف الحاسم الذي سجله هيلموت ران في نهائي عام 1954، فسترى بأن عينيه توهجتا بالحماس قبل أن يقوم بتكرار ما قاله معلقاً تلك المباراة الشهيرة بقوله «يتعين على ران أن يسدد من بعيد، ران يسدد...هدف! هدف! هدف! ألمانيا بطلة العالم!» هذه بالطبع العبارات الشهيرة التي أطلقها معلق الاذاعة هربرت زيمرمان، وحتى الان لا تزال كلماته تشعر كل شخص يتكلم الألمانية بقشعريرة.

كان المنتخب الذي يشرف على تدريبه سيب هربيرغر قد شارك في أول بطولة كبرى له بعد الحرب قبل أربع سنوات، وكان يخوض ثالث مشاركة له في كأس عالم. وحقق المنتخب الألماني أربعة انتصارات ضد تركيا (4-1 و7-2) ويوغوسلافيا (2 -صفر) والنمسا (6-1)، ثم مني بهزيمة نكراء أمام المجر 8-3، قبل أن يبلغ المباراة النهائية.

في المقابل، كان الأمر مختلفا تماما بالنسبة للمنتخب المجري الذي لم يخسر أي مباراة منذ 14 مايو 1950. وشهد طريق المنتخب المجري العملاق الى المباراة النهائية تخطيه تركيا (7-صفر)، وألمانيا بالطبع، بالاضافة الى انتصارين على البرازيل (4-2) وعلى أوروغواي (4-2 بعد التمديد) في ربع ونصف النهائي على التوالي.

وكان احراز «المنتخب الذهبي» لباكورة القابه في كأس العالم تحصيلاً حاصلاً. والواقع بأن الوفد المجري في سويسرا كان قد أعد حفل استقبالاً للاعبين والمسؤولين الكبار والصحافيين في اليوم التالي للمباراة النهائية. أما في المجر، فقد تم اصدار طوابع بريدية، في حين بدأ المسؤولون المجريون يعدون العدة لاقامة تمثال ضخم للاعبين. فلم يكن أحد يشك في قدرة المجريين على احراز لقبهم الاول في كأس العالم. ولكن كم كانوا مخطئين...

عززت الأمطار التي هطلت قبيل انطلاق المباراة من تفاؤل المجريين، في حين كان المنتخب الألماني يستعد لتلقي خسارة قاسية جديدة أمام المنتخب الذي اعتبر الأفضل في العالم في ذلك الوقت. بعد مرور ست دقائق، نجح نجم المنتخب المجري بوشكاش في افتتاح التسجيل لمنتخب بلاده من تسديدة بعيدة المدى، قبل أن يستغل تزولتان تشيبور خطأ بين حارس مرمى ألمانيا توني توريك ومدافعه فيرنر كوهلماير ليضيف الهدف الثاني بعد دقيقتين.

بيد أن روح أفراد المنتخب الألماني لم تتأثر كما لخص الأمر فالتر في سيرته الذاتية بعد سنوات عدة بقوله: «نظرنا الى بعضنا البعض بذهول... نجح ماكس مورلوك في تحفيز اللاعبين ما أن وضعنا الكرة لتحريك الضربة من جديد وقال وهو يجهش بالبكاء +لا يهم+. في المقابل همس أوتمار (فالتر) الذي لم يفقد الأمل أيضاً في أذني: +فريتس، استمر في العطاء، نستطيع أن نقلب الأمور في مصلحتنا+».

ولم يمر وقت طويل قبل أن يرد المنتخب الألماني حيث سار ران بالكرة على الجهة اليسرى، وانحرفت تسديدته اثر ارتطامها بساق بوتشيك، لتتهيأ أمام ماكس مورلوك الذي غمز الكرة في شباك الحارس المجري غروتشيش لتصبح النتيجة 2-1 بعد 10 دقائق فقط على انطلاقها.

وكانت ثقة الألمان بأنفسهم قوية جدا وبات الأمر واضحا من خلال كرة نفذها القائد فالتر من ركلة ركنية مرت من فوق خط دفاع المنتخب المجري بأكمله ليتابعها ران المتربص على القائم البعيد داخل الشباك محرزا التعادل في الدقيقة 18. وأصبحت المباراة سجالا بين الفريقين، وأدت الأمطار الغزيرة التي هطلت في جعل الملعب رطبا وثقيلا ما منح المنتخب الالماني الأكثر حيوية أفضلية على حساب نظيره المجري.

والواقع بأن عبارة «طقس فريتس فالتر» تستعمل حتى أيامنا هذه في كل مرة تحول فيها الأمطار الغزيرة أرض الملعب الى مستنقع.

وتوجه مدرب ألمانيا هيربرغر الى لاعبيه بين الشوطين بحماس قائلا «أيها الشباب، لقد قمتم بعمل رائع حتى الان. لا تعطوا الفريق المنافس المجال في الشوط الثاني».

واستهل المنتخب المجري الشوط الثاني بقوة وقدم عرضا كرويا رائعا وأجبر فيه بوسيبال وكوهلماير على انقاذ كرتين خطيرتين قبل أن تجتازا خط المرمى، في حين شكل قلب الهجوم ناندور هيديغكوتي خطرا دائما على المرمى الألماني، ولكن لاعبي «ناسيونال مانشافت» كانوا يرتمون للتصدي لكل كرة باتجاه مرماهم.

وفي الدقيقة 84، حدث ما لا يصدق. كان المعلق الألماني زيمرمان يتابع سرد أحداث المباراة وقال «الكرة مع ألمانيا على الجهة اليسرى. الدفاع المجري يقطع كرة تشايفر باتجاه مورلوك-بوتشيك، لا تزال الكرة بحوزة بوتشيك الجناح الأيمن المجري. لقد خسر الكرة لمصلحة شايفر- شايفر يمرر الكرة الى منتصف الملعب-مقطوعة- يتعين على ران أن يسدد من بعيد- ران يسدد!هدف!هدف!هدف! 3-2 لمصلحة ألمانيا! وبعد ثوان كانت الكرة قد استقرت في الشباك في الجهة المقابلة، لكن الحكم الانكليزي ويليام لينغ لم يحتسب الهدف الذي سجله بوشكاش بداعي التسلل.

ويسمر نحو 60 مليون ألماني بالقرب من جهاز الراديو يتابعون بشغف كل كلمة يتفوه بها زيمرمان. وكانت بضع دقائق متبقية الى ان نطق المعلق بالكلمات التي كانوا ينتظرونها: «انتهت! انتهت! انتهت! انتهت المباراة! ألمانيا بطلة للعالم، بفوزها على المجر 3-2 في النهائي في بيرن». لقد تمت المعجزة.