مقال / شكراً للمنتخب الجزائري

1 يناير 1970 08:06 م
كنا نحتاج إلى فوز منتخب الجزائر على المنتخب الكوري. كنا نحتاج إلى هذا المستوى العالي في الأداء، وإلى ما كان عليه المنتخب الجزائري من ثقة بالنفس دون غرور، ومن هدوء أعصاب وانفعالات دون بلادة، ومن لياقة استمرت لتسعين دقيقة اتصلت الهمّة والمعرفة والتوازن التي كانت في الدقائق الأولى مع نظيرتها في الدقائق الأخيرة للمباراة.

من المسيء للمنتخب الجزائري أن أقول: بدا كمنتخب أوروبي. ولماذا أوروبي؟! كان منتخباً عربياً بامتياز، تدرّب وعزم ولعب وفاز وأفرح الملايين المنكوبين بكوابيس الواقع العربي سياسياً واقتصادياً، والمحتاجين إلى فرح ولو كان رياضياً على الأقل.

لا أتحدث عن منتخب الجزائر باعتباره حاز على كأس المونديال، ولا باعتباره صنع أعجوبة (رغم أنه أول فريق عربي وتفريقي يسجل أربعة أهداف في مباراة واحدة في تاريخ دورات كأس العالم منذ 32 عاماً) بل من باب أن فوز منتخب عربي ليس أعجوبة كما رسخ في أذهان العديد من الناس. وأداء منتخب عربي أداءً رفيعاً جداً ليس أعجوبة ولا مستحيلاً. وتمكّنه من لفت أنظار واهتمام العالم ليس أعجوبة أيضاً.

ولأن ذلك كذلك، يحار المرء في سرّ هذا التراجع العربي! في سر عدم الحضور الدائم في مختلف الملتقيات الرياضية العالمية! في سر إصرار المسؤولين العرب في حقل الرياضة على عدم الإفادة من طاقات موجودة، ثمينة ومبهرة، كما دلّ على ذلك المنتخب الجزائري قبل أيام!

لماذا بات الحضور الرياضي العربي من باب الاستثناء، والمدهش، والغريب، نتداول أخباره كما نتداول أخبار الأطباق الطائرة؟! لماذا حين ينتقل منتخب عربي إلى الأدوار المتقدّمة في أي مونديال نشعر جميعنا بأننا إزاء حدث هائل واستثنائي مثل الانفجار الكوني العظيم؟!

إنْ كان الأمر يتعلق بتخلفنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبذريعة تفيد أن البلد المتخلف في كذا وكذا من الحقول هو متخلّف - بالضرورة ـ في حقل الرياضة أيضاً، فلماذا تتقدّم الفرق والمنتخبات في بلدان القارة السمراء في ألعاب القوى وكرة القدم رغم ما تعاني بلدان تلك القارة من آفات الفقر المدقع والتخلّف والاقتتال العشائري والديكتاتورية والأوبئة وما إلى ذلك مما يُعرف عنها؟!

إن الوجه الآخر للصورة البهيّة المشرقة التي بثّها المنتخب الجزائري في لقائه مع كوريا هو الشعور بالألم والأسى المرّ من أن لدينا هذه الإمكانات البشرية، غير أن المسؤولين في بلداننا يصرّون على إهمالها وعدم رعايتها والحيلولة دون تقدّمها لكأنما وجدوا في مناصبهم لمناصبة المواهب العداء!

تأهّل منتخب أو منتخبين أو ثلاثة منتخبات عربية إلى كأس العالم كل أربع سنوات ينبغي أن يكون أمراً طبيعياً ولازمة متكررة لا عجب فيها، فحين يواظب المنتخب الإيطالي مثلاً على التأهل فإن بلداً واحداً يواظب هو إيطاليا، أما حين نقول إنه لا بدّ من تأهل منتخبين عربيين أو ثلاثة فإنما نعني من مجموع ما يزيد على عشرين بلداً عربياً، ونعني من ثروات مالية هائلة موجودة، ونعني طاقات بشرية جاهزة لا تحتاج سوى إلى العناية والوفاء والرغبة!

أكثر من ذلك فإن تلك الطاقات الشبابية لا تحتاج سوى إلى قليل من خجل المسؤولين المتربعين على الكراسي والمناصب والأموال والذين لا دور لهم سوى بثّ اليأس في قلوبنا من أننا كعرب جُبلنا من طينة أخرى غير طينة الأفارقة وغير الأفارقة!.

شكراً لمنتخب الجزائر الذي لم يثلج صدورنا بمستوى أدائه فحسب، بل هو ساهم أيضاً عبر فوزه في كشف أوراق التوت التي يحاول المسؤولون العرب عن الرياضة تغطية عوراتهم بها!