واشنطن: على اللبنانيين عدم الانجرار نحو المعارك التي تخاض من الآخرين
مساعٍ في لبنان لجعل الاستحقاق الرئاسي أولوية على «وهج» الأخطار الأمنية
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
07:25 ص
بدت بيروت بعد ثلاثة أيام على عودة الهاجس الأمني بقوّة إلى المشهد اللبناني وكأنها تسير على خطيت متوازيين: الاوّل محاولة «تبريد» المناخ الذي ساد عقب التفجير الانتحاري في ضهر البيدر وسلسلة المداهمات التي نُفذت في منطقة الحمراء والذي حوّل البلاد أشبه بـ «مستودع رعب»، والثاني السعي الى مواكبة التحدي الأمني المستجدّ الذي استدعى استنفاراً عالياً جداً لمختلف الاجهزة، بإجراءات سياسية تساهم في تكوين «بوليصة تأمين» تشكل ما يشبه «واقي الصدمات» الذي يسمح باستيعاب اي عمل إرهابي ولجم تداعياته وتالياً تفادي وضع لبنان «في فم» الحدَث العراقي المفتوح على الحرب السورية.
واذا كان رئيس الحكومة تمام سلام عاد من الكويت بدعم سياسي واقتصادي ووجّه رسالة طمأنة الى «الاخوة الخليجيين بان الوضع مضبوط» داعياً اياهم الى «ان يأخذونا بحلمهم»، فان اليوم الاول بعد زيارته للكويت تميّز بتطوريْن:
* الاول استقباله السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل حيث ناقشا مواضيع عدة كدعم الولايات المتحدة للبنان وإدارة انعكاسات الحرب في سورية، في مؤشر الى استشعار المجتمع الدولي ارتفاع درجة المخاطر على لبنان في ضوء «الحريق» العراقي الآخذ في التمدّد.
وكان لافتاً اعلان هيل أنّ «العمليات الامنية والانفجار يوم الجمعة وسقوط ضابط من قوى الأمن الداخلي وإصابة آخرين، يعيد تعزيز التزام الولايات المتحدة بلبنان»، مشيراً إلى أنّ «المؤسسات الحكومية والأمنية في لبنان تعمل بجد وبفاعلية لمكافحة الإرهاب والمحافظة على الاستقرار». واذ أوضح أن «هذا الوقت هو للعمل على إغلاق الثغر كي يُفسَحَ المجال لتعزيز أمن لبنان واستقراره»، لفت الى أنّ «التمسك بإعلان بعبدا واعتماد سياسة حقيقية بالنأي بالنفس عن الصراع في سورية هما أمران ضروريان»، مشدداً على وجوب «ألا تُخاض معارك المنطقة في لبنان، وهذا يعني أنه ينبغي على اللبنانيين عدم الانجرار نحو المعارك التي تخاض من قِبَل الآخرين».
* والثاني دعوة سلام التي كانت متوقّعة امس، الى جلسة لمجلس الوزراء الخميس بعدما جرى الاتفاق على تسيير عمل الحكومة في ظل الشغور الرئاسي على قاعدة ان يتم التفاهم على وزراء تفوض اليهم الكتل الاساسية ان يوقّعوا مع رئيس الوزراء المراسيم التي تتطلب توقيع رئيس الجمهورية، وكذلك ان يوزع جدول الاعمال على الوزراء قبل 72 ساعة من موعد الجلسة، على ان يحق للوزراء في الساعات الـ 48 الاخيرة طلب سحب اي موضوع خلافي من الجدول، وسط تقارير اشارت الى ان هذه المنهجية تبقى بحاجة الى تثبيت وعلى الأرجح داخل الجلسة الوزارية.
وفي حين يشكّل المخرج لآلية عمل «الحكومة الرئاسية» مؤشراً الى رغبة جميع الاطراف في لمّ الوضع الداخلي ومحاولة تسيير عجلة المؤسسات بدءاً بالحكومة وصولاً الى البرلمان (وإن كانت تعقيدات فتح باب التشريع فيه على مصراعيه مختلفة)، يبرز الحرص على إعادة الاولوية للاستحقاق الرئاسي على وهج الخطر الامني من دون أي أوهام بإمكان النجاح في فكّ العقد التي تعترض هذا الملف داخلياً ولا بأن تتوافر مظلة اقليمية تتيح تمرير رئيس جديد، بل على العكس فان المناخ الاقليمي يشي باضافة «طبقة» جديدة من التعقيدات في ضوء الاحداث في العراق.
وفي هذا السياق، لفت اعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري امس «ان على لبنان ان يحمي نفسه من تحت إلى فوق والعمل على انتخاب رئيس وعدم تعطيل المؤسسات والسير في نهج النكايات»، فيما رأى النائب وليد جنبلاط «ان المتغيرات الكبرى والمنعطفات التاريخية التي تشهدها المنطقة العربية هي بمثابة تحو?ت غير مسبوقة ? سيما مع ارتداء النزاعات المشتعلة الطابع المذهبي ما يحتم على اللبنانيين بناء مقاربات جديدة أقله لتنظيم الخلاف السياسي بين مختلف الفرقاء وا?سراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية تلافياً ?طالة أمد الشغور الرئاسي والتعثر المؤسساتي في مرحلة حساسة ? تحتمل ممارسة الترف السياسي».
وقال جنبلاط العائد من باريس حيث التقى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وكان الملف الرئاسي «ثالثهما» ان «من الملح والضروري أكثر من أي وقت أن نتجاوز على المستوى اللبناني جانباً من الخلافات السياسية الحادة ونسعى الى توحيد الرؤى في مواجهة التطورات الخطيرة والمتسارعة ا?تية علنا نحافظ على لبنان الجنرال غورو قبل أن نندم ويكون قد فات ا?وان»، ملاحظاً «ان المنطقة العربية والشرق الأوسط سقطا في أتون الحروب والفوضى العارمة، وزالت معظم الحدود العربية وا?قليمية في المساحة التي كانت مسماة الهلال الخصيب».
اما «حزب الله» فسأل بلسان نائب رئيس المجلس التنفيذي فيه الشيخ نبيل قاووق: «هل يحتمل لبنان في ظل التحديات التي تحاصر المنطقة والنار التي تحاصره المزيد من المناورات والمغامرات والتعطيل للمؤسسات، أم أن المطلوب أن نحصن الوحدة الوطنية ونعزز منعة لبنان من خلال تفعيل المؤسسات وتيسير مصالح الناس»، معتبراً في اشارة الى قوى «14 آذار»، ان «العبور إلى الدولة لا يبدأ بتعطيل المجلس النيابي ولا سلسلة الرتب والرواتب ولا بافتعال المزيد من الأزمات، فلبنان بحاجة إلى تهدئة داخلية وإلى حماية التوافق السياسي من أجل أن نكون في موقف واحد لمواجهة الخطر التكفيري».