ممدوح إسماعيل / شاليط... ثمنه الأسرى وليس التهدئة

1 يناير 1970 06:04 ص

توقع الكثيرون من المراقبين للصراع الفلسطيني - الصهيوني أن تكون التهدئة المعلن عنها في 19 يونيو بين «حماس» والعدو الصهيوني ثمنها الإفراج عن الجندي الصهيوني الأسير لدى «حماس» شاليط. ولكن التصريحات الرسمية التي صدرت في مصر عقب زيارة رئيس وزراء العدو الصهيوني يوم 24 يونيو خيبت ذلك التوقع، إذ خرجت التصريحات من مصر بصفتها الوسيط الضامن والملزم للطرفين أن فتح معبر رفح مرتهن بالإفراج عن الجندي شاليط، ليتضح للجميع أن شاليط ليس ثمناً للتهدئة.

ومن هنا، نرجع إلى المطلب الأساسي الذي وضعته «حماس» للإفراج عن شاليط، وهو الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، ليتضح أن التهدئة لم تشمل ذلك مطلقاً، وأنها مرحلة أولى، كما يبدو لجس النبض بين الطرفين الذي احتفظ كل طرف بما يعده رهينة، إذ احتفظت «حماس» بشاليط والصهاينة بالأسرى الفلسطينيين.

ومن اللافت أنه قد مر عامان على عملية أسر الجندي الصهيوني التي تمت في 25 يونيو 2006، وهي العملية التي أُطلق عليها الوهم المبدد، وأعلن أنه اشترك فيها مجموعات ثلاث  من المقاومة الفلسطينية، هي كتائب عز الدين القسام «حماس»، وألوية الناصر صلاح الدين، و«جيش الإسلام». ووقتها كان هذا أول ظهور لافت لتنظيم «جيش الإسلام»، الذي يبدو من تتبع مساره المقاوم أنه له النصيب الأكبر في تلك العملية التي أفزعت وأقلقت العدو الصهيوني.

وجدير بنا أن نلقي الضوء عليها، فهي عملية تاريخية في تاريخ المقاومة من أجل تحرير فلسطين، وقد أقر العدو الصهيوني وقتها بأن العملية الاستشهادية التي أُطلق عليها اسم «الوهم المبدد» في معبر «كرم سالم» على الحدود مع قطاع غزة كانت نوعية نفذها المجاهدون، كما لو أنهم جنود في جيش منظم ومدرب على أعلى المستويات، وقد تكتمت المقاومة عن إعلان تفاصيلها.

لكن أفيف كوخابي، قائد القوات الصهيونية في قطاع غزة وقتها، وصف طريقة تنفيذ العملية بأنهم دخلوا عبر نفق طويل جداً يمتد من مكان ما في القطاع حتى عمق 280 متراً، ما يعني أن طول النفق لا يقل عن 400 متر بعمق 9 أمتار تحت الأرض، وأن حفره استغرق شهوراً طوالاً، وعندما خرج المسلحون الفلسطينيون من النفق توزعوا، حسب قوله إلى فرق ثلاث.

الأولى هاجمت برج المراقبة واشتبكت مع الجنود الصهاينة في المكان، ومن جراء الاشتباك قتل اثنان من المسلحين وجرح ثلاثة جنود من الصهاينة إصاباتهم بليغة.

والثانية هاجمت مدرعة وهمية وضعت في المكان بهدف التضليل، ولم يكن فيها جنود.

والثالثة هاجمت دبابة صهيونية بالصواريخ وألقت قنابل عدة في داخلها، فقُتل قائد الدبابة، وهو ضابط برتبة ملازم أول، وجندي آخر، كما أصيب جندي ثالث، فيما خطف الجندي الرابع.

وقال كوخابي: «أطلقوا صاروخاً على السياج الأمني، وبذلك فتحوا فيه فتحة كبيرة أتاحت لهم العبور السريع، ثم اختفت آثارهم، ولم تتمكن من التعرف على مسارهم، حتى طائرات الهليكوبتر التي انطلقت إلى الجو فوراً بحثاً عنهم».

وكان من اللافت تكتيكياً أن سلاح الهندسة الصهيوني، عندما نزلوا إلى النفق ليفحصوا وضعه، ويعرفوا متى تم حفره، وإلى أين يصل، وجدوا أن المجاهدين الفلسطينيين زرعوا فيه الألغام، ما أعاق حركتهم ووشوش على خططهم العسكرية لتتبع المسلحين.

وقد ذكرت صحيفة «معاريف» العبرية في عددها الصادر يوم الإثنين 26/6/2006 أن خلافات حادة نشبت بين جهاز الأمن الصهيوني «الشاباك» والجيش الصهيوني في شأن الفشل الاستخباري الذي صاحب العملية. وقد عقّب وزير البنى التحتية الصهيوني بنيامين بن أليعازر على العملية قائلاً: «يجري الحديث عن صعود في سلم العمليات الفلسطينية، وهذه عملية خطيرة للغاية، وعلينا استخلاص المعاني من هذا الحدث».

هذا ملخص لتلك العملية التي مر عليها عامان، وأجبرت العدو الصهيوني على الإذعان لطلبات «حماس»، والقبول بالتهدئة بعد أن فشل بالطرق كلها في إرغام «حماس» على التسليم والرضوخ، وها هو اليوم يقبل بتهدئة من دون إفراج عن أسيره، ويظل مصير أسيره معلقاً بضبط الآلة العسكرية الصهيونية لدمويتها. وهذا واضح في عدم رد العدو الصهيوني على خرق «الجهاد الإسلامي» للتهدئة في 24 يونيو عندما أطلقت ثلاثة صواريخ على مغتصبة سديروت عقب قتل العدو الصهيوني لاثنين من كوادر الحركة واستشهادهما في نابلس في 23 يونيو.

ويبقى أن الواضح على خريطة التهدئة أنها شملت:

1 ـ اعتراف صهيوني بـ «حماس» ودولتها في غزة، وهي التي اعتبرتها منظمة إرهابية، وأن التهدئة تعتبر فوزاً سياسياً واستراتيجياً لـ «حماس» وللمقاومة في غزة في ضوء المعطيات كلها على الأرض.

2 ـ إن «حماس» لا تملك قراراً منفرداً في قضية شاليط وتسليمه، وإن القرار الأقوى لمن أسره، وهم «جيش الإسلام» كما يبدو، وبدليل استهدافهم من قبل العدو الصهيوني مرات عدة، آخرها استهدافهم قبل التهدئة بيومين واستشهاد أربعة منهم.

وأخيراً لا جدال أن الجندي الصهيوني شاليط أصبح شوكة في ظهر العدو الصهيوني وجيشه من قبل المقاومة الفلسطينية. ولا ريب أيضاً أن الإفراج عنه مرتهن بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. ولا يخفى أن القرار في الإفراج عن شاليط ومبادلته أصبح قضية مصيرية لـ «حماس» والمقاومة من جهة، والعدو الصهيوني الذي يراوغ في إعلان هزيمته في قضية شاليط من جهة أخرى.


ممدوح إسماعيل


محامٍ وكاتب مصري

[email protected]