دول الخليج الأكثر عرضة لتلوث الهواء بسبب جغرافيتها الصحراوية

إنسان المستقبل... لا حياة بلا «قناع» !

1 يناير 1970 01:05 ص
• المستقبل قد يشهد هجرات من دول تشهد صراعات إلى أخرى تتوافر فيها أساسيات الحياة

• 800 الف إنسان يموتون سنوياً عبر العالم بسبب مرتبط بتلوث الهواء
في الوقت الذي قد يضع فيه بعض الناس «أقنعة» تواري في كثير من الأحيان أشياء لا يريدون إظهارها، سنجد أن البشر جميعهم قد يضطرون في المستقبل القريب لوضع «أقنعة» على وجوههم ولكن في هذه المرة كي يستطيعوا التنفس.

فالسنوات المقبلة على ما يبدو ستحمل الكثير من المفاجآت غير السارة للبشرية ككل، وأول شخص وآخرهم من بادر بإعلان انذار خطير حول هذا المستقبل هو الرئيس الأميركي باراك أوباما، حين قالها صراحة خلال زيارته لعدد من الأطفال الأميركيين المرضى جراء تلوث الهواء، «أكبر خطر يتهدد الأجيال الحالية والمستقبلية في الأمد المتوسط هو خطر صعوبة التنفس».

فما قاله الرئيس الأميركي يضع تصورا لأسوأ سيناريو قد تواجهه اجيال المستقبل، لدرجة أن المحظوظين في هذا الزمن لن يكونوا ملاك المال بل من ستكون لديهم القدرة على تنفس واستنشاق هواء غير ملوث ونقي، حيث اتضح ان نسبة كبيرة من الناس وخصوصا من شريحة الأطفال مصابون بأمراض تتعلق بالتنفس، والسبب هو تلوث الهواء.

الهواء الذي نتنفسه يبدو أن نسبة تلوثه زادت بشكل سريع من دون أن يعرف بذلك الكثير من الناس ولعل الأخطر في ذلك أن زيادة تلوثه بمواد سامة تتم في غفلة عن ساكني الأرض، حيث أصبح الهواء يختزن مواد سامة تنتشر في شكل واسع في الفضاء الأمر الذي يهدد تلوث الهواء في نطاق واسع من الأرض خصوصا في المدن المزدحمة بالبشر.

دراسة علمية أميركية نشرت على موقع الوكالة الأميركية لحماية المحيط على موقع «اي بي أي» أفادت أن «انبعاثات الغازات السامة لم تلوث الهواء فقط بل انها عامل مباشر في توسيع فجوة طبقة الأوزون التي تحمي الأرض، وهذه الغازات هي سبب مهم ومباشر لظاهرة الاحتباس الحراري خصوصا في المدن مع تقلصها في الأرياف بسبب ابتعادها عن المصانع وتلوث انبعاثات السيارات وكذلك بسبب نقاء المناخ».

وتشير هذه الدراسة الى مؤشرات خطيرة جدا أهمها «زيادة نسق تلوث الهواء في أميركا على سبيل المثال منذ عام 1970 بشكل سريع للغاية وما يشكل الخطر الأكبر لهذا التطور السريع هو زيادة تركز المواد الملوثة للهواء الذي يتنفسه البشر في اماكن تمثل كثافة سكانية»، وما يزيد الطين بلة ان «أكثر من 80 في المئة من البشر على الأرض ستتركز عيشتهم في المدن التي ستزيد فيها نسبة تلوث الهواء بشكل أكبر من الريف».

وحسب الدراسة نفسها فإن «الكثير من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات سامة أخرى تسببها زيادة الأسطول العالمي للسيارات وأنشطة اقتصادية تعتمد على الطاقة غير النظيفة ناهيك عن التجارب النووية والعسكرية وزيادة صناعة السلاح المعتمدة في أجزاء منها على محطات الطاقة كل ذلك يسهم أيضا في تلوث المحيط والهواء والماء».

والمخيف هنا ان اقتصادات دول كثيرة نامية تسير نحو تعزيز أنشطة صناعية تعتمد على الطاقة غير الصديقة للبيئة، ولعل هدف هذه الاقتصادات في تحسين الانتاجية ودورها المرجو منها في تقليص البطالة يبرر لها ذلك، لكن التداعيات ستكون غير مفيدة لصحة الانسان حسب ما أكدته منظمة الصحة العالمية، بعد أن كشفت الدراسة أن «نحو 800 ألف انسان يموتون سنويا عبر العالم بسبب مرتبط بتلوث الهواء».

وكالة حماية المحيط في أميركا نبهت بدورها إلى أنه «ما يقارب من ربع الأميركيين يعيشون في مناطق تقلصت فيها نسبة نقاء الهواء وهذه النسبة في ازدياد»، وهو ما دفع بأوباما حسب تقرير أعدته صحيفة «غارديان» الى تحذير المؤسسات المسؤولة عن انبعاث غازات سامة تقتل البشر ببطء».

«أينما كانت هناك محطات لتوليد الطاقة فستكون هناك انبعاث لغازات» تشير منظمات دولية لحماية المحيط. لذلك فإن الولايات المتحدة الأميركية ودولا أخرى بادرت بوضع معايير صارمة لانبعاثات الكربون المساهم في تغير المناخ وتلوثه الى درجة إضراره بالبشر، وخصّت هذه الدول محطات توليد الطاقة كأكبر منشآت تنبعث منها غازات سامة في الهواء. ووضعت دول مثل أميركا وبريطانيا ودول اوروبية مكافآت لقيامها بتخفيض ملوثات الهواء التي يمكن أن تجعل الناس مرضى.

وأوضحت دراسة نشرت على موقع «نانو ويرك» أن «سعي الدول جماعات وافرادا لتحسين عيشتهم ومداخيلهم أضر كثيرا بالطبيعة وأن بعض أساسيات التوازن البيئي الضرورية لحياة صحية للناس أصبحت مهددة خصوصا فيما يتعلق بالمياه والغابات»، فوفق المصدر نفسه «قد تم رصد تقلص للمساحات الخضراء في العديد من دول العالم بسبب زيادة التحضر والتمدن وقيام أنشطة اقتصادية وعسكرية الأمر الذي أثر بشكل بالغ في دول بعينها على نوعية الهواء».

وحسب موقع «نانو ويرك» فإن «تقلص المساحات الخضراء يؤثر سلبا على زيادة انبعاث أوكسيد الكوربون في الهواء لأن الأشجار على سبيل المثال تسهم في امتصاص الغازات السامة ونقصها يسهم سلبا في زيادة تركز هذه الغازات في الهواء. لذلك فإن زيادة نسبة الغازات السامة وأكسيد الكربون في الهواء سرع وتيرة تفاقم الاحتباس الحرراي الذي بدأ الكثير من الناس في العالم يشعرون به وذلك مع ارتفاع درجات الحرارة على غير العادة خصوصا في فصل الصيف».

الاحتباس الحراري يؤثر على الانسان والنبات والحيوان والمياه حيث رصدت الدراسة «زيادة تضرر الغابات والمحاصيل، والبحيرات وتضرر الأسماك والحياة البرية».

ووفقا لهذه الدراسة الأولى من نوعها، التي صدرت عن علماء في جامعة سيراكيوز وجامعة هارفارد فإنه «من الضروري وضع معايير محددة لمحطات توليد الطاقة لتقليص انبعاث ثاني اكسيد الكربون من اجل تحقيق الفوائد الصحية البيئية والبشرية»، لذا فإن تحسين نوعية الهواء من المرجح أن يكون التحدي الأكبر مستقبلا لأنه اذا تحمل الانسان شح المياه فلن يتحمل للحظة صعوبة التنفس وقد يكون مجبرا على وضع قناع لتنفس هواء نقي.

كثرة الحروب والتنافس النووي وتطوير أساليب طاقة جديدة واستعمالات جديدة لمواد كيماوية يمهد لحرب جديدة ستخوضها البشرية في المستقبل وهي حرب البقاء أو حرب المناخ، وهذا المصطلح عنونته صحيفة «غارديان» في تقريرها الأخير عن تحدي تلوث الهواء، والمخيف في الأمر أن أكثر المناطق في العالم التي تعيش أزمات وحروباً هي المنطقة العربية والشرق الأوسط، وهذه المنطقة حسب دراسة قامت بها الجامعة العربية بالتعاون مع الأمم المتحدة «تشهد مشكلات بيئية متفاقمة تتمثل أهمها في شح مصادر المياه وتقلص المساحات الخضراء بسبب الزحف السكاني وتزايد درجات الحرارة وتقلص النشاط الزراعي ما يجعل الحياة في المدن العربية مهددة بزيادة التلوث. فكثير من المدن العربية في المراتب المتقدمة في نسب التلوث ولعل القاهرة ابرز مثال».

وحسب دراسة الجامعة العربية بالتعاون مع الأمم المتحدة التي نشرت على موقع الأمم المتحدة فإن «أنواعا رئيسية من مصادر تلوث الهواء تتوافر بالمنطقة العربية مثل العواصف الترابية والعواصف الرملية والغازات المسببة للاحتباس الحراري والغازات الأخرى المنبعثة من مختلف الصناعات.

إلى ذلك، فإن نسبة تلوث الهواء ارتفعت بسبب زيادة المناطق الحضرية ونمو شبكات وأسطول النقل مع زيادة التصنيع، وقلة الوعي ونقص العمل المؤسسي المتوافق مع معايير حماية البيئة والتقليص من التلوث، لذلك ارتفعت نسبة الهواء الملوث في دول عربية بسبب ضعف الرقابة على مصادر التلوث المذكورة سابقا.

وحسب الدراسة نفسها «قد تكون دول الخليج والدول العربية الأكثر عرضة لتلوث الهواء خصوصا بسبب جغرافيتها التي تغلب عليها الطبيعة الصحراوية التي تشهد الكثير من العواصف الرملية بالاضافة الى صناعات الطاقة البترولية وتوليد أنواع أخرى من الطاقة، وهي كلها مصادر رئيسية في تلوث الهواء».

وذكرت ورقة بحثية نشرت على موقع النشرة العالمية للطاقة والمحيط وتناولت وضعية تأثير استعمالات المياه المحلية على انبعاثات الهواء الملوث في أبو ظبي، أن «التسربات التي تحدث في محطات تحلية المياه المنتشرة في الامارات وفي دول الخليج عامة تسبب زيادة تلوث الهواء وان التحكم في هذه التسربات يخفض من انبعاثات الغازات التي تلوث الهواء».

الى ذلك فإن تقريرا نشر على «غارديان» حذر من «تفاقم مشكلات التلوث في الهواء والماء وفي الغذاء وانها ستمثل خطرا يهدد الأمن القومي في دول كثيرة»، كما حذرت الدراسة التي قام بها مركز التحليلات للمجلس الاستشاري العسكري الأميركي من خلال قراءة خطاب أوباما الأخير حول انبعاثات الغازات السامة وتأثيرها على البشر ان «مشكلة التلوث ستترافق مع مشكلات اخرى متعلقة بزيادة الكوارث الطبيعية وتقلص موارد المياه والغذاء، هذه المشكلات قد تزيد النزاعات بين الناس في دول تتقلص فيها هذه المصادر، لذلك فإن ازمة المناخ والبيئة ستكون محفزا للصراع».

وحذرت الدراسة من موجات هجرات عالمية من دول تشهد صراعات من أجل مصادر الحياة الى دول اخرى تتوافر فيها اساسيات الحياة من ماء وهواء وغذاء، وفسرت الدراسة ان ظاهرة اللجوء ستزيد بسبب صراعات على هذه الموارد.