حركة أمنية لافتة حول مستشفيات الضاحية الجنوبية

لبنان يحاول «الاحتماء» من تداعيات الاحتقان الإقليمي المتصاعد

1 يناير 1970 07:43 ص
لا تبدو التحركات السياسية والنيابية والحكومية في لبنان رغم كثافتها الظاهرية مبشّرة بخرق قريب للأزمات التي تعانيها البلاد وفي مقدمها مأزق الفراغ الرئاسي الذي يضرب موعداً اليوم مع فشل جديد في انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة السابعة للبرلمان التي لن يكتمل نصابها، مع ما يتركه هذا الامر من تداعيات على سائر المؤسسات الدستورية والسياسية.

ولم يكن ينقص هذا الواقع المأزوم سوى الخشية من انعكاسات التطورات الجارية في العراق حتى اكتملت صورة الغموض الكبير الذي يكتنف مصير الاستقرار السياسي والأمني، ولا سيما في ضوء ما شهدته الساعات الاخيرة من تصاعُد المؤشرات الى دخول لبنان او بالأصح إقحامه في دائرة المخاوف من تداعيات الأحداث العراقية من خلال مؤشرين:

* الاول حادث استنفار امني لعناصر من «حزب الله « قرب مسجد الرسول الاعظم على طريق مطار بيروت الدولي ليل الاثنين عُزي سببه اولاً الى احباط محاولة تفجير ارهابية قامت بها مجموعة اشخاص من مخيم برج البراجنة اللصيق بالمنطقة، ثم اثيرت رواية اخرى تحدثت عن احتياطات امنية استباقية لحادث ارهابي بعد ورود معلومة عن ان ثمة عملية تُحضّر لاستهداف واحدة من 3 مستشفيات في الضاحية ما استدعى على الفور انزال المئات من عناصر الحزب نفذوا انتشارهم عند كل الشوارع والازقة المؤدية الى مدخل مستشفى الرسول الاعظم وهو ما اعقب الحديث عن حفر نفق بين مخيميْ برج البراجنة وشاتيلا من دون ان تثبت اي وقائع رسمية حيال الروايتين.

* والثاني تسريب كلام للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خلال لقاء مع قادة «كشافة المهدي»، قال فيه انه لولا تدخل الحزب في سورية لكانت «داعش» في بيروت اليوم. واذ توقف عند سيطرة «داعش» على الموصل ومناطق أخرى في العراق، اشاد بموقف المرجعية الدينية في النجف، معتبراً أن ما صدر عنها من دعوة لحمل السلاح بوجه الإرهابيين «ليس القصد منه حماية طائفة بعينها بل حماية العراق بأسره».

وطرح نصرالله تساؤلات حول ادوار بعض الدول الخليجية والإقليمية في ما يجري في العراق، كما رسم علامة استفهام حول حقيقة الموقف الأميركي، وقال: «عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. ثقوا بأن السحر سينقلب على الساحر، انتهى الزمن الذي يسمح فيه لأحد بهدم أو تدنيس المقدسات الدينية».

وفي غمرة هذا الواقع، لا ينظر وزير بارز في الحكومة الحالية بعين الارتياح الى مجريات الوضعين السياسي والامني ولو انه لا يبدي مخاوف متعاظمة على الاستقرار الامني في المدى القريب على الاقل. ويقول هذا الوزير لـ «الراي» ان توظيف الأحداث العراقية لفرض مزيد من القيود على الأزمة السياسية في البلاد بات امراً شبه مفروغ منه سواء كان هناك ما يبرر المخاوف مما يسمى الخلايا النائمة لداعش وسواها من التنظيمات الاصولية الارهابية او استُعمل هذا الخطر للتضخيم لأهداف سياسية داخلية واقليمية.

ولا يخفي الوزير نفسه خشيته في حال تمادي الأزمة الرئاسية والسياسية الراهنة من تلقي لبنان تداعيات الاحتقان الايراني - الخليجي العائد بقوة الى ساحات عدة على خلفية انفجار التطورات العراقية مما يعرض لبنان الضعيف المناعة لمزيد من الاختبارات الصعبة ولا سيما منها اعادة محتملة للتوترات المذهبية مع ان الافرقاء المعنيين بهذا الخطر لا يزالون حالياً يظهرون تماسكاً وممانعة بالحد الأدنى للوقوع تكراراً في هذا المحظور.

اما في التحركات السياسية الجارية حيال الملفات المأزومة المتنوعة، فإنّ الوزير الواسع الاطلاع لا يبدي ايضاً تفاؤلاً بإمكان وضع حدّ قريب للأزمة الرئاسية ولا ايضاً لمسائل شائكة مطروحة مثل الاتفاق على انتظام عمل مجلس الوزراء وتأمين انعقاد جلسة لمجلس النواب لبتّ مشكلة سلسلة الرتب والرواتب اذ يقول ان تشابك التعقيدات والتباينات حيال الازمة الرئاسية صار بمثابة حصار كامل لم يعد معه ممكناً فصل ملف عن آخر او عزل قضايا تهمّ المواطنين عن الخلافات السياسية.

وفي سياق هذه الرؤية القاتمة الى حد بعيد بدا لافتاً ان الوزير المطلع على كثير من التحركات الجارية داخلياً استبعد ان يتوصل اللقاء الذي سيجمع كلا من الرئيس سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط في باريس في الساعات المقبلة الى إحداث اي ثغرة في المأزق الرئاسي تبعاً لمعطيات اقليمية وداخلية لا تسمح راهنا بتوقع اي تطور ايجابي على المسار الرئاسي.

ويدرج الوزير اللقاء بين الحريري وجنبلاط، الذي انتقل امس الى باريس حيث سيلتقي ايضاً الرئيس السابق ميشال سليمان الموجود في العاصمة الفرنسية، في ترتيب العلاقات الثنائية بين رئيس تيار «المستقبل» والزعيم الدرزي واعادة التقارب ولو ان اللقاء مرشّح لان يشهد تداولاً عميقاً في مسألة الرئاسة والمرشحين لها وامكانات التوصل الى توافق على اسماء من شأنها ان تشكل ارضية انطلاق لتوسيع المشاورات لاحقاً مع الافرقاء الآخرين.

والى جانب لقاء الحريري - جنبلاط تتجه الانظار الى اللفتة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يوم غد تجاه لبنان ورئيسه السابق ميشال سليمان الذي يستقبله هولاند في قصر الاليزيه حيث لن يغيب عن المحادثات الملف الرئاسي اللبناني.

وفي موازاة الاهتمام بالحِراك الذي تشهده باريس، كانت بيروت تنتظر امس اطلالة زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون مساءً حيث كان يفترض ان يتناول المشهدين الرئاسي والنيابي، مركزاً على فكرة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب على مرحلتين (انتخاب المسيحيين أولا، وبعدها يتنافس أول فائزين مارونيين على المستوى الوطني)، كما إلى الحوار مع الرئيس الحريري حول تبنيه مرشحاً توافقياً ومع الرئيس نبيه بري ومستقبل علاقته بالنائب جنبلاط اضافة الى المبادرة التي كان أطلقها مرشح 14 آذار الدكتور سمير جعجع قبل اقل من اسبوعين وطرح فيها على عون ان يحصل بينهما «تفاهم على مرشحيْن للرئاسة يرتاح إليهما عون ويحققان الحد الأدنى من قناعات قوى الرابع عشر من آذار كي يُصار إلى انتخاب أحدهما رئيساً للجمهورية».