الدولة غائبة والاحتكار غيّب اللبنانيين عن كأس العالم

لبنانيون «يتسوّلون» المونديال على الطرق

1 يناير 1970 07:25 ص
رجل سبعيني يتفيأ شجرة ليلاً وهو يتابع عن بُعد في الشارع المباراة التي كانت تفتتح مونديال البرازيل... المشهد كان ليبدو عادياً لولا ان هذا الرجل، الذي حمل بيده كيساً ابيض صغيراً وانتعل «مشاية»، كان «يسترق النظر» الى شاشة كبيرة في أحد المقاهي حيث احتشد العشرات لمتابعة «كأس العالم».

هذا السبعيني ومثله العشرات الذين تمّ تداوُل صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي محتشدين على مسافة تُبقيهم في «مرمى نظر» الشاشات العملاقة المنتشرة في «كافيهات» لبنان، يعبّرون عن واقع «مضحك مبكٍ» لبلدٍ ترك أبناءه «ينامون على حرير» وعد من الدوحة بالسماح لـ «تلفزيون لبنان» الرسمي ببث مباريات كأس العالم مجاناً عبر تردداته، ليستفيقوا على «كابوس» عدم وصول «الهدية» القطرية وحصول نزاع بين أصحاب السواتل والكوابل اي شركات «الدش» التي تحتل الحيز الأكبر من السوق اللبنانية، وبين شركة «سما»، الموزّع الحصري لقنوات «بي إن سبورتس» بواسطة الكايبل ومالكة حقوق بث مباريات مونديال 2014 حصرياً في «بلاد الأرز»، ما جعل قسماً كبيراً من اللبنانيين في «عمى» عن المونديال غير مجهّزين لمتابعة الايام الثلاثة الاولى منه وربما كل أيامه المقبلة.

هذا الواقع «المُر» شكّل صدمة كبيرة للبنانيين الذين كانوا تحضّروا في الأسابيع الماضية لاستقبال المونديال بما يشبه «العرس» الذي عمّ البلاد بطولها وعرضها وسط نشر أعلام المنتخبات الأكثر جماهيرية على الشرفات ورفْعها على السيارات، في مشهدٍ لم يعتقدوا انه سينتهي بان ترفع دولتهم «العشرة» امام مأزق عدم قدرتهم على متابعة مونديال البرازيل دون تكبُّد عناء شراء جهاز استقبال (ريسيفر) يراوح سعره بين 90 و 200 دولار ثم «الكارت» الخاص من شركة «سما» الذي تبلغ تكلفته لوحده 110 دولارات ما يعني وجوب دفع نحو 300 دولار اي أكثر من نصف قيمة الحد الادنى للاجور في لبنان، وهو ما لا يستطيع القسم الاكبر من الشعب اللبناني تحمل عبئه.

غضب، تحطيم أجهزة استقبال البث العائدة لأصحاب السواتل والكابلات، شتائم واعتراضات بالصوت العالي او بالصوت «المتألّم» على مواقع التواصل الاجتماعي... هذا غيض من فيض المشهد الذي يسود بيروت منذ انطلاق المونديال وسط تمسُك شركة «سما» بحقها الحصري الذي تكبّدت عليه 5 ملايين دولار وصولاً الى تقدمها بشكوى قضائية كرّست لها منع بث اي من مباريات كأس العالم إلا عبرها، وقد لبّى القضاء طلبها واستجاب أصحاب «الدش» وباشرت القوى الامنية بالتنفيذ.

وبهذا القرار القضائي سُدّت امام اللبنانيين «نافذة» كان قسم كبير منهم نَفَذ عبرها في اليوم الاول من المونديال لمتابعة افتتاح كأس العالم ومباراة البرازيل وكرواتيا وذلك من خلال قناة tf1 الفرنسية التي يوزّعها اصحاب «الدش» على المنازل وغيرها من قنوات كان اللبنانيون عمّموا تردّداتها قبيل انطلاق المونديال باعتبار انها تنقل وقائعه مجاناً.

وتحت وطأة «صرخة» اللبنانيين، الذين اختار بعضهم متابعة المباريات لدى جار او صديق حظي بـ «نعمة» شراء كارت «سما» او في المطاعم والمقاهي الذي دفعت آلاف الدولارات لقاء بث المونديال، او وجد بعضهم الآخر نفسه مضطراً لـ «تسوُّل» مشاهد من المباريات في الساحات العامة، خرج المنسق العام لشبكات توزيع «الكايبل» محمود خالد في مؤتمر صحافي قال فيه: «الدولة تهربت من مسؤولياتها، ولم نسمع أي كلمة من أي مسؤول يقول: من كان يريد مشاهدة المونديال فعليه أن يدفع المال للوكيل، فغياب الدولة في هذا الموضوع أمر غير طبيعي»، مضيفاً: «إذا تفهمنا القضاء والوكيل لفترة محدودة، إلى حين تشكيل لجنة وزارية لإيجاد حل، فسنستمر بالبث. أمس، سجلنا حالات غضب من الشبان غير القادرين على دفع أموال لحضور المباراة، وتلقينا 35 ألف اتصال خلال 45 دقيقة، وعدد من المشتركين حطم الموزعات. نحن جاهزون للمساعدة في إيصال أي خير لمصلحة المستهلك».

وفيما اعلن رئيس جمعية أصحاب الكوابل والسواتل إيلي بريخا انه «لو كان ا?مر يتعلق بنا لتركنا بث القنوات يصل الى كل الناس لكن وصلتنا مساء الجمعة رسالة من شركة سما تحذر من إعادة بث قناتي bein sport و Tf1 تحت طائلة المسؤولية ?نها تملك الحق الحصري لعرض المونديال في لبنان»، اكد المدير العام التنفيذي لشركة «سما» حسن الزين التفاوض مع أصحاب الصحون اللاقطة والموزعين للتوصل إلى حل، موضحاً أن الشركة طلبت حجب المحطات الأجنبية لحظة بث المباريات فقط.

وفيما لا يبدو اي حل متاحاً خارج تأمين «الملايين» التاي دفعتها «سما» لقاء حقها الحصري سواء من الدولة اللبنانية او من متمولين، اعلن وزير الاتصالات اللبناني بطرس حرب امس ان اتصالاته مع «سما» متواصلة لايجاد حل للبنانيين، وقال: «ليس من الجائز أن تبقى قضية مشاهدة مباريات كأس العالم في لعبة كرة القدم محصورة في من لديهم الإمكانات المالية لمشاهدتها، وممنوعة عن عامة الناس وأصحاب الدخل المحدود، ما يشكل تمييزا طبقيا لم يعد مقبولا، لأنه يتنافى مع أبسط قواعد العدالة والمساواة بين الناس».

أضاف: «ان هذا الواقع يدفع وزارة الاتصالات لاستئناف محادثاتها مع الشركة التي تتمتع بالحق الحصري للبث في لبنان للاتفاق معها على منح الحق للبنانيين بمشاهدة المباريات ومتابعتها مجانا على أمل أن تؤتي المحادثات ثمارها اتفاقا يحقق للبنانيين المحرومين من فرصة مشاهدة المباريات مطلبهم في أن يتابعوها مجانا»، آملا في التمكن من إعلان البشرى الطيبة في الساعات المقبلة.