يفرضون شروطاً تعجيزية على المستأجرين الجدد
... ماذا عن «مافيا» الحرّاس
| كتب محمد الحايك |
1 يناير 1970
11:41 م
• بعض المستأجرين يضطر لدفع 150 و200 دينار «إكرامية» للفوز بالشقة
«إيجاد شقة للإيجار في الكويت» قد يصلح ليكون عنواناً للنسخة الجديدة من أفلام «المهمة المستحيلة» للممثل الأميركي الشهير توم كروز، فوحدهم أصحاب الدخلين المتوسط والمحدود يدركون حيثيات هذه المهمة التي تستغرق أسابيع وربما أشهراً طويلة.
صحيح أن المشاريع كثيرة والشقق الاستثمارية «على قفى مين يشيل» كما يقول المثل المصري، إلا أن القطبة المخفية تكمن في أن تجد شقة مناسبة لأربعة أشخاص فقط بإيجار مناسب ومقبول، أي ألا يتجاوز متوسط هذا الإيجار عتبة الـ 320 ديناراً شهرياً (نحو 1150 دولارا)، نعم 320 ديناراً بات سعراً مقبولاً في عالم إيجارات اليوم.
قد تكون قصة خالد (شاب في الثلاثينيات متزوج وله ابنتان) والذي يعمل مديراً للمبيعات في إحدى شركات الأدوات الكهربائية والمعدات الإلكترونية، نموذجاً لما يواجهه كل رب أسرة يبحث عن منزل بديل للذي يقطنه بعدما أخطره مالك العقار بضرورة ترك شقة خلال 6 أشهر، لأن مشروعاً ضخماً سيقوم على أنقاض مجموعة من البنايات في الحي.
يمضي خالد نصف يومه في تقليب صفحات الجرائد الإعلانية المتخصصة (المبوّبات) علّه يجد ضالته المنشودة، تقع عينه على رقم هاتف هنا وآخر هناك يتحدث صاحبه عن شقة بالمواصفات التي يلهث خلفها خالد، يسارع إلى التقاط هاتفه وطلب الرقم آملا ألا يكون قد تأخر، بعد تحية الإسلام وشرح سبب الاتصال يعود خالد إلى صفحات «المبوّب» مرة جديدة «فالشقة وفق ما يؤكد حارسها راحت في حال سبيلها».
يحاول الرجل مجدداً وهذا المرة يكون الجواب إيجابياً أو هكذا اعتقد على الأقل، يعطيه الحارس العنوان ويضرب له موعداً من أجل معاينة الشقة، ولكن ما إن يدخل الشقة حتى يجد أنها مختلفة عن تماماً عما جاء في مضمون الإعلان فهي ليست بالحجم المطلوب كما ان وضعيتها ليست جيدة، يسأل خالد الحارس عن السبب، فيجيب «بصراحة الشقة المذكورة في الإعلان أُجّرت وهذه واحدة أخرى نبحث لها عن زبون»، على قاعدة إذا لم يقبل بها هذا سيقبل بها ذاك.
يعاود خالد الكرّة مرة أخرى مع رقم جديد وشقة جديدة، وعلى عكس المرة الماضية يجد أن الشقة التي ذهب لمعاينتها بالمواصفات المطلوبة، وما إن يبدأ النقاش حول موعد توقيع عقد الإيجار مع المالك، يخبره الحارس أن هناك مشكلة بسيطة وهي أن الإيجار ليس كما هو مذكور في الإعلان (320 ديناراً) وإنما يزيد بخمسين ديناراً معللاً ذلك بالقول «يا استاذ خالد انت عارف ان الطلب كبير والإيجارات مرتفعة جداً».
يستعيد خالد صفة الباحث مرة أخرى، وبعد عشرات الشقق والأرقام الأخرى لم يتغيّر الجواب تارة تم تأجير الشقة أمس أو أول من أمس وتارة قبل بضع ساعات وهكذا دواليك.
يترك الرجل الذي تعيْنه زوجته المعلمة في إحدى المدارس على تجاوز صعوبات الحياة، «المبوّبات»، ويتجه إلى حراس العمارات الذين ينسقون مع بعضهم البعض في الأحياء المجاورة، عسى أن يفلح التواصل المباشر في مساعدته على تحقيق مبتغاه، وبعد طول انتظار يتلقى صديقنا الذي بات معروفاً من قبل جميع بوّابي الحي اتصالاً يقول صاحبه «طلبك عندي يا باشا بس ما تنسنيش بالحلاوة».
يمضي خالد إلى العمارة المحددة ومرة جديدة يعاين الشقة التي تنال كما سابقتها رضاه، وعند الاستفسار أيضاً عن موعد توقيع العقد يباغته الحارس بالقول «هكلمك بصراحة يا استاذنا إذا كنت عايز الشقة فلازم تدفع أكتر عشان في حد متكلم عليها، في زبون تاني جي بكرا يخلص»، يرد خالد «والحل؟» فيسهب الحارس في الشرح عن صعوبة إيجاد شقق في هذه الأيام وغلاء الأسعار فضلاً عن تهافت المستأجرين، ولكن ذلك يعني وفق ما يذهب إليه حارس العمارة أن من سيدفع إكرامية أكبر سيكون صاحب الحظ السعيد»، وفي خلاصة الحديث يتبين أن «الإكرامية» التي سيقبلها الحارس لا تقل عن 180 ديناراً، وقد تصل في بعض الحالات أو الكثير منها إلى 200 دينار.
لم يجد الرجل (هناك المئات مثله) في نهاية المطاف سوى الاستسلام لجشع الحارس الذي يختصر طمع وابتزاز شريحة أو شبكة (باتت أقرب ما تكون إلى المافيا) سنت قوانين وأعرافاً خاصة بالبقشيش و«الإكراميات»، لتستغل خالد وأمثاله من الموظفين وأصحاب الدخلين المحدود والمتوسط.