صرخة مكلوم... لإغاثة جامعة الكويت
| بقلم عبدالله الكندري |
1 يناير 1970
05:07 م
لمَّا نتكلم عن جامعة الكويت، إنما نتكلم عن أعلى صرح أكاديمي علمي في البلاد، لذا يجب أن تكون اللوائح والقوانين المعمول بها على مستوى هذا الصرح الأكاديمي، بمعنى أنَّ اللوائح والقوانين إذا كانت تقف حائلا بينها وبين الارتقاء بالجامعة علميا وأكاديميا فيجب أن تتغير وتتبدل لتتسم بالمرونة في تطبيقها وتصب في مصلحة العملية التعليمية بما يتواءم مع تطور الجامعة، ويجب أن يطبق روح القانون ولا نقف فقط عند نصه.
ولكن الواقع أن في جامعة الكويت بعض اللوائح يُحَكم بها كأنها سيف مصلت على الرقاب، ويُعْمِلون نص القانون ولا يُعْمِلون روحه، فكأن هذه القوانين قوالب جامدة لا روح في من يتعامل معها.
ويوجد في لائحة جامعة الكويت مواد ظالمة وجائرة، وأضرب مثالا لجور مادة من مواد اللائحة الجامعية الظالمة للكويتيين فقط، اسمها «الانتظام والانتساب»، ويعنون بهذه المادة أنَّك ما كنت متفرغا للدراسة أثناء تحضيرك للدكتوراه، لذلك لا يُسْمَحُ لك بالانضمام إلى سلك الهيئة التدريسية مهما بلغت كفاءتك العلمية، وبحوثك العلمية المحكمة، وخبرتك التدريسية.
وتطبق هذه المادة كأنها قرآن منزل من السماء لا تتبدل ولا تتغير، فإذا كان الله سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين غيَّر بعض الأحكام من تنزيله لأنَّ بعض هذه الأحكام قد تناسب زمناً دون آخر وهو ما يُعْرَف بعلم «الناسخ والمنسوخ».
أما شعار جامعة الكويت فكأنه يقول: «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ، وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ» أما القائمون على الإدارة الجامعية فالقوانين واللوائح لا يجوز محوها ولا تغييرها ولا إبداء شيء من المرونة في تطبيقها.
إننا يجب أن نفرق بين مدير الجامعة ومدير في وزارة، ويجب أن نفرّق بين رئيس قسم في وزارة ورئيس قسم في الجامعة.
مدير الجامعة أستاذ جامعي «بروفيسور» أمضى سنواتٍ من عمره في البحث العلمي والأكاديمي، يعرف القيمة العلمية والأكاديمية للجامعة، وهكذا رئيس القسم العلمي بالجامعة، وكذلك عميد الكلية بالجامعة، لذلك يجب على الجميع أن ينطلق من هذا المنطلق للارتقاء بالجامعة.
جامعة الكويت تشدد في قضية تعيين الكويتيين الذين لم يحالفهم الحظ أن يكونوا معيدين في الجامعة، لكن هؤلاء ساقتهم همتهم العالية ورغبتهم الصادقة في إكمال تعليمهم، بل وأنفقوا الآلاف المؤلفة لنيل الشهادات العليا لخدمة بلادهم، ثم يصدمون بلائحة جامعية ظالمة جائرة ليس لها أي وزن أو قيمة تحول بينهم وبين التعيين كأعضاء هيئة تدريس بالجامعة...هذه واحدة.
بعضهم يقول نريد أن نغلق الباب على بعض ضعفاء النفوس الذين حصلوا على الدكتوراه بطرق غير مشروعة، ولا يعرفون شيئا في مجال تخصصهم، ولهم الحق كل الحق في هذا التحفظ وهذا التخوف حرصا على مكانة الجامعة وسمعتها الأكاديمية ومستقبلها الأكاديمي، وهو اعتراض مقبول شكلا وموضوعا، ولكن ليس معنى التخوف من عدم الكفاءات أن نظلم الكفاءات.
فعلى الرغم من وجود بعض الحاصلين على الدكتوراه من الكويتيين يدرسون بالجامعة لسنين طويلة منتدبين أو على درجة من درجات الهيئة الأكاديمية المساندة ويقومون بالتدريس بالجامعة، ولهم بحوث علمية، وكفاءة في مجال تخصصهم، وخبرة تدريسية طويلة إلا أن تلك اللائحة الظالمة تحول دون تعيينهم... فما السبب؟... بعد كل هذه التجربة... إنه ليس تخوفا من عدم الكفاءات بعد أن أثبت هؤلاء كفاءتهم ومقدرتهم العلمية والتدريسية.
وإن لم يلق ذلك آذانا صاغية، فإننا نوجه سؤالا إلى الإدارة الجامعية عن الذين يدرسون في الجامعة إما بالتعيين أو بالانتساب أو كهيئة أكاديمية مساندة، ولا تنطبق عليهم لائحة التفرغ أثناء دراسة الدكتوراه، أي منحوا الدكتوراه بالانتساب، على حد زعم الإدارة الجامعية، فلماذا سمحتم لهم بالتدريس وهم يحملون الدكتوراه بالانتساب، هل تعترفون بشهادتهم أم لا تعترفون بها؟
وسؤال آخر نطرحه على الإدارة الجامعية بالنسبة للأساتذة غير الكويتيين المُعَيَّنين في سلك الهيئة التدريسية بجامعة الكويت، كيف تستطيع الجامعة أن تثبت أن هؤلاء كانوا متفرغين أثناء تحضيرهم للدكتوراه وأنهم مُنحوا الدكتوراه بالانتظام وليس بالانتساب، أم أنّ اللائحة تخص الكويتيين فقط.
لا يفهم كلامي أني أريد التعيين بلا ضوابط وشروط، ولكن أرى أنَّ كل حاصل على درجة الدكتوراه وتنطبق عليه هذه الشروط، وهي أن يكون، عَمل في قسم من الأقسام العلمية في الجامعة منتدبا لسنوات طويلة، أو مدرسا للغة، أو كهيئة أكاديمية مساندة، ويتمتع بكفاءة علمية في مجال تخصصه، وله خبرة طويلة في التدريس بالجامعة، وله بحوث علمية محكمة منشورة، وحصل على موافقة القسم العلمي... يجب أن يعين وأن تذلل اللائحة له، ولا تقف الشؤون العلمية في وجهه، وتقول له: «أنت ما كنت متقرغا»، أو «أنت ما أخذت إجازة»، ألم أقل إن هذه اللائحة تقف في وجه الكفاءات من الكويتيين.
لا أرى أن لهذا معنى أو تفسيرًا إلا تفسيرا واحدا، وهو أن الشؤون العلمية لا تعتد بالكفاءات العلمية، ولا بالخبرة التدريسة، ولا بالبحوث العلمية، ولا تضع اعتبارا لموافقة القسم العلمي، ولا تزكيات الأساتذة في التخصص، بل أجد تناقضا في قراراتها عندما تسمح للحاصل على الدكتوراه بالانتساب، على حد زعمهم، بأن يعمل بالانتداب ولا يعمل بالتعيين، أو عندما يعمل مدرسا للغة ولا يعمل كعضو هيئة... ما الفرق؟ إن كانت شهادته لا تعترف الشؤون العلمية بها.
ثم إن تطبيق اللائحة يختلف إذا كان الحاصل على الدكتوراه بالانتساب، على حد زعمهم، ذكرا أو أنثى، أي تطبيق عنصري في اللائحة وتخبط شديد في سلوك الإدارة الجامعية أوضحه في هذا المثال: عند تعمل دكتورة منتدبة في جامعة الكويت أو تعمل مدرسة لغة بها، وشهادتها للدكتوراه بالانتساب، كما يقولون، أي لم تكن متفرغة أثناء تحضيرها للدكتوراه، ولكن من حظها أنها امرأة، وكونها امرأة تستطيع أن تكسر هذه اللائحة الظالمة وتزود الجامعة بإجازة أمومة أو رعاية طفل وتقدمها للجامعة وتقول: «هذه شهادة تفرغ»، فتستجيب الجامعة صاغرة على ضوء هذه الإجازة، علما بأنها مثل أخيها أثناء تحضيرها للدكتوراه لم تكن متفرغة.
فإذا كان مدير الجامعة الحالي الدكتور عبداللطيف البدر، لا يفتأ يقول أنَّ الجامعة تعاني نقصا في أعضاء هيئة التدريس، وأن بالجامعة أكثر من 40.000 طالب، يقابلهم 1350 عضو هيئة تدريس، ويرى أن الجامعة تحتاج إلى أكثر من ضعف الهيئة الحالية لكي تكون الجامعة مستقرة وتوازي أو تقارب بعض الجامعات العلمية المشهود لها بالكفاءات العلمية.
لوائح الجامعة ظالمة تقتل الكفاءات العلمية بل تقتل الطموح في نفوس الكويتيين أصحاب الهمم العالية الذين يستطيعون ملء الفراغ في سلك أعضاء هيئة التدريس، لأنّه في ظل هذه اللوائح يستحيل أن يُعين كويتي من خارج الجامعة تحت ذريعة لائحة الانتساب والانتظام.
إنّ من يطلع على شروط التعيين بجامعة الكويت يأخذه العجب كل مأخذ، عندما يلحظ أن الجامعة تركز على كلمتين فقط هما: الانتظام، والانتساب، ولا تعتد بالكفاءة العلمية، ولا بالخبرة التدريسية، ولا بالبحوث العلمية، فهل ترتقي الجامعة علميا وأكاديميا بالبحوث والكفاءات العلمية أم بكلمتي الانتساب والانتظام... ما لكم كيف تحكمون؟، وكذلك لا أرى تنسيقا بين الأقسام العلمية والكلية والشؤون العلمية بداخل جامعة الكويت، وإلا فكيف يوافق القسم والكلية، وترفض الشؤون العلمية قرار القسم العلمي وقرار الكلية.
إننا لا ندري من يَسُنَّ القوانين واللوائح في هذه الجامعة؟ التي نود لها كل الازدهار والتقدم والرقي في بلدنا الحبيبة الكويت.
هذه صرخة مكلوم لعلها تجد آذانا صاغية تنصت إليها... وتنقذ جامعتنا من الوقوف في وجه الكفاءات من أبنائها، وهذه كلمة حق أردت أن أصرخ بها ليصل الحق إلى أصحابه.
* رئيس وحدة اللغة العربية، بمركز اللغات، كلية الآداب، جامعة الكويت.