تحقيق / «الراي» رصدت ميدانياً عمليات البيع وضح النهار في غياب الرقابة الصحية والأمنية والأخلاقية
الأغنام النافقة و«الموبوءة» ... على الموائد الكويتية
| كتب نواف نايف |
1 يناير 1970
02:41 م
• تجارة اللحوم «الهالكة»... من حظيرة النفوق إلى بطون الناس
• «المتردية» و«النطيحة» والمريضة تباع على الجزارين وبعض المطاعم ليتناولها الناس «طازجة» و«مشوية»
• مزاد الجهراء تحت سيطرة (ف) و(ع)... والسلخ والتقطيع في الجواخير
• «المريضة» تباع بدينارين قبل أن تنفق والجزار يشتريها بسبعة دنانير والمستهلك يدفع 4 دنانير للكيلو
• الخراف والنعاج... في هذه التجارة جرباء وعرجاء وبعضها تعاني «نزف الرئة»
• بعض أصحاب الحلال كانوا يرمون أغنامهم المريضة في الخلاء حتى تنفق لكن اليوم «العوض ولا القطيعة»
• بعض المطاعم تحولها «سيخ شاورما» تضحك له المعدة الجائعة أو كباباً متبلاً ومشوياً على «اللهب»!
• (ع) لـ «الراي»: «ياعم مفيش لحمة تترمي للزبالة والناس تأكل إزاي وسعر الخروف بـ 140ديناراً؟!»
بعيدا عن عيون «الرقابة الصحية والبلدية والامنية... والضمير، يجد «ف» و«ع»، وآخرون تجارتهم المربحة في بيع الاغنام المتردية، والنطيحة»، والمريضة... وأحيانا النافقة على «الجزارين» وبعض المطاعم لتصل الى البطون في نهاية «المؤامرة « بما تحمله من سموم وفيروسات خطيرة.
تجار «الاغنام الموبوءة» وافدون، لكنهم سيطروا على صفاة الغنم في الجهراء مقتنصين كل الخراف المريضة التي تباع بأسعار زهيدة تصل احيانا الى دينارين فقط لاغير، في حين تباع على الناس باسعار تصل الى 4 دنانير للكيلو!
«(ف)» الآسيوي و«ع» العربي» تحديدا الاكثر شهرة في هذا المجال وفقا لافادات «شريطية» الصفاة وبينهما تنافس شديد على جمع الاغنام العربية المريضة من اهل الحلال الذين كانوا يتخلصون من النعاج المريضة برميها في الخلاء، لكن في السنوات الاخيرة راجت تجارة هذه الاغنام التي يباع منها يوميا زهاء 100رأس «معظمها» مصابة «بالجرب» واخرى عرجاء وبعضها تعاني «نزف الرئة» ما دفع مربي الماشية الى بيع ما لديهم بدلا من رميها.
«الاغنام» الموبوءة تذبح بطرق غير مشروعة، وفي أماكن سرية، منها في جواخير الجهراء والجليب والشويخ ومن ثم توزع «لحماً ملغوماً» على بعض «الجزارين»، وبعض المطاعم التي اعتادت على تتبيلها لتكون في النهاية «سيخ شاورما» تضحك له المعدة الجائعة او سيخ كباب متبل ومشوي على «اللهب»!
«الراي» وعلى مدى ثلاثة ايام متواصلة رصدت ما لا يصدقه «العقل»، ووثقت بعدستها صفقات البيع والشراء وكذلك مواقع الذبح والتوزيع، فكانت المفاجأة... مفاجآت مثيرة للاشمئزاز والقلق ايضا والاستهتار بصحة المواطنين والمقيمين في غياب تام للجهات الرقابية المعنية في وزارة التجارة والبلدية والداخلية.
يبدأ المزاد اليومي في صفاة الاغنام في السابعة صباحا وينتهي في الثامنة صباحا، ساعة واحد هي الفاصلة بين العرض والطلب، اذ يقوم اصحاب الحلال «المضروب» بعرض بضاعتهم لمن يرغب بالشراء.
المزاد على الاغنام العربية الطبيعية يبدأ اولا لإضفاء الشرعية التجارية، وبأسعار تتراوح ما بين 85 دينارا الى 120 دينارا، لكن على الناحية الاخرى خارج اسوار المزاد الرسمي وفي المواقف...هناك «مزاد» آخر عرف عند أهل الحلال بمزاد (ف) و(ع)... وآخرين.
(ع) ومعاونه و(ف) وفريقه المنتشر في زاوية المزاد، يقف كلاهما في حال التأهب، فيستقبلان الزبون بما يحمله وراءه من «خرفان»، ونعاج تلفظ انفاسها الاخيرة فتعرض سريعا قبل ان تنفق في هذا المزاد الصغير الذي يسميه البعض بـ «حريق مريق» اي غير الخاضع لقوانين العقل والمنطق والنظام فيباع الرأس التالف وما هو غير صالح للاستهلاك الآدمي.
ومن على فوق حوض «الوانيت» الخاص بالزبون يشتري (ع) و(ف)، النعاج المتهالكة سريعا مقابل 7دنانير في اعلى بيعة.
صفقات
(ف) بشاحنته المقفلة يجمع من رفاقه عقب نهاية السوق حصيلة الصفقات، بعد ان يمر عليهم ويحملها ومن ثم يتوجه الى «مسالخ» غير شرعية، مكانها اما في الجواخير او في الجليب، ليقوم بعدها بعملية التكييس وبيعها «قطع متفرقة» على زبائن محددين وهم بعض الجزارين والمطاعم الذي يستخدمنوها للشاورما والكباب العربي، في حين ان بعض من يشتري هذه النعاج الهالكة يذبحها ويبيعها بالكيلو، على العوائل الوافدة في العمارات السكنية وتحديدا في الفروانية، وسعر الكيلو بدينارين ونصف الدينار بينما كلفة الخروف المريض 3 دنانير مع الذبح!
أما (ع) فيقوم بجمع الحصيلة اليومية من الاغنام المريضة بمركبته الصالون في محاولة منه للتمويه «خشية انكشاف أمره ومن ثم يبيعها بنفس الطريقة مع اختلاف الزبائن».
وبخلاف عملية ذبح الاغنام في المواقع السرية والمخفية، لم تكن عملية البيع والشراء بالغة السرية بل بدا الوضع طبيعيا باعتبار ان هذا المزاد يبدأ يوميا في الصباح الباكر بعيدا عن عيون الرقابة التي لربما لا تباشر مهامها الا في وضح النهار.
وبدا ايضا ان هؤلاء التجار اعتادوا بيع تلك الاغنام المريضة، غير مبالين بما تحمله من امراض وأوبئة فتاكة على من يتناولها في حين كان واضحا ان الزبائن لا يعلمون هذه الكارثة الغذائية لاسيما ان الكثير من المواطنين والمقيمين اعتادوا شراء اللحمة باعتبارها طازجة من الجزار من دون ان يعلموا ان المصدر في كثير من الاحيان «مجهول الهوية».
علاج «النعاج»
«الراي» اقتربت من (ع) بعد ان وثقت كل ما يقوم به من شراء وتحميل وهمة عالية على مواصلة العمل بثقة وهدوء... وجيب مثقل بربطات كبيرة من المال، فسألناه «ماذا تفعل وانت تجمع هذه النعاج المريضة؟».
فأجاب سريعا وبابتسامة صفراء: «أعالجها».
وبعد تكرار السؤال وبالحاح رد قائلا:» ياعم مفيش لحمة تترمي للزبالة»، فأومأ ناحية موقع الصفاة وقال: «ازاي تاكل الناس اللحمة وسعر الخروف بـ 140دينارا» كما لو انه يعطي لنفسه مبررا شرعيا واخلاقيا لما يفعل ثم مضى في طريقه ولسان حاله يقول «وانت مالك».
أما (ف) فكان شديد الحذر، ولا يتحدث الا مع معاونيه ومساعديه الذين تلمع عيونهم مع شروق الشمس وكأنهم يتحدثون في ما بينهم بلغة الاشارة والعيون!
اما المنظر الاغرب في هذه الصفاة الفسيحة في الجهراء، فتجلى بهيئة الجزارين الذين كانوا يجولون بزيهم حاملين سكاكينهم ليلحقوا على كل مريضة «تحتضر»، بالسكين، قبل ان تنفق ليتم في ما بعد سلخها وتقطيع لحمها وبيعه تحت مسمى اللحم العربي الطازج.
أحد الدلالين في السوق يؤكد لـ «الراي» ان بيع الاغنام المريضة ووصولها الى محال بيع اللحوم وبعض المطاعم بات امرا طبيعيا في ظل هذا السوق اليومي الذي يشهد مبيعات كبيرة وضخمة من تلك الاغنام بعضها ينفق ويذبح بنفس الوقت، والاخرى لا تقوى على المشي.
ويوضح ان هذه الاغنام جميعها مصابة بامراض خطرة نهايتها دون اي شك هو النفوق وبالتالي لا خسارة من وراء بيعها لمن يرغب مقابل 3 دنانير لانها لحظات وتكون متعفنة!
اما بشأن مدى الاقبال عليها فيقول: «لها تجار متخصصون في شرائها وبيعها بطريقتهم وزبائنهم من اصحاب المطاعم وكذلك الجزارين الذين بدورهم يبيعونها بالكيلو على الناس».
وذكر أحد العاملين بالسوق ان الاغنام العربية تتراوح اسعارها ما بين 80 وتصل الى 160دينارا للرأس الواحد، واللحوم التي يبيعها الجزارون على انها عربية يصل سعر الكيلو 4 دنانير، وأكثر خروف سمين يصل وزنه بعد الذبح 10كيلوغرامات اي ان مجموع بيع الجزار للخروف 40 دينارا، بينما لا يوجد حتى خروف استرالي بهذا المبلغ علما ان كلفته عليه قد لا تتعدى 10 دنانير!!
محقونة بـ «الكيماوي»
ويقول أحد «الحمالية» لـ «الراي» ان «الاغنام المريضة التي يتم بيعها هنا لا يمكن ان تعالج لانها اصحابها قاموا بإعطائها جميع الابر والتطعيمات في محاولة لمعالجتها لكن هي تعتبر «نافقة» وبيعها هو من باب ان لا شفاء لها، وتلك الابر التي تعطى لها تحتوي على «كيماويات» كبيرة
ومركزة!
العوض ولا القطيعة
ويؤكد اهل سوق الصفاة اصحاب الخبرة فيه ان الاغنام المريضة التي تباع حاليا في السابق كان يقوم اصحابها باعدامها او رميها بالبر، لكن بعد ان اصبح لها سوق وتنافس اصبحوا يبيعونها بدلا من رميها اي ان «العوض ولا القطيعة».
بعض الاغنام تم بيعها بدينارين وهي لا تقوى على الحراك، اذ حملها من اشتراها على كتفه ومضى
راكضا ليسارع بذبحها في أسرع وقت ممكن قبل ان تنفق!
أمراض
الاغنام الموبوءة مصابة بـ «طفيليات داخلية وخارجية، وامراض معدية مثل الجرب وديدان الامعاء وجدري الغنم والقراد والديدان الكبدية والقمل والحمى القلاعية والديدان الرئوية والاكياس بالاحشاء وامراض الكلستريديوم».
500 رأس أسبوعياً
أي وافد يحاول ان يدخل في التجارة لا يسمح له والامر مقصور على
تاجرين فقط آسيوي وآخر عربي هما المسيطران على السوق بالكامل، ومعدل الاغنام المريضة التي تباع اسبوعيا يتجاوز الـ 500 رأس بحسب تقديرات شريطية السوق.
وصفة سحرية
الاعذار التي يطلقها من يشتري النطيحة والمتردية لكل من يسأل هو انه يملك العلاج السحري لمعالجتها لكن اهل الخبرة في السوق يعرفون تماما اين تذهب تلك الاغنام حيث المسلخ غير الرسمي ومن ثم بطون الناس؟
رائحتها تزكم الانوف
لااحد يستطيع الاقتراب من هذه الخراف والنعاج كونها ذات رائحة كريهة تزكم الانوف، كما انها تحتضر وبعض اجزائها متعفنة، في حين تخرج ديدان من صوفها و لحمها بعد ان يتم سلخها، علما ان المسلخ المركزي يرفض استقبالها، فيما تتم عمليات السلخ في اماكن متفرقة موزعة في جواخير الجهراء وكبد والشويخ والجليب لان الاعداد كبيرة.
نعاج... هرمة
أحد أصحاب الحلال يقول «الراي» إنه في بعض الأحيان ولسبب طارئ تسقط إحدى النعاج على الأرض فنعرف انها ستنفق لكن نسارع الى تحليلها بالسكين قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ومن ثم نتصل على أحد الجزارين الذي يكون سعيداً بشرائها ومن ثم بيعها على الناس بأرباح جيدة علماً أن هذه النعجة قد تكون لا تعاني من أي مرض ولكنها تُنفق لأنها أصبحت هرمة وكبيرة، وبالتالي يكون هذا النوع مرغوباً لأن وزنها يكون كبيراً جداً لكن يبقى اللحم متهالكاً وبه رائحة لا تُطاق فيعمل الجزار على «رش» اللحم بالملح وماء الورد لإبعاد رائحة «الزفر».
تلاعب
بدا واضحاً أن تجارة الأغنام المريضة في رواج كبير باعتبارها تحقق مردوداً كبيراً وعوائد مالية مرتفعة قياساً بسعر شرائها من أصحاب الحلال ومن ثم بيعها على محال الجزارة التي بدورها تبيعها على المستهلكين بأسعار مرتفعة في حين كان واضحاً ان التلاعب والتمويه بعرض هذه اللحوم على انها طازجة وتحمل شهادة صحية وهذا بخلاف الواقع في كثير من الأحيان.
الشواء ... علاج
قال أحد شريطية الصفاة ان الجزارين يعلمون أن هذه الأغنام غير صالحة للاستهلاك لكن البعض منهم لا يبيعها إلا على بعض المطاعم التي بدورها تقدمها للشواء فقط على اعتبار ان النار الشديدة تأكل وتعقم هذه اللحوم وتالياً من الصعب جداً أن تكون مصدر خطر أو انها تؤدي الى التسمم طالما انها لا تقدم إلا مشوية.
قائمة الأسعار من دينارين إلى 20 ديناراً
وضع محترفو هذه التجارة قائمة بأسعار شراء هذه الأغنام وباتت معروفة ضمنياً عند صاحب الحلال الذي يعرف ان النطيحة سعرها لا يزيد على 7 دنانير والمتردية كذلك أما «الجرباء» فسعرها ديناران في حين ان سعر الهرمة الكبيرة بعشرين ديناراً شريطة أن تكون سليمة بلا أمراض إذ ان هذا النوع مرغوب من المطاعم والجزارين.