في السيارة والعمل وعلى الطريق... وحتى الفراش

«واتس آب»... من هوس إلى خطر يهدّد «مدمنيه»

1 يناير 1970 09:50 ص
«ما عندك حساب على (واتس اب)؟ معقول بعد في حدا بالدني ما بيستعملوا؟»... جملة يقولها في العادة مستخدمو تطبيق «واتس اب» للذين لا يستخدمون التطبيق وما زالوا محافظين على نمط «تقليدي» في علاقتهم الاجتماعية مع عائلاتهم وأصدقائهم.

هذا التطبيق الفعال تحوّل مع مرور الوقت إلى حالة من «الإدمان» لدى مستخدميه. فبدلاً من أن يقضوا أوقات فراغهم وسهراتهم مع الأهل والأصدقاء كما في السابق، باتوا اليوم يتسمرون أمام هواتفهم الذكية لتبادل الأحاديث عبر الشاشات بدل حوارات وجهاً لوجه.

واللافت أن المشاهد التي تعكس سلوك المستخدم، ولا سيما «العاشق» لبرنامج «واتس اب» كثيرة وبينها، أن ترى شخصاً يسير في الشارع يركز في هاتفه، تلقي التحية عليه لا ينتبه، يصطدم بسيارة متوقفة على جانب الطريق لا يبالي، فالرسالة التي تلقاها أو يكتبها أهمّ، يكمل سيره ورأسه في هاتفه. أو ترى سائقاً ينتظر الإشارة الحمراء ليرى ما الجديد على هاتفه، تضيء الاشارة الخضراء يبقى متوقفاً، والمضحك المبكي أن السائق الذي خلفه لا ينتبه لإشارة الانطلاق فهو الآخر يدردش عبر «واتس اب».

لكن ما هو السر في وسيلة الدردشة هذه التي دخلت حياة الناس من بابها العريض، بل يمكن القول إنها «احتلته» بقوة حتى وصلت لدى البعض إلى حد «الهوس»؟

في تعريف سريع للواتس اب نجد أنه وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي عبر الهاتف، تتيح للمستخدم التواصل كتابياً أو عبر الصور والفيديوهات مع أيّ رقم هاتف عبر العالم. هذه حسنة من حسناته القليلة إنما الحديث عن سيئاته فحدّث ولا حرج وكما يقول المثل الشعبي «متى زاد الشيء نقص».

واليوم أصبح «واتس اب» من أكثر وسائل الاتصال انتشاراً بين جميع فئات المجتمع، فالبعض بات يصبح ويمسي عليه، في الوقت الذي يصنّف فيه البعض أنفسهم بأنهم مدمنين عليه وغير قادرين على الاستغناء عنه ولو لدقيقة واحدة في المنزل، في السيارة، على الطريق، في العمل وصولاً الى الفراش.

وكشفت دراسة أميركية أجراها باحثون في جامعة «كيس ويسترن ريزيرف» في ولاية أوهايو القناع عن العالم الموحش الذي يخفيه خلفه واتس اب، إذ استنتجت الدراسة أن طلاب المدارس الثانوية الذين يقضون جل أوقاتهم في كتابة الرسائل النصية أو على مواقع الشبكات الاجتماعية أو كليهما، معرضون لمجموعة من السلوكيات المقلقة بما فيها التدخين والاكتئاب واضطرابات الأكل والغياب المتكرر عن المدرسة.

ويرى أخصائي علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري أن «مؤشرات الإدمان على واتس اب كثيرة، فالعلاقات الاجتماعية اضمحلت إلى درجة الصفر، وحلّ هو مكانها، وكثيراً ما نجد أمهات يتنازلن عن أدوارهن في متابعة أولادهن حتى دراسياً لانهن يتلهين به، كما يعترف العديد من الأشخاص بأن واتس اب بات يحتل حيزاً كبيراً من وقتهم إلى درجة أنهم أصبحوا عاجزين عن القيام بأي عمل آخر، وهذا كله دليل على إدمان هذه الوسيلة».

ويضيف خوري لـ «الراي» أن هناك أسبابا عدة تقف وراء إدمان هذه الوسيلة «فالناس بطبيعتهم يتعلقون بالتكنولوجيا الحديثة، فمستخدمو البرنامج يشعرون بأنهم أقوياء ولديهم قدرات وطاقات لمزاولة أدوار جديدة لا يستطيع الآخرون مزاولتها، وتصبح هناك تنافسية بالمستجدات، كما أنه سهّل عملية التواصل عند شعوب تفخر وتعتز بالنميمة والأحاديث والاغتياب».

ورغم انتشار واتس اب بين العديد من فئات المجتمع كباراً وصغاراً، إلا أن انتشاره يشكل أزمة لدى البعض، وذلك بسبب التأثيرات التي خلّفها، وعن ذلك يقول خوري: «إقحام هذه المعادلات من فيسبوك الى واتس اب الى فايبر بشكل ادماني من دون اعتدال في مجتمع غير مؤهل لها وليس لديه جهوزية كافية، له محاذير على الشق الاجتماعي وعادات التواصل ويفتح الباب لدخول أفكار بعيدة عن طبيعتنا إلى مجتمعنا، تسيء إليه أكثر مما تفيده، فهذا النوع من وسائل الاتصال يقوي عملية التواصل مع أشخاص قد لا يكونون موضع ثقة، ويُدخِل المراهقين في متاهات هم في غنى عنها كانكشافهم على معلومات ليس لديهم الجهوزية الكافية لتقبلها، ولذلك يجب أخذ الحيطة والحذر والتنبّه ومراقبة الاولاد».

وتابع: «حتى كبار السن يغوصون للمرة الأولى في التكنولوجيا، يدخلون إلى عالم واتس اب وهذا يعود إلى أنهم «أصبحوا في عمر النميمة والثرثرة والاغتياب، كما أنهم يسعون من خلاله إلى ايجاد صداقات جديدة حديثة بعيداً عن كلاسيكية العلاقة، وبالتالي يقومون بتعويض النواقص التي مروا فيها لمرحلة زمنية طويلة. واتس اب أدخلهم في معادلة جديدة أعادت تكوين مفهوم جديد في حياتهم معطية الأمل لهم بمستقبل أفضل».

ومن الآراء التي استطلعتها «الراي»؛ تقول رنا: «إذا مرَت ساعة من دون أن تصلني رسالة أشعر وكأنني معزولة عن العالم. فواتس اب ونيسي الدائم»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد وقت محدد لإرسال الرسائل أو استلامها، سواء كنت في المنزل أم في العمل وحتى عند القيادة».

أما إحدى السيدات فكشفت أنها تعاني من ضعف التواصل مع أولادها المراهقين: «الأولاد لا يرفعون رأسهم عن هاتفهم، حتى وهم يقومون بواجباتهم الدراسية. اضمحلّ التقارب العائلي وقُوّضت دعائم العائلة».

بدوره يرى أيمن أنه «رغم حسنات هذه التقنية التي مكّنت الغالبية من إعادة إحياء الصداقات القديمة والتي ساعدت في التواصل مع الطرف الثاني بسهولة، ومحادثته بكلفة أقل، الا أن سيئاته كثيرة فأنا أقضي غالبية وقتي أراقب شريكة حياتي هل هي (أونلاين) ومتى كان آخر ظهور لها. وأشعر بحال عصبية كبيرة كلما وجدتها أونلاين ولم تكن تحدّثني، اذ يرتفع منسوب غيرتي ومعها ضغطي».

وتعليقاً على الأضرار الصحية للواتس اب؛ يقول دكتور الصحة العامة رياض العياش: «مشاكل صحية عدة يخلفها واتس اب تمتدّ من ضعف النظر إلى البدانة وصولاً إلى ارتفاع ضغط الدم كما قد يكون له اثار سلبية على فقرات العمود الفقري إذا جلس شخص لساعات بطريقة خاطئة يكتب ويتلقى الرسائل».

عندما يصبح عدد حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي مؤشراً الى مدى تقدّمنا تكنولوجياً وتكيُّفنا اجتماعياً، وعندما تصبح هواتفنا جزءاً لا يتجزأ منا، وعندما ترافقنا الرنات والرسائل إلالكترونية طوال اليوم، عندما تصبح الـ last seen والـ online عبارات تتحكم بمزاجيتنا... إذاً نحن في خطر أكيد.