مقال / وما السبيل؟!

1 يناير 1970 08:01 م
كثيرون هم الذين يلعنون الآن اليومَ الذي حلَّ فيه الربيع العربي! وهم يفعلون جراء ما يشاهدونه من أحداث بعضها دامية، وبعضها مأسوية إلى درجة مرعبة، وفي أحسن الأحوال مرتبكة ومعقدة ومتنازعة في ما بينها بحيث يحلو لهم القول: لو أنه لم يحدث!

أعداد من المؤيدين للربيع العربي بتنا نراهم يأسفون بحزن بالغ، ويقولون بأن المأمول لم يكن على النحو الذي يجري، وبأن القهر الذي كان قائماً يُعاود الحضور بأشكال أخرى، وبل والبعض يرى بأن «التماسك» الذي كان و«الاستقرار» الذي كان، وانعدام التنازع والاقتتال والصراع الدامي هو ما أُضيف إلى حياتنا بعد «أمنها وأمانها» الماضيين!

وفي الواقع، تصعب المكابرة والمعاندة، لأن المتابع لمجريات الأحداث يلمس الدليل على ما يذهب إليه «النادمون» من حلول الربيع العربي. ولعل المقارنة بين أحوال الأمس وأحوال اليوم ترجّح كفّة الأمس وتمنحها الأفضلية. الأمر الذي يُعبّر عنه بالقول: «لو أن ما حدث لم يحدث».

كل الذين أملوا بقيام الثورات والانتفاضات في عالمنا العربي لم يتصوروا الانهيارات والتصدّعات الجارية. إسقاط الأنظمة الفاسدة خلاص منها. تمّ إسقاط الأنظمة أو الإطاحة بالحكّام، غير أن الخلاص لم يحلّ. حلَّ الخراب!

ورغم أنّ «لو» لا مكان لها في مسارات التاريخ، ولا في التغيرات الاجتماعية السياسية، رغم ذلك لنفترض أن الربيع العربي لم يحدث، وأن كل ما جرى لم يجرِ. هل كل ما كنّا نعاني منه أشدَّ المعاناة، ونتألم ونشكو ونهجر أوطاننا بسببه، هل كل الطغيان والاستئثار والفساد والظلم الذي أناخ على حياتنا كان كذباً وافتراءً وتخيّلاً مرضياً أم كان حقيقة واقعة؟!

لنحذف الربيع العربي- افتراضاً- من بلداننا. ما البديل؟ وما السبيل؟ وما العمل؟ هل كان لنا أن نستمر قطعاناً من خوف وقلق، في بلدان اتُخذت مزارع لحكّامها؟ هل كنا لنرتضي أن نبقى شعوباً مملوكة، مهانة، متخلفة، لا أمل لها، ولا بصيص ضوء في نهايات أنفاقها، إنْ كان لأنفاقها من نهايات؟!

هل كان لنا أن نقرَّ بأن التخلّف والظلم والفساد وهدر الثروات الطبيعية هي لعنة خصّنا بها القدر، وأن العيش الكريم والحرية وحقوق الإنسان ليست لإنساننا العربي، ولا لأحلامنا بها، بل هي لشعوب أخرى لسنا منها؟

قبل أن «نكفر» بالربيع العربي، ونلعن ساعة حلوله، لابدّ أن نفكر بسواه. هل البديل استمرار ما كان؟ الآن، في ظل تعثّر الولادات وتعقّدها، يمكن أن نقول ذلك. ولكن قبل أن يحدث ما حدث هل كنا لنقول؟ هذا كله على افتراض متخيَّل وهو أن مسارات الحياة، وطرائق تجليها رهن أيدينا وتحت سيطرتنا.

لا ينفع هنا القول: كنا نريد التغيير ولكن ليس على النحو الذي يجري الآن! ما من تغيير جرى في كل الثورات والانتفاضات خصوصاً منها الشعبية على النحو الهندسي الكيميائي المنظّم وفق الإرادات والرغبات! بالتأكيد نحن لسنا إزاء هدم منازل قديمة وبناء مدن حديثة بدلاً منها.

وبالتأكيد أيضاً نحن إزاء شعوب تمّ إذلالها وقهرها ونهب ثروات بلدانها، وتمَّ تجهيلها وتكميم صوتها ومصادرة حريتها حتى صُيّرت والقطعان سواء. فما الذي يؤمل منه لو هبّت هذه الشعوب لاسترداد ما سُلب منها، وثارت بعد قرون من الاستبداد بها، ما المأمول غير الذي حدث منذ الربيع، ويحدث الآن، وسيحدث مستقبلاً؟!