من القنطاري إلى بعبدا رؤساء سكنوا بـ «الايجار» ... رؤساء لم يسكنوا ... ورؤساء لم يعرفوا السكينة
مقرات رئاسة الجمهورية في لبنان ... ذاكرة الحجر تحكي قصص البشر
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
01:11 ص
• قصر بعبدا اختيار بعبدا مكاناً للقصر الجمهوري أملى توسيع بيروت بضم ضواحيها
• سيدات القصر وضعن لمساتهن فيه ... ووحده سركيس دخل بلا سيدة أولى
• القصف طارد فرنجية داخل القصر ... وعون لم يخرج منه إلا بعملية عسكرية دمرت أجزاء منه
• قصر القنطاري كان قصراً لعهدين وفيه ولد الاستقلال
• شهاب رفض أن تنزل «الجمهورية» ضيفاً على «السكن الخاص» في القنطاري وأقام «عهده» في ذوق مكايل
• صيفية الرئاسة تنقلت بين عجلتون واهدن وبكفيا وعاليه وزحلة وبيت الدين
قصر بيت الدين التاريخي في الشوف تحوّل بيتاً للجمهورية في استراحتها الصيفية
قصور الرؤساء في لبنان وفي سواه من الدول الاخرى ليست مجرد مبان غير عادية في الشكل تسيجها الاجراءات الامنية وتعزلها التدابير الاحترازية... انها «حصالة» الاحداث والأسرار في لحظة ما، وذاكرة لمراحل مرت. فيها عقدت اجتماعات من النوع الذي يقال عنه «على جانب من الاهمية» وبين جدرانها دارت احاديث من الطراز الذي غالباً ما يوصف بـ «السرية»، وفي زواياها صنعت قرارات قد تكون أحياناً تاريخية وبين جنباتها ارتسمت ملامح لمستقبل تارة معلوم وتارة مجهول.
اول الحكاية في هذا المضمار كان قصر القنطاري الذي شهد ولادة الاستقلال وتحول بيتاً لعهدين من عمر الجمهورية قبل ان يشتريه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، ويتحول في مرحلة لاحقة الى واحد من مقرات «تيار المستقبل». اما آخرها فحط رحاله فوق تلة بعبدا المطلة على بيروت.
وفي هذه الأيام اللبنانية «العجاف» تتجه الأنظار الى القصر الرئاسي في بعبدا. قبل 6 أعوام حزم الرئيس ميشال سليمان حقائبه وانتقل للسكن في هذا القصر، وها هو اليوم وعلى مشارف انتهاء ولايته بدأ بتجهيز نفسه للمغادرة، ليترك المقر لـ «النزيل» الأوفر حظاً، او ربما لـ... الفراغ.
قصر بعبدا لم يكن «بيت الجمهورية» الأول، فرؤساء لبنان كانت لهم أمكنتهم وظروفهم وقصورهم الخاصة أو المستأجَرة من الدولة... وللقصور التي سكنوا فيها صيفاً وشتاء روايات خبأتها في حناياها.
من القنطاري إلى ذوق مكايل إلى سن الفيل فالرملة البيضاء انتقل القصر الرئاسي قبل أن يستقر أخيراً على رابية في بعبدا مطلة على العاصمة، هذا في الشتاء أما في الصيف فكان لهذا الموسم قصره الذي تنقل بين اهدن وبكفيا قبل ان تستقر «صيفية» الرئاسة في قصر بيت الدين التاريخي في الشوف بعدما صار بيتاً للجمهورية في استراحتها.
ففي زمن السباق الرئاسي الآن، يتنافس نحو دزينة من المتبارين على الطريق إلى قصر بعبدا، ذلك القصر الذي يقع على مساحة ما يقارب خمسين ألف متر مربع، شيّدته الشركة السويسرية «Edor et Juliar» بعدما فازت بالمناقصة أيام الرئيس الراحل كميل شمعون الذي وضع حجر الأساس لبنائه عام 1956، غير أن عملية البناء لم تنته إلا مع بداية السنة الأخيرة للرئيس الراحل شارل حلو (1964 - 1970)، بعد أن توقف تشييده في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب (1952 - 1958).
ولما كان الدستور اللبناني ينص صراحة على أن بيروت العاصمة هي المقر الرئيسي لرئيس الجمهورية وللحكم، ولما كانت بعبدا خارج نطاق بيروت، أصدر الرئيس حلو مراسيم هادفة إلى توسيع محافظة بيروت وضم بعبدا والضواحي إليها. وتوالى على الإقامة فيه بعد الرئيس شارل حلو كل من الرؤساء سليمان فرنجيّة وإلياس سركيس وأمين الجميّل والياس الهراوي واميل لحود وميشال سليمان.
في 23 سبتمبر 1970 جرت مراسم التسلّم والتسليم للمرة الأولى في قصر بعبدا بين الرئيسين الراحلين شارل حلو وسليمان فرنجيّة وهو القصر الذي يضم ثلاثة مبانٍ: المبنى المركزي ويحتوي على مقر اقامة الرئيس ومكاتبه وجناح الضيوف والمديريات التابعة لرئاسة الجمهورية، ومبنى الحرس الجمهوري وملحقاته الذي بني في عهد الرئيس أمين الجميل (1982 - 1988) ليكون مقراً لوزارة الخارجية، ومبنى يضم مكاتب تابعة لمديريات رئاسة الجمهورية.
في مختلف الحقبات وضعت سيدات القصر لمساتهن الخاصة على أجنحة هذا القصر، باستثناء حقبة الرئيس الراحل إلياس سركيس (1976 - 1982) الأعزب الذي لم يُدخِل أي تعديل بارز على «بيت الجمهورية» سوى بعض الضروريات ومنها استحداث ملجأ موقت تحت المبنى تفادياً للقصف الذي ألحق أضراراً فادحة فيه ابان الحرب الاهلية التي اندلعت العام 1975.
وبعدما تحوّل القصر شبه ثكنة عسكرية محصنة في عهد الحكومة العسكرية برئاسة العماد ميشال عون بين عامي 1988 و1990، دُمرت أجزاء كبيرة منه ولا سيما بعد العملية العسكرية التي شارك فيها الجيش السوري براً وجواً ضد منطقة سيطرة عون في 13 أكتوبر 1990، والتي ترك على اثرها عون القصر ملتجئاً إلى السفارة الفرنسية.
آنذاك كان الرئيس الراحل الياس الهراوي الذي انتُخب في 24 نوفمبر 1989 رئيساً إثر استشهاد الرئيس رينه معوض (اغتيل في 22 نوفمبر بعد 17 يوماً من انتخابه)، يقيم موقتاً في ثكنة عسكرية للجيش اللبناني في البقاع في «أبلح» ثم في مبنى قدمه له الرئيس الشهيد رفيق الحريري في «الرملة البيضاء» في بيروت، وبقي فيه نحو 3 سنوات قبل أن يعود إلى قصر بعبدا، بعد الانتهاء من أعمال ترميمه في يوليو من العام 1993.
ورشة ترميم القصر الجمهوري تمت بإشراف «شركة مقبل» التابعة للوزير سمير مقبل، التي عملت على تهديم الأسقف والأعمدة المتصدّعة بالقنابل من جراء الحروب المتتالية على امتداد 15 عاماً. وشملت عملية الترميم التمديدات الكهربائية والتدفئة والتبريد، كما عُدلت خريطة المبنى من جهة الواجهات لكن بصورة جزئية.
إضافات بسيطة تمت على البناء وتعديلات لم تؤثر على هيكلية القصر جرت بإشراف عدة مهندسين على رأسهم المهندس «سمير جبور» الذي قال إن الرئيس الهراوي كان يتردد دائماً على القصر حيث يعرض كل شيء عليه قبل المباشرة بالتنفيذ.
قاعات وحدائق ومكاتب وحوض سباحة وملاعب تنس وغرف عدة يضمها القصر الرئاسي، وقد أضيف اليه في عهد الرئيس فرنجية (1970 - 1976) جناح جديد هو جناح الموظفين، وفي عهد الرئيس أمين الجميل (1982- 1988) تم تبديل فرش الصالونات والمكاتب، وأضيف مطبخ وغرف خدم في جناح مسكن الرئيس، كما تم استحداث أقسام جديدة عليه في عهد الرئيس الياس الهراوي (من 1989 إلى 1998) شملت تحديث مدخله الرئيسي.
ومما يحتويه القصر: الحديقة الخارجية المعروفة باسم «حديقة القلعة» لكونها تضم أعمدة أثرية اكتُشفت ضمن آثار العاصمة بيروت، قاعة مجلس الوزراء حيث تلتئم الحكومة وتنعقد اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، قاعة انتظار ضيوف الرئيس وقد عُلّقت على جدرانها صوره مع أبرز ضيوف القصر الجمهوري، قاعة الصحافة حيث تُتلى التصاريح والبيانات، البهو الرئيسي للقصر حيث تتصدر صور رؤساء الجمهورية منذ الاستقلال وحتى العهد الحالي، صالون السفراء الذي يتم فيه تقديم أوراق اعتماد السفراء العرب والأجانب، وهي ثاني أكبر قاعات القصر، «قاعة 22 تشرين الثاني (نوفمبر)» (تاريخ الاستقلال العام 1943) المخصصة لاستقبال زوار رئيس الجمهورية من الوفود، «قاعة 25 أيار(مايو)» (تاريخ تحرير الجنوب العام الفين) المخصصة لاستقبال زوار رئيس الجمهورية من الوفود وإقامة المآدب الرسمية، وقد تم توسيع قدرتها الاستيعابية في عهد الرئيس إميل لحود (1998-2007) كي تتسع للمشاركين الرسميين في فعاليات، غرفة اجتماعات رئيس الجمهورية، مكتب الرئيس وقد رُفعت على مدخله أعلام القوى المسلحة بوصف رئيس الجمهورية قائدها الأعلى، حديقة الرؤساء التي تضم أرز «عربون الصداقة» مع الرؤساء الضيوف، وكان الرئيس القبرصي أول من افتتح هذا التقليد الرئاسي غارساً أول أرزة «صداقة» عام 1999.
القصر الذي شغر بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود في 24 نوفمبر 2007 لستة أشهر حتى تاريخ انتخاب الرئيس ميشال سليمان في 25 مايو 2008، لم يدخله كل من الرئيسين الشهيدين بشير الجميل ورينه معوض نظراً لاغتيالهما قبل إتمام مراسم التسلّم والتسليم الاول في 14 سبتمبر 1982 والثاني في 5 نوفمبر 1989.
وهي ليست المرة الأولى التي يشغر فيها قصر بعبدا من الرئيس ففي العام 1976، أجبر الرئيس فرنجية على مغادرته بعدما تعرض للقصف من جانب تحالف الحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينيين خلال الحرب الأهلية اللبنانية، كذلك حال الرئيس الياس الهراوي بعد سيطرة العماد عون على القصر الرئاسي ورفضه الاعتراف باتفاق الطائف الذي أرسى الاصلاحات الدستورية التي كرست توازناً طائفياً جديداً بين المسيحيين والمسلمين في النظام وشكّلت الممرّ لإنهاء الحرب الاهلية.
وفي العام 2013 قررت دوائر بعبدا فتح أبواب القصر أمام الجميع نظراً إلى أهميته التاريخية والسياسية، وذلك كلّ يوم سبت من أول شهر، ابتداء من أول يونيو 2013. وتبدأ الزيارات عند التاسعة صباحاً وتتواصل على دفعات عدّة، ويرافق الزوّار دليل يتولّى شرح محطّات الزيارة كافة منذ نقطة الوصول حتى نقطة المغادرة.
وقد اعتبرت دوائر القصر في معرض شرح خلفيات يوم «الأبواب المفتوحة» أن «من المهم أن يزور المواطنون الراغبون بذلك هذا المقر للتعرّف إليه والاطلاع على أقسامه الأساسية».
وقبل ان يستقرّ في بعبدا، تجوّل «بيت الجمهورية» كثيراً، وأول المطاف كان قصر القنطاري الذي شهد ولادة الاستقلال وتحول بيتاً لعهدين من عمر الجمهورية قبل ان يشتريه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، ويتحول الآن الى واحد من مقرات «تيار المستقبل».
الثابت ان هذا القصر بني في العام 1860 على يد حنا حنين الذي زوج ابنته الوحيدة الى رجل اعمال مهم يدعى درويش حداد فأصبح ملكاً له. وكان لهذا الاخير ايضاً ابنة وحيدة تزوجها فؤاد الخوري، شقيق الشيخ بشارة فأصبح قصر القنطاري لزوجة فؤاد بدءاً من العام 1925.
في العام 1939 انتقل الشيخ بشارة الخوري الى هذا البيت بناء على دعوة شقيقه فؤاد واستمر فيه حتى عام 1952 واصبح «قصراً جمهورياً» لحظة انتخاب الشيخ بشارة رئيساً عام 1943 واستمر كذلك مع انتقال الرئيس كميل شمعون اليه وإقامته فيه حتى عام 1958. أما الرئيس فؤاد شهاب فرفض ان تنزل الجمهورية ضيفاً على «سكن خاص» فقرر نقل مقر إقامتها الى ذوق مكايل على مرمى حجر من سكنه العائلي.
يتميز قصر القنطاري بمدخله الضيق الذي يؤدي الى بضع درجات محروسة بأعمدة مرفوعة الرأس. وهو مؤلف من ثلاث طبقات فسيحة اتسعت لحكايات وذكريات، فمساحة الطبقة الواحدة نحو ألف متر مربع موزعة على ردهات واسعة وغرف كانت مخصصة للاجتماعات وأخرى للاستقبال، بالاضافة الى مكاتب للعمل وأمكنة للراحة وجميع المستلزمات الاخرى التي يحتاجها البيت العادي ولا تستغني عنها القصور.
ففي ذاكرة هذا القصر محطات لا تنسى ترتبط بإعلان الاستقلال الذي أعقب مداهمة القصر واعتقال الشيخ بشارة من ثم الافراج عنه، وجميع الاحداث التي سبقت ارغام اول رئيس للاستقلال على الاستقالة، ثم دخول كميل شمعون كـ «الفاتحين» اليه بقوة الإرادة الشعبية التي إنقلبت عليه وأجبرته هو الآخر على تقديم استقالته ليأتي اللواء فؤاد شهاب رئيساً، فيغلق قصر القنطاري عينيه ويتكئ على ذكرياته التي فاجأتها الحرب بعد حين فلم تنج منها.
الشيخ ميشال، ابن الرئيس بشارة الخوري يملك الكثير من الذكريات عن المرحلة التي تحول فيها بيتهم قصراً للرئاسة الاولى، خصوصاً يوم اعتقال والده. «عندما داهمتنا قوة من الجنود السنغاليين بإمرة ضابط فرنسي ومعهم بعض أعوانهم من اللبنانيين».
لقد تحول قصر القنطاري عندما اعتقل اركان الجمهورية مركزاً سياسياً – إعلامياً وجماهيرياً. ففيه كان يتم تنظيم التظاهرات المناهضة للانتداب وطباعة المناشير التي تدعو الى الاستقلال.
والذين يستمتعون باستحضار ذكريات تلك المرحلة يتحدثون بكبرياء عن تظاهرة «الوحدة الوطنية» التي شهدها القصر ومحيطه يوم الإفراج عن قادة البلاد وإعلانه يوم استقلال.
هؤلاء الذين يرسمون المشهد من جديد يقولون ان خدم القصر اصطف كـ«فلة» عسكرية لحظة رفع العلم اللبناني للمرة الاولى على السارية بعدما انتزعت منه الألوان الفرنسية وتوسطته الأرزة.
كثيرون هم الملوك والرؤساء والعرب والأجانب الذين زاروا بيت القنطاري في عهد الرئيس بشارة الخوري. فكل الذين جاؤوا الى لبنان قصدوا الرئيس في قصره ومن بينهم ملك يوغسلافيا (سابقاً) بطرس صربيا والملك فيصل والملك عبدالله والبطريرك عريضة والجنرال كاتروا.
ومن بين الأحداث المهمة التي شهدها قصر العهدين كان التوقيع على الاتفاق الذي قضى بان تُسلم فرنسا الحكومة اللبنانية جميع الممتلكات والمؤسسات والإدارات. لكن «الإرث» المكتوب المرتبط بتلك المرحلة نهب واحترق ولم ينج منه إلا القليل، فلقد سرقوا القصر عام 1976 وحملوا معهم مراسلات تشرشل وروزفلت والملك عبدالله آل سعود وديغول ونحو ألف صفحة بخط يد الرئيس بشارة الخوري، هي عبارة عن الجزء الرابع من مذكراته، بالإضافة الى نهب المكتبة التي كانت تحتوي على وثائق مهمة.
عندما إضطر الشيخ بشارة الى الاستقالة تحت وطأة ضغط المعارضة اختار الرئيس الجديد كميل شمعون قصر القنطاري عينه مقراً لرئاسة الجمهورية، رغم انه «مسكن خاص» للرئيس السابق.
وأبرز الأحداث التي ترتبط بوجود شمعون في هذا القصر، على حد ما يذكره البعض، مشاركته للحراس إطلاق النار على المقاومة الشعبية التي كانت تتظاهر أمام مبنى القنطاري احتجاجاً، قبل ان يضطر الى تسليم الجمهورية للرئيس فؤاد شهاب.
وعند انتخابه رئيساً قرر شهاب عدم الانتقال إلى القنطاري، بل اختار إعادة تأهيل فيّلا متواضعة في ذوق مكايل استأجرتها الحكومة اللبنانية وتقع على بعد خمس دقائق في السيارة من منزله في جونيه، فاستمر بالسكن في منزله، بينما كان القصر الرئاسي - المؤلف من طبقتين تضمان 8 غرف وحديقة عُرفت بأشجار بلحها العراقية ذات النوعية الممتازة بالإضافة إلى مبنى اداري بناه الرئيس شهاب خلف القصر - مقراً لعمل الرئيس، حيث كان يأتي يومياً من الساعة الثامنة والنصف صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر ليقوم بعمله الرسمي ويؤدي الواجبات البروتوكولية الرئاسية. واليوم تم بيع القصر لشخص باشر بإعادة تأهيله، ويتم التداول أنه سيتم تحويل قسم منه إلى متحف.
ومع تسلّم الرئيس شارل حلو رئاسة الجمهورية العام 1964 انتقل مقر الرئاسة إلى قصر في سن الفيل على بولفار سانت ريتا، تم استئجاره من سليم صفير صاحب «بنك بيروت»، ويتألف من مبنيين كل منهما يضم طابقين بالإضافة إلى حديقة جانبية. واليوم أعيد تأهيل أحد المباني حيث يسكنها خليل صفير (شقيق سليم)، أما المبنى الآخر فلم يتم ترميمه منذ الحرب اللبنانية.
ورغم أن العادة جرت أن يتّخذ كل رئيس جمهورية في لبنان مقرّاً صيفياً له بعيداً عن المدينة، وذلك حسب رغبته واختياره وسعياً وراء الهدوء والسكينة، وكذلك لتعزيز موسم الصيف في المنطقة التي يسكنها من جهة أخرى، إلا أن غالبية الرؤساء اتخذوا من قصر بيت الدين مقراً لهم خلال الصيف ولو لفترة وجيزة.
القصر القائم في بلدة بيت الدين في منطقة الشوف على بُعد 45 كيلومتراً عن مدينة بيروت، والذي تعود ملكيته إلى الدولة وتشرف عليه المديرية العامَّة للآثار، يُعتبر الأكثر دلالة على رمزية الموقع وارتباطه ارتباطاً وثيقاً بتاريخ لبنان العريق، وهو من أجمل وأروع نماذج الفن العربي في القرن التاسع عشر، ويشكّل مزيجاً متناسقاً من بناء الحجر اللبناني من الخارج والفن الزخرفي الدمشقي من الداخل.
يتألف قصر بيت الدين من 162 غرفة، وتبلغ مساحته 30 ألف متر مربع ويحتوي على ثلاثة أقسام: الدار الخارجية والدار الوسطى ودار الحرملك.
أول مَن ابتكر تقليد اتخاذه مقرّاً صيفياً لرؤساء الجمهورية اللبنانية هو الرئيس اللبناني الراحل بشارة الخوري، وذلك العام 1943. وفي العام 1952 انتقل إليه الرئيس كميل شمعون، حيث اختاره مقرّاً صيفياً له لموقعه القريب من بلدته الأم دير القمر التي تبعد نحو 5 كيلومترات عن بيت الدين، فكان يتنقل مراراً بين البلدتين لتمضية عطلة الصيف.
أما الرئيس شارل الحلو فاتخذ مقر السكن الصيفي له في منطقة عاليه، وتحديداً في دارة نقولا بسترس التي تقع في أطراف المدينة، بسبب إجراء التعديلات على قصر بيت الدين في السنة الأولى لتوليه الحكم.
وابتداء من العام 1965 سكن شارل الحلو قصر بيت الدين أثناء فصل الصيف وطالب في تلك الفترة بتجهيز طابق خاص للضيوف وتخصيص صالة كبرى لاجتماعات مجلس الوزراء.
سكن الرئيس إلياس سركيس القصر صيفاً، ويتردد أن أهم المحادثات السرية جرت في تلك الفترة في أروقته والتي تتعلق بوضع لبنان السياسي المتأزم.
جناح الرؤساء في القصر هو «الحرملك» الذي يتألّف من أكثر من 20 غرفة، والذي يعتبر أحد أكثر أجنحة القصر زخرفة، وقد زُينت بوابته الرئيسية وجدرانه بالمنقوشات والفسيفساء المرمرية المتعددة الألوان.
حمامات هذا الجناح تُعتبر من أجمل إبداعات العمارة الهندسية في القرن التاسع عشر، تطل على حديقة أقيم عند طرفها ضريح مقدد يحتوي على قبر الست شمس زوجة الأمير بشير الثاني الشهابي الذي حكم لبنان زهاء نصف قرن، وقد استغرق بناؤه نحو ثلاثين عاماً منذ عام 1789 إلى عام 1822.
الرئيس الراحل فؤاد شهاب اختار بلدة عجلتون مسقط رأسه لتكون مقرّه الصيفي أثناء تولّيه الحكم، وكان قد امتنع عن زيارة قصر بيت الدين إثر مقتل النائب نعيم مغبغب في بلدة عين المعاصر الشوفية بينما كان هذا الأخير متوجهاً إلى القصر لتلبية دعوة الرئيس شهاب مع عدد من وجهاء المنطقة للمشاركة في المؤتمر اللبناني السنوي للمغتربين الذي كان يقام في القصر.
أما الرئيس سليمان فرنجية فقد جرت العادة أن يمضي فصل الصيف متنقلاً بين بلدة الكفور الواقعة في فتوح كسروان وبلدة اهدن في شمال لبنان.
وقد اختار الرئيس أمين الجميل بلدة بكفيا مسقط رأسه مقرّاً رسمياً صيفاً، وذلك طوال فترة حكمه بين 1982 و1988 وهو ما قام به أيضاً الرئيس إلياس الهراوي الذي اختار دارته في بلدته زحلة المقر الصيفي الخاص به.
الرئيس ميشال سليمان اعتمد التقليد نفسه الذي سبقه إليه الرؤساء الخمسة اللبنانيون بشارة الخوري وكميل شمعون وشارل الحلو وإلياس سركيس وإميل لحود ليكون سادس رئيس جمهورية يسكن قصر بيت الدين ويتخذ منه المقر الرسمي له في الصيف.