جنبلاط لم يدخنها يوماً ودعا إلى قوْننتها «لأسباب طبية وإنمائيّة و... شخصيّة»
ترويج سياسي في لبنان لـ «الحشيشة» كـ «مرشّح» لـ ... التشريع
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
01:11 ص
يزداد «حزب الحشيشة» في لبنان اتساعاً و... انتعاشاً من بوابة «الجدوى الاقتصادية» و«المنافع الطبية» وربما لمزيد من «الاسترخاء» السياسي واستعادة «أمجاد» الماضي والسعي الى البحبوحة و«الهضامة» وخفة الدم، التي غالباً ما تمحورت في لبنان حول «المحشش» الذي له النصيب الأكبر من النكات في بلادٍ أدمنت على الكوميديا السوداء هرباً من... أيامها السود.
صحيح ان لـ «حشيشة الكيف» جذوراً في ذاكرة لبنان وحاضره، وارتبط اسمها بمناطق وزعامات وبـ «اقتصاد موازٍ» درّ على أصحابه ثروات، فان الأصحّ ان «الذهب الاخضر» الذي كان الأكثر رواجاً في سهول شرق لبنان وشماله استمرّ «زراعة ممنوعة»، غالباً ما كانت محاصيله الوفيرة تُنتج وتُصدّر كأمر واقع مسلّم به.
وبعدما انتهت الحرب وسكتت المدافع في لبنان أُعلنت حرب من نوع آخر ضدّ «الحشيشة» التي تفاخر بأنها من الافضل عالمياً. وبوشرت حملات عسكرية بـ «ايعاز دولي - اميركي» لتلْف الآف الهكتارات في البقاع، السهل الذي كان يُلقب يوماً بـ «اهراءات روما» لإنتاجه الغزيز من القمح، وسط اغراءات بزراعات بديلة لم تنتج أكثر من وعود بقيت في الهواء، مما استدرج عودة الى «تراث» تلك الزراعة الممنوعة.
وفي لحظة «العصبية الزائدة» التي يعيشها لبنان المشدود الأعصاب بسبب الصراع على «إنتاج» رئيس جديد للجمهورية وخطر الذهاب الى الفراغ في رأس الدولة، و«النرفزة» المتزايدة بين البرلمان والشارع في سياق البحث عن تمويل للزيادات على الرواتب، قفزت الحشيشة من الحقول الى العقول التي انشغلت بالدعوات لجعل هذه النبتة «ملاذاً وطنياً» عبر تشريع زراعتها لضرورات اقتصادية وطبية و... شخصية.
وعندما خرج وزير السياحة السابق فادي عبود بـ «مطالعة» اقتصادية خلص فيها الى اعتبار تشريع زراعة الحشيشة من الموارد الكفيلة تمويل زيادة الرواتب، تعاطى كثيرون في بيروت مع هذه «التوصية» على انها «مزحة»، الا ان المفاجأة كانت بدعوات مماثلة سرعان ما «كرّت»، مما اوحى ان البلاد على موعد مع «دوار» من نوع آخر غير مألوف.
ولم يتعاط اللبنانيون مع «الحشيشة» في موسمها الحالي على محمل الجدّ إلا عندما تبنّى «قضيتها» الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، الذي غالباً ما عُرف بأنه الاجرأ وبأنه لطالما اضطلع بدور «كاسحة الألغام» في المفاصل السياسية الحساسة في تاريخ لبنان الحديث.
فـ «البيك» المشهور بـ «شرب المتّة» باغت اللبنانيين، ومن خارج الأجندة التي يختزلها الاستحقاق الرئاسي، بـ«ترشيح» الحشيشة لـ... التشريع، وقال في اطلالة تلفزيونية: «لم ادخن في حياتي لا حشيشة ولا سيجارة، لكن انا مع تشريع الحشيشة للاستعمالات الطبية وفي الوقت عينه مع تشريعها لإنماء منطقة البقاع الشمالي التي كانت تُزرع فيها الحشيشة تقليدياً». وأضاف: «آنذاك وفي ايام الرئيس (الشهيد) رفيق الحريري منعت الحكومة الحشيشة تحت شعار استبدالها بما يسمى الزراعات البديلة، وفشلنا بالزراعات البديلة، ونتج عن هذا نزوح هائل من المواطنين من البقاع الى ضواحي بيروت مما شكل اكتظاظاً هائلاً. فهؤلاء فقدوا وسيلة اقتصادية للعيش، كان من الممكن تشريعها وتنظيمها للاستفادة منها لاسباب طبية كما يُستفاد من الافيون في تركيا لانتاج المورفين».
وتابع: «أتصوّر ان لا خوف من تشريع الحشيشة اذا استطعنا تنظيمها لأسباب طبية. وفي بلاد مثل هولندا وغيرها يمكن شراؤها لأسباب شخصية تبيّن انها لا تشكل خطراً على الصحة، الا اذا اصبح المرء مدمناً على الحشيشة او الكحول فهذا موضوع آخر».
واكد جنبلاط «انا مع تشريع الحشيشة لاسباب طبية وشخصية اذا لم نصل الى الادمان، واقتصادية لان البقاع الى جانب عكار من أفقر المناطق في لبنان، وكان منتوج الحشيشة يشكل دورة اقتصادية». وقال: «عرضوا على المزارعين زراعات بديلة ومنها زراعة الزعفران، وهي من الزراعات الغنية لكنها بحاجة الى خبرة كبيرة ويد عاملة متخصصة وهي تُزرع في ايران. اخترعوا اختراعات غريبة عجيبة، لكن (انا) مع عودة الحشيشة وتشريعها في لبنان ولا سيما في البقاع الشمالي دون اي استثناءات، ولابد من وضع بعض الضوابط وتطبيق بعض القوانين.
انا لا اقوم من خلال كلامي هذا بصدمة، اذ مثلاً هناك انتاج حبوب مخدرة تسمى الكبتاغون وهي مضرة بالصحة، وهذا انتاج كيميائي، اذاً أليس من الافضل منع الكبتاغون والعودة الى الحشيشة التي لا تؤثر على الصحة حسب معلوماتي المتواضعة بدل الدخول في مواد كيميائية مدمرة؟».
وكان الخبير الاقتصادي مروان اسكندر دعا قبل فترة الى تشريع زراعة الحشيشة في البقاع وعكار لدورها في المساعدة على نمو الاقتصاد. واستشهد بتشريع ولايّتين اميركيّتين، كولورادو وواشنطن، استخدام الحشيشة ليس فقط من اجل اغراض طبية، بل «للتسلية كالدخان العادي، ولو كان في الامر ضرر لكان المدعي العام الاميركي نقض القرارين». وكشف ان مردود زراعة الحشيشة كان يوازي ملياري دولار في حقبة الوصاية السورية، معتبراً ان خطوة التشريع ستكون اكثر افادة الآن من المستقبل حيث هناك اتجاه لتشريع هذه الزراعة في عدد من البلدان.
ومعلوم ان الحشيشة في لبنان تكاد ان تتحول في أماكن زرعها بمثابة «إرث» لعائلات تدرّ عليها هذه «التجارة» سنوياً نحو 1.5 مليون دولار، وهي وكانت عُرفت قبل الحرب الاهلية وازدهرت بقوة خلالها اي بين العامين 1975 و1990 واستمرّ الامر على هذا الحال بعد الحرب رغم محاولات مكافحتها وصولاً الى الكشف اخيراً عن ان لبنان بات مصنفاً بين «البلدان الأساسية المصدّرة لمعجون حشيشة الكيف بين عامي 2002 و2011» بحسب الأمم المتّحدة، حتى ان تقارير اشارت الى انه يحلّ رابعاً بعد المغرب، أفغانستان والهند ويتقدّم على باكستان مباشرة.