أسيل الظفيري / إنارة

سوالفنا

1 يناير 1970 11:49 ص
ما كان اهتمامنا باللبس والهندام إلا لأننا نحب أن نظهر بمظهر حسن أمام الآخرين، ولا يقتصر هذا التجمل الذي فطرنا الله عليه على أشكالنا فقط بل أيضا على أحوالنا، فنجد بعضنا حين اجتماعنا يتكلم عن نفسه دائما بأنه يحسن ادارة أموره، ويعطف على غيره، ولا تفوته شاردة ولا واردة إلا وهو فاطن لها، وهناك من يفصح بشجاعة عن تجربته الخطأ، وفشله في تحقيق مراده في أي مجال كان، فتجد حديثه أكثر واقعية، لأنه يعلم بأن أخطاءه جزء منه، ولا يخجل من إظهارها، فإيمانه بأنه بشر، والنقص فيه لا محالة، أراحه من عناء لبس أقنعة الكمال أمام الناس، فهو ليس مضطرا بأن يخفي أو يبرر أخطاءه، بل يتكلم عنها بشكل طبيعي، وأكثر ما يميزه ويعطيه صفة النجاح بالحياة والثقة بالقول، أنه يتعامل مع الخطأ على أنه تجربة يفندها ليتعلم منها، وبهذا الذكاء والفطنة يتحول ركام الأخطاء في حياته إلى مجموعة تجارب تزيد رصيده الخبراتي، أعانه على ذلك بعد توفيق الله شجاعته النفسية لمواجهة خطئه أو سوء تصرفه في موقف معين، فيقف وقفة جادة مع نفسه ليصحح مساره فيها، ويُبقي تجربته الفاشلة في خزنته، لا لتكون مصدر خزي، بل منحــــه مــــن الله استثمرها في تصحيح مساره.

وأما بعض من كان معظم حديثه بالمُثل، مثل قوله أنا ما أقبل بـ..، و أحرص دائما على...، فهو مسكين، إذ يلزم نفسه بالاحتفاظ بقناع يخفي وراءه ذاته الهشة، قناعته بأن الخطأ عيب ومحط خزي، تجعله يجاهد في إخفائه عن أعين الناس، ذلك لأن أخطاءه لم تكن بالنسبة له محط قوة، بل ضعف، وسببه أنه لا يقوى على مواجهة نفسه، فيُجمِل حاله بشعارات خاوية يرددها في كل مجلس.

جمَلنا الله بالستر على معاصينا وأمرنا بألا نجاهر فيها،ما أقصده في مقالي ليس التفاخر بالذنب، بل تجارب الحياة الكثيرة التي نتداولها بمجالسنا «سوالفنا» تكشف جزءا كبيرا من شخصياتنا، وتحكم علينا اذا كنا مِن مَن يهذُر بالمجالس، ام مِن مَن نصفهم بالعامية «رد وبدل».