يوثّق فترة مهمة من تاريخ العمل السياسي والاقتصادي والوطني في الكويت

كتاب / «مبارك عبدالعزيز الحساوي رجل سبق عصره» ... رحلة متوهجة بالأحلام والعمل والجهد والعطاء

1 يناير 1970 05:11 م
قليلة هي الشخصيات التي تترك - بعد رحيلها - انطباعات إنسانية متوهجة بالبذل والعطاء، وهذه الشخصيات القليلة، تعد المحرك الأساس لنهضة وتطور مجتمعاتها.

وعلى هذا الأساس فإن شخصية رائدة في شتى المجالات السياسية والوطنية والاجتماعية والاقتصادية مثل شخصية مبارك عبدالعزيز الحساوي - رحمه الله - كان لها الدور الأبرز في نهضة الكويت، وذلك من خلال ما يتمتع به صاحبها من فطنة وذكاء ووطنية... وقدرة على أن يؤدي دوره الريادي في بلده الكويت بكفاءة وجهد شديدين.

ومن ثم فقد اضطلعت ابنة المغفور له بإذنه تعالى في الاشراف العام على كتاب «مبارك عبدالعزيز الحساوي... رجل سبق عصره» وقدم حواراته الإعلامي رضا الفيلي ومراجعة الكاتب والباحث علي عبدالجبار الخشتي.

وتتلخص رؤية الكتاب في إلقاء الضوء على شخصية مبارك عبدالعزيز الحساوي - رحمه الله - من خلال سرد تفصيلي لنشأته وأحلامه... وحياته السياسية والاقتصادية، ورحلته المثمرة مع الحياة.

وجاء إهداء الكتاب في ومضات شعرية كتبتها فوزية مبارك الحساوي قالت فيها:

إلى روحك والدي... التي لا تزال توقظنا كل يوم.

إليك... معلمي وصديقي وضوئي الذي تلمّست به دروبي.

إليك... يا ساكن دموعي ومهجتي.

إلى قلبك الرقيق الذي افتقدنا حنانه في العشيّات.

إلى كل حبة تراب لامست جسدك الطاهر.

إلى الفضاء الذي تحلّق فيه أجنحتك.

إلى اسمك الذي لا يبارح صداه داخلي.

إلى صورتك المعلقة على أهداب عينيّ.

إلى هالتك التي لا يحنيها موت.

إلى ذكرك الذي نريده مرفوعاً في كل مكان وطئته قدماك.

... هذا الكتاب

نرفعه كي تبقى بين أحبتك وأبناء وطنك.

أما نحن فنردد الخاتمة التي كنت تردّدها دائماً: «الحمد لله».

وعبرت كلمة حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد في متن الكتاب عن التقدير لشخصية المحتفى به وإبراز دوره الوطني المهم ليقول سموه: «يمثّل الأخ المغفور له بإذن الله تعالى مبارك عبدالعزيز الحساوي بالنسبة لي، نموذجاً للشخصية الوطنية الكويتية، التي تتمتع بصفات الكفاءة والعطاء، والحس الوطني والوفاء للوطن الغالي.

ومن عرف آبا عبدالعزيز عن قرب يشهد لهذه الشخصية الوطنية بالخلق الرفيع، وبالأدب والتواضع الجم مع الكبير والصغير.

يعتبر رحمه الله أحد رجالات الكويت المشاركين مع إخوانه أعضاء المجلس التأسيسي في صياغة مواد الدستور. كما أنه ساهم خلال عضويته في مجلس الأمة عام 1967 بتقديم العديد من الاقتراحات ومشاريع القوانين الهادفة الى خدمة وطنه وتقدمه وازدهاره.

كان قريباً من نبض الشارع الكويتي، محبوباً من الناس يتميز رحمه الله بالعطاء والكرم والإحسان، غير أن أبرز ما عرف عن المغفور له بإذن الله «آبا عبدالعزيز» هو تجارته الرابحة مع الله، حيث ساهم ببناء الكثير من المشاريع الإسلامية كالمساجد، وبناء المساكن للفقراء والمساكين، ودور حفظ القرآن الكريم، وكفالة اليتامى في الكويت وخارجها.

وقد أوقف كما علمت من أبنائه جزءاً من ثروته للإنفاق على هذه المشاريع الإسلامية الخيرية.

سائلين الله العلي القدير أن تكون هذه الأعمال في ميزان حسناته «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم».

وأكد صاحب السمو عضو المجلس الأعلى للاتحاد الإماراتي حاكم إمارة الشارقة الشيخ سلطان بن محمد بن صقر القاسمي في كلمته أن: «روح مبارك الحساوي معنا»، وذلك من مقابلة أجريت مع سموه، وتضمنها الكتاب وقال فيها: «كان المرحوم السيد مبارك عبدالعزيز الحساوي من أكثر رجالات الخليج حباً للشارقة. وقد ترجم ذلك الحب بأن خصّها بأكبر قدر من استثماراته، إن لم أقل جميعها. فقد أسّس فيها ثلاثة فنادق كلفت مئات الملايين من الدراهم، وأقام الصناعات، من أبرزها مصنع التبريد، وساهم في تأسيس «بنك الشارقة المحدود»، الذي أقيم بالتعاون بين حكومة الشارقة وبنك «باريبا» الفرنسي (PARIBAS) ... كان المرحوم مبارك الحساوي يقدرنا كثيراً، فما من بلد التقيناه فيه إلا وسارع إلى اقامة الولائم، وأحضر معارفه ليعرفهم إليّ، ولسانه يلهج بكلمات الودّ والمحبة».

وأضاف سموه: «ان روح المرحوم السيد مبارك الحساوي لا تزال معنا، خصوصاً عند إطلالة المباني التي أقامها في الشارقة، من فنادق وعمارات ومصانع، كما يذكَّر به بروز اسمه في مساهماته في كثير من المؤسسات. رحمه الله رحمة واسعة».

وتحدثت مقدمة الكتاب عن شخصية مبارك عبدالعزيز الحساوي... وعن أحلامه التي لم ينفصل عنها بقدر ما تمسك بها وسعى الى تحقيقها بتصميم وطموح كبيرين.

فمنذ البداية تمرد الحساوي على الواقع الذي وجد نفسه فيه... ليصبح صاحب مملكة من العقارات، كما انه دخل السياسة من باب عريض، ولكنه لم يمكث فيها، وان رأى أن للعمل فيها دوراً وطنياً.

ولم يكن مبارك الحساوي بعيداً عن تاريخ نهضة الكويت، وإن غرّد خارجها، فهو ابن هذه النهضة، تأثر بها وأثّر. كل فصول تطوّرها حملتها مفترقات سيرته أيضاً، فإذا تحدثنا عن حركة التنمية وتطويرها في الكويت لا نستطيع فصلها عن التنمية التي حمل الحساوي بيارقها، منذ البداية، في مشاريعه التي نفذها في الكويت والإمارات ولبنان والمملكة العربية السعودية.

لم يبدُ مبارك الحساوي لاهثاً ولا متوتراً ولا حارقاً الأخضر واليابس لاستملاك العقارات أو إحياء الاستثمارات، لم يتحدث أحد عن نهمه أو جشعه في البيع والشراء. كانت التجارة الى حد ما لعبته المحببة الراقية، لكنها اللعبة التي يكسب فيها في أكثر المرات. كل من عملوا معه تحدثوا عن هدوئه وتركيزه وسرعة بديهته، فهو لا يتردد في اتخاذ قرار شراء أو بيع، لأنه حاضر الذهن والذاكرة، ويعرف جيداً كيف يقتنص الفرص، من دون أن يؤذي أحداً. وهو منذ اختار العقار مهنة فكّر في الربح الكثير والسريع، بالمقارنة مع استثمار آخر تعامل في وقت لاحق. ولا بأس أن تكون المخاطرة مرافقة لهذا الربح، فهو، كما تحدّث عارفوه، مجازف من الدرجة الأولى، لكنه مجازف حذق، يعرف قوانين اللعبة، وقد خبر خفاياها، حتى صار مدرسة في تعليم فن شراء العقار وبيعه.

كما لم يكن شخصاً تقليدياً في تجارته، لا، بل جعل العديد من التجّار التقليديين يغيرون أساليبهم في التعامل مع الواقع. كان منذ البداية يخترع أساليبه في البيع والشراء، فقد كانت المبادلة أحد أساليبه، فيبادل عقاراً بملكية أخرى بدلاً من الثمن النقدي، كونه أساساً لا يحب الأرصدة النائمة في المصرف، كأن ذلك يُشعره بالعجز عن تشغيلها، فدولاب العمل بالنسبة إليه يجب ألا يتوقف. وفي البحث عن رؤى جديدة كان مبارك الحساوي منفتحاً على ما يجري في العالم، مستفيداً مما تلاحظه عيناه في أسفاره، حاملاً معه أفكاراً ونماذج تنموية حضارية، لا يقبل إلا أن تكون مدهشة وجديدة وتؤمن الراحة لأبناء بلده.

وبالتالي تضمن الكتاب - الذي يقع في 324 ورقة من القطع المتوسط - ثمانية فصول وخاتمة، احتوى الفصل الأول على النشأة بين أمواج الهجرة وأشرعة البحر، والفصل الثاني ناقش واقع الأحلام، بينما تحدث الفصل الثالث عن دفء الأسرة... ثم تضمن الفصل الرابع التجربة السياسية، في حين ألقى الفصل الخامس الضوء على مملكة العقار، وتطرق الفصل السادس الى أزمة المناخ، واحتوى الفصل السابع على مراكز للاستثمار، وجاء الفصل الثامن من خلال العمل الحسن.

واحتوى الكتاب الى جانب ذلك صوراً نادرة تتحدث عن مسيرة الحساوي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية.

وختمت فوزية مبارك الحساوي الكتاب بقولها: «أستطيع أن أدعي أني، بعد والدتي، أكثر من يعرف والدي مبارك عبدالعزيز الحساوي، ومع ذلك عندما أقرأ فصول هذا الكتاب التي تستعيد حياته أشعر كأني لا أعرف عنه شيئاً، ويأتي في أشد الحاجة الى تلقف كل تلك الأخبار والأحداث التي يرويها أصدقاؤه وعارفوه. أشعر بأن كل كلمة قيلت فيه قنديل يطرد العتمة التي كَمَنَتْ في داخلي، منذ اللحظة التي غاب فيها ضوء وجهه عنا.

تحضرني عنه أشياء كثيرة، ويغيب منها أكثر، بل أحب أن أعرف عنه كل شيء، منذ أبصر نور الدنيا الى ان استعاد الله أمانته. فالحديث عنه مشوّق مشـــوّق! والقراءة عـــــــنه مشــــوّقــــة! وكم كان مشوّقاً سماع صوته!

عندما كان يتكلم كنت أتمكنى ألاّ ينتهي الكلام! وعندما كان ينهي جملته كنت أُحبُّ أن يعيدها، فأدعي أنني لم أفهم فكرة هنا، أو نصيحة هناك، أو تحليلاً هنالك. فأنا لم أكن أَمَلُّ أمواج صوته تتكرر على مسمعي في أي وقت، مثلما لا أَمَلُّ قراءة كل ما يكتب عنه اليوم، لأنني وأنا أقلب صفحات هذا الكتاب ينبت صوته معافى في أذني، وتنهض صورته البهية في قلبي، ويشعَّ شلال الدمع ببسمته والتماعات عينيه.

وأنتم يا من عوَّضتم بكلامكم غياب صوته، وبحبكم حرماننا من كل ذاك الحب الذي غمرنا به... أنتم يا من عشتم معه، ونبشتم حياته خطوة خطوة، وجلتم معه في السراء والضراء... أنتم يا من أكرمتمونا بجميل الكلام عن سيرته... لكم منا كل الشكر، وكل الامتنان، ودعاؤنا لكم بطول العمر».