إبراهيم أديب العوضي / اجتهادات

اشغل المواطن... تتحكم فيه!

1 يناير 1970 06:24 م
يقول المفكر وعالم اللسانيات الأميركي المشهور نعوم تشومسكي في كتيبة أسلحة صامتة لحروب هادئة والذي تضمن عشر أسس إستراتيجية لكيفية التحكم بالشعوب: (حافظوا على اهتمام الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، اجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية حقيقية لها. أبقوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا، لا وقت لديه للتفكير).

فالإستراتيجية الأولى والاهم كما يراها تشومسكي لإقصاء الشعب عن تحديد مصيره هو إشغاله وإلهاءه بأمور ومواضيع تبدو للوهلة الأولى أساسية ومهمة وجوهرية، إلا أنها في واقع الحال ما هي إلا وسيلة من أجل إبعاد الشعب عما هو أهم وأكبر. وفن الإلهاء ليس أمرا مستحدثا، بل هو صناعة تقوم على دراسات وخطط وعلم يدرس ضمن تخصص إدارة الأزمات منذ ستينات القرن الماضي.

أما الإستراتيجية الثانية فهي تقوم على أساس مبدأ افتعال الأزمات، بحيث تقوم السلطة بافتعال أزمة معينة لإشغال الشارع، وخلق حالة تفاعلية حول هذه الأزمة وتوجيه المواطن عبر الوسائل الإعلامية المختلفة لطرح حلول تتوافق مع طموحات مفتعلي الأزمة، حتى يندفع الجمهور لها وينغر بها، ليأتي بعدها مفتعل الأزمة بدور البطل ليحل المشكلة ويصبح من وجهة نظر الشعب (حامي الديار) الأوحد!

ولعل ذلك أصبح أكثر سهولة ويسر مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسرعة انتقال الأخبار والتطور التكنولوجي الكبير الذي شهده العالم خلال الأعوام الماضية. لم يكن تشومسكي وحيدا في هذا المجال، فالمفكر والسياسي الإيطالي ميكافيلي صاحب المقولة الشهيرة (الغاية تبرر الوسيلة) وضع أفكارا عديدة ومهمة قبل مئات السنين، ساهمت في تطبيق نفس الإستراتيجيات التي وضعها تشومسكي، وقائمة الأشخاص الذين يتبنون هذا الفكر طويلة لا يسع المجال لذكرها.

بالعودة إلى الكويت، لا أجد شخصيا، سببا منطقيا أو حقيقيا لهذه الأزمات المتشعبة والمعقدة والمتتالية ولا تبريرا واضحا وملموساً لها سوى أنها جاءت بتخطيط دقيق وممنهج لإلهاء الشعب وإشغاله في أمور ثانوية، حتى يتسنى للبعض الاستفراد بالسلطة وأحيانا بالقرار ليس إلا، وإن كنت أتمنى ان يكون واقع الحال عكس ذلك.

لنحكم عقلنا ولنرجع قليلا إلى الوراء ونراجع شريط الزمن، كم فرصة حقيقية ضاعت لتطوير النظام السياسي والديموقراطي؟ وكم مشروعا تنمويا واقتصاديا واجتماعيا تعطل أو تأخر؟ وكم متنفذ استفاد من تخاذل الحكومة والمسؤولين؟ وكم خطة طموحة لتعزيز الثقافة والتعليم والفن ظلت حبيسة الأدراج؟ وكــــم وكـــــم، وكــــم... هــــل كل هذا جاء بالصدفة؟


[email protected]