قلبيا، أنا مع الذين يجرّمون كل من يحرّض على نقض الدستور أو الدعوة إلى حل المجلس حلا غير دستوري، ومع الذين يطالبون بالسجن خمس سنوات لكل من يدعو إلى تلك الدعوة، ومع الذين يطالبون باستقالة الوزراء الذين وقعوا على وثيقة الدواوين والتي وإن لم تكن صريحة في الدعوة إلى الانقضاض على الدستور، لكن نستطيع أن نفهم ما وراءها.
ولكني في الوقت نفسه ضد تلك الفزعة المخيفة للحفاظ على الدستور إلى درجة إرهاب الناس وتخويفهم حتى من مجرد التفكير في حلول لأزماتنا المتتالية.
أولا: لا بد أن ندرك أن الدستور وإن لم يكن قرآنا منزلا، ولكن الدعوة إلى تعطيله وايقاف العمل به إما أن تكون عن حسن نية ورغبة في تلافي المشاكل التي نراها اليوم والتأزيم بسبب الصراع بين الحكومة والمجلس وما أدى إليه من تعطيل وشلل كامل للبلد وايقاف قطار التنمية وضجر الناس وتململهم، فإذا كان هذا هو السبب للدعوة إلى تعطيل الدستور فإننا نقول لهؤلاء انكم واهمون، ومثلكم كمثل الذي اشتدت عليه الأوجاع والألم فقال لنفسه: لماذا لا أقفز من السطح لعلي أشفى سريعا، فهذا هو الإنسان الحالم الذي يطمع في حرق المسافات بدلا من أن يقطعها خطوة خطوة. إذاً فهؤلاء ليسوا ضد الدستور ولكن ضد الممارسات الخاطئة للمجلس.
إن هذه العيوب التي نراها في تجربتنا البرلمانية إنما هي انعكاس حقيقي لواقعنا، فنحن من أوصل هؤلاء النواب إلى دفة المجلس، ونحن من ندفعهم دفعا إلى تقديم تلك الاقتراحات السخيفة التي نحتج عليها، ومن شأن استنكار الممارسات الخاطئة والسعي الدائم لتصحيحها أن يصحح مسيرتنا حتى وإن ذقنا مر العلقم وصبرنا عليه، والدول المتقدمة لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا عبر تجارب طويلة ومحن وابتلاءات.
أما السير في طريق حل المجلس وفرض التسلط فإننا قد جربناه مرات عديدة ولم يزدنا إلا تخلفا وتراجعا حتى لو أحسنت قيادتنا إدارة دفة السفينة، ومثل هؤلاء حسني النيات كمثل الذي يصر على أن يبقى في العبودية طمعا في أن يكفيه سيده عناء البحث عن الرزق وبذل الجهد لاتخاذ القرار المناسب له!!
ثانيا: آخرون يدعون إلى تعطيل الدستور لأهداف خبيثة وليخلو لهم الجو ليحققوا مآربهم الخبيثة ويزيدوا من فسادهم فلا مجلس يحاسبهم ولا ديوان محاسبة يراقبهم ولا قوانين يخضعون لها، وهؤلاء لا يستحقون الرد عليهم.
ثالثا: أما قولي بأني ضد هذه الفزعة المخيفة للحفاظ على الدستور من بعض نوابنا فالسبب هو أن هؤلاء يرتكبون الجريمة نفسها، فهم يهدمون الدستور ويعطلون أحكامه من حيث لا يشعرون، فالتشنج الدائم والمعارك المتواصلة داخل المجلس وخارجه والزج بمشاريع قوانين ومقترحات غير واقعية وقد تكلف الدولة مليارات الدنانير وتعطي من لا يستحق، وتصفية الحسابات مع الوزراء والشعور بالنشوة العارمة عند إصعادهم على منصة الاستجواب وشتمهم وطرح الثقة بهم حتى قبل أن يتكلموا، ومحاسبتهم على النيات، والفزعة لأمور تافهة مثل ترخيص الدواوين والفرعيات وغيرها.
إن هؤلاء الذين يقومون بتلك التصرفات الممجوجة هم أشد عداء للدستور وللمجلس حتى ولو لبسوا لباس الوطنية والغيرة على الدستور.
د. وائل الحساوي
[email protected]