لعل الكثيرين منا يعاني اليوم من ضياع الوقت ومن قصر الفترة المتاحة لإنجاز المهام والأعمال اليومية، وبدأنا ندرك تماما أننا نعيش في عصر باتت فيه ساعة الزمن تسير بسرعة جنونية، حتى أضحى موضوع ترتيب الأولويات لدى البعض أمرا صعبا ومقلقا.
قد يكون لذلك أسباب عديدة ومتنوعة، ولعل أولها تسارع وتيرة الحياة اليومية مع إنتشار وسائل التكنولوجيا والخدمات الإلكترونية ووسائل التواصل المختلفة وزيادة المهام والأعباء التي تحقق الحد الأدنى من العيش الكريم. وقد يكون ذلك أيضا لأسباب دينية بحته، فمن علامات الساعة الصغرى نزع البركة عن الوقت، أي أننا نشعر بالتدريج بأهمية الوقت وبأننا لا نستطيع إنجاز أعمالنا بالفترة المأمولة وبأننا كذلك نحتاج لأوقات طويلة لانجاز أعمال صغيرة. وقد تلعب عوامل أخرى ليست بيد الإنسان كذلك في ضياع الوقت، فمثلا يضيع وقت الكثيرين وسط الإزدحام المروري أو بسبب انجاز معاملة حكومية وسط حالة الضياع التي نعيشها بين الروتين والبيروقراطية وغيرها من المسببات الأخرى.
ولعل في استغلال الوقت أهمية عظمى، ولا أجد خيرا من الاستدلال على ذلك إلا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لمعاذ بن جبل (لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال) ومن بين الخصال التي ذكرها النبي الكري (عن عمره فيم أفناه ) وهو ما يدل على أهمية استغلال وقت الإنسان لما فيه خير ومصلحة دينية ودنيوية. ويقول أحد الحكماء (من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه أو مجد أثله أو حمد حصله أو خير أسسه أو علم أقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه ). أما في مجال الأمثال وتقديرها لأهمية الوقت فهي عديدة ومختلفة ولعل أشهرها المثل القائل الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
ولعل عمرنا يفنى ونلاحظ جميعنا أن قطار الحياة يمضي وأن هناك فرصا عديدة قد تجاوزتنا، لو أحسنا استغلالها من خلال تنظيمنا لوقتنا، لتبدلت حياة الكثيرين منا. فاستغلال الوقت قيمة سلوكية مهمة لن تتحقق إلا من خلال تحديد أولوياتنا وترتيب أهميتها وتحديد الوقت المناسب لإنجازها وفقا لخطة عمل معينة تتناسب مع طموحاتنا الشخصية.
أعجبتني كثيرا قصة نجاح الأميركي إيان ليوبولد في استغلال الوقت، وكيف أنه استطاع بسبب حدسه ورغبته في استغلال وقته من تحقيق النجاحات المتتالية والانتقال إلى عالم المال والأعمال. فقد كان ليوبولد مقتنعا بأن فئة الشباب تمثل الشريحة الأمثل لفئة المعلنين، وعليه بنى فكرة مشروع تخرجه على أساس أهمية نشر دليل تسويقي وترفيهي لطلبة الجامعة وتحقيق الربح من خلال نشر الإعلانات عبر صفحات هذا الدليل. لم تعجب هذه الفكرة الدكتور المشرف على هذا الطالب، فجعله يرسب في مقرر مشروع التخرج، ليؤجل معها تخرجه إلى ما بعد فترة الصيف.
ورغبة من ليوبولد في تحدي ذاته واستغلال وقت فراغه في وقت الصيف وليثبت للمشرف على مشروعه صحة فكرته، فقد قرر إطلاق أول دليل مطبوع في عام 1986 على مستوى جامعته ( جامعة هوبرت الأميركية ) ليحقق من خلالها نجاحا واسعا، ولتنتشر الفكرة بعدها لتصل إلى أغلب الجامعات الأميركية وباتت تدر عوائد قدرت بحوالي ربع مليون دولار سنويا في عام 1990. وبسبب إستغلاله لوقته، تمكن ليوبولد من توسعة نطاق أعماله من خلال تأسيس شركة وصلت عوائدها إلى 10 ملايين دولار عام 1998 ودخل بعدها في مجالات أخرى كالتسويق والنشر والدعاية والإعلان حتى أضحت شركته من الكيانات التجارية المرموقة في الولايات المتحدة ولم يكن لهذا النجاح أن يتحقق، لو لم يحسن ليوبولد استغلال وقته!
[email protected]