روت ملابسات نقلها من الجيش و«استقبالها» من رفعت عيد «المتواري»
بولا يعقوبيان من موقع التصوير إلى «كمين» جبل محسن
| بيروت – «الراي» |
1 يناير 1970
09:40 م
شكّلت حلقة الاعلامية اللبنانية بولا يعقوبيان ضمن برنامج «انترفيوز» (على شاشة «المستقبل») يوم الأربعاء فسحةً أطلّت عبرها على المرحلة الجديدة التي دخلتها عاصمة الشمال اللبناني طرابلس التي بدأت تخلع عنها «المرقّط» منذ ان انطلقت فيها الخطة الامنية التي ينفذها الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي على قاعدة «اجتثاث» ظواهر الفلتان والتسيّب للمجموعات التي تقف وراء 20 جولة من المواجهات الدموية بين باب التبانة (السنية) وجبل محسن (العلوية) أفضت منذ العام 2008 الى سقوط اكثر من 200 قتيل و1500 جريح.
في «شارع سورية» الفاصل بين التبانة وجبل محسن جلس ضيوفها في البقعة نفسها التي كانت حتى الامس القريب «خط تماس» سياسياً - مذهبياً يختزل في جانب منه «التاريخ الدموي» الذي يعتمل بين المنطقتين منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي وصولاً الى العام 1986 (وقعت مجزرة ارتكبتها القوات السورية في التبانة وراح ضحيتها المئات)، قبل ان يعيد الصراع السياسي المحتدم في لبنان بين قوى 8 و14 آذار نكء جراحه، لتستعيد «الجبهة النائمة» دورها الاستقطابي (سياسياً ومذهبياً) مع اندلاع الثورة السورية ووقوف الطرفين واحد مع المعارضة والآخر مع النظام.
لم تدرك بولا يعقوبيان ان حلقتها ستُستخدم في سياق توظيف سياسي - أمني - مخابراتي سرعان ما ألقى الضوء على مفارقة فرار القسم الأكبر من «امراء» القتال في طرابلس وأبرزهم الزعيم العلوي علي عيد ونجله رفعت (قيل انهما فرا الى سورية) الملاحقين من القضاء اللبناني الاول بتهريب متهَم رئيسي في جريمة تفجير المسجدين في عاصمة الشمال التي وقعت في اغسطس الماضي والثاني بتشكيل «مجموعة مسلحة بهدف ارتكاب الجنايات على الناس والاموال والنيل من سلطة الدولة واثارة الفتن الطائفية والقتل ومحاولة القتل وحيازة اسلحة وذخائر».
فلم تكد حلقة «خط التماس» ان تنتهي حتى اندلعت مواجهات في طرابلس وتحديداً في التبانة خلال توقيف الجيش مطلوبين بمذكرات قضائية. وقد تعاطى الجميع في بيروت مع هذه المواجهات على انها «انتكاسة» للخطة الامنية في عاصمة الشمال، من دون ان يتصوّر احد ان ما جرى مرتبط باطلالة يعقوبيان من «شارع سورية».
وقد تولت بولا يعقوبيان شخصياً تظهير هذا البُعد من خلال بيان كشفت فيه ملابسات ما حدث بعيد انتهاء حلقتها ونقلها من مخابرات الجيش اللبناني على وقع أصوات القنابل الى جبل محسن حيث «استقبلها» عبر الهاتف رفعت عيد بـ «اهلاً بك في الجبل الشباب في خدمتكم»، متحدثة عن تفاصيل مريبة اعتبرها موقع «يقال» الالكتروني (المحسوب على 14 آذار) مؤشراً الى ان «هناك مجموعة من مخابرات الجيش تعمل لمصلحة رفعت عيد»، منتقداً نقل الاعلامية اللبنانية وفريقها «الى مقر يسيطر عليه مطلوب للعدالة، يأتي شبابه، وبمعرفة هذه المجموعة من المخابرات ومعهم هاتف الذي تدعي السلطات اللبنانية، بناء لاشارة مخابرات الجيش، أنه متوار، فيتحدث عبره رفعت عيد، موصلا رسالة «قوة» الى من يعنيهم الأمر».
وجاء في رواية بولا يعقوبيان التي تخلص الى أن الاشتباكات التي حصلت كانت مدبرة لاقتياد الفريق التلفزيوني الى جبل محسن للاحتماء من باب التبانة: «(...) مع بدء تطبيق الخطة الأمنية الهادفة الى احلال الأمن والهدوء ولو بالقوة على خط الحرب الشهير بين التبانة والجبل، اعتبرتُ أن هناك فرصة للمظلومين ولأهلنا الرهائن في طرابلس ليُعبّروا عن آلامهم وليؤكّدوا معاً أن الاقتتال أصبح وراءهم (...) وذهبت مع فريق المستقبل الى خطّ التماس بعد اتصالات مع أرفع الأمنيين الذين أكدوا جميعاً أن الأرض جاهزة الى مرحلة ما بعد المسلحين، وتوقعت كل شيء حتى القنابل الصوتية وقد أُخبرنا أن أحد السياسيين أرسلها قبل وصولنا. أما ما لم أتوقعه فهو ما جرى بعد اللقاء ورحيل الضيوف (كما أتوا من التبانة)، فكنا قد بدأنا بفكفكة المعدّات لنهُمّ بالعودة عندما بدأ الرصاص يلعلع على مقربة من مكاننا. طلب مني الجيش أن أدخل الى فان النقل المباشر ففعلت، ومن ثُم سألت اذا الرصاص كان بسببي فرد علي الضابط بأنهم قاموا بمداهمة وأن لا علاقة لنا بما يجري وأن الرصاص كله يطلقه الجيش وقوى الأمن».
اضافت: «طيب ماذا نفعل»، قال لي «أدخلوا جميعاً الى مركز الجيش»، قلت له «كما تشاء، شرط أن نبقى جميعاً مع بعض كل الوقت». وهكذا كان، ذهبنا عبر دهاليز الى مركز الجيش على بعد أمتار قليلة من مكان التصوير، تعرّفنا على بعض العناصر الطيبة جداً، تصوّرنا معاً وضحكنا. وبعدها قلت لأحد الضباط فلنذهب اذا روّقتوها، وافق معي، الا أن ضابطاً أعلى رتبة اقترح ما سماه «طريقا آمنة للجميع»، فقلنا له نحن معكم ونفعل ما تقترحون. صعدنا جميعاً في مبنى مدمر، ووصلنا الى طريق صغير فيه سيارات لمخابرات الجيش. ودّعنا الضباط والعناصر وشكرناهم وذهبنا مع مخابرات الجيش من دون سؤال، والسائق الذي كان معي قال لي «أنا مخابرات وأنا من جبل محسن»، فقلت له أهلا وسهلا.
وتابعت: «ثُمّ أخذونا الى قاعة للتجمع والمغادرة، منها أتى أحد الأشخاص وقال لي «نحن مش ارهابية ولا زعران»، فقلت له «نحن وأنت معترين بيضحكوا علينا وبيستغلونا، انشالله نكون تعلمنا كلنا». وبعدها أتى شخص آخر وقال لي حرفيا معطيا لي هاتفه «في حدا بدو يحكيكي». فقلتُ له أعرف من هو. وفعلاً ساعتها أدركت أن هناك من يحاول الايحاء أننا هربنا من التبانة ولجأنا للجبل، في حين اننا ذهبنا مع الجيش حيث أخذَنا مشكوراً. وقال لي رفعت عيد «أهلاً بك في الجبل، الشباب في خدمتكم»، فشكرته وقلت له نحن مع مخابرات الجيش وذكرته أنني أردت منذ سنتين أن آتي وأصور مع أهلنا في جبل محسن، ويومها جاوبني أنه لا يستطيع تأمين سلامتي».
وأكملت: «قبل الصعود في السيارات والانطلاق، أخذني جانبا أحد الأشخاص، وقال لي «عرفنا أنه تم توزيع قنابل صوتية من أحد النواب التابعين للمستقبل»، طيب معلومة اضافية لصحافية صاعدة. ضحكت تأسفت وحزنت في طريق العودة. هدفي الأول كان مُلاقاة أهل الجبل والتبانة عند خط التماس «السابق» ليُصبح خط تسامح ومحبة، وأظنني نجحت بما هو أهم ربما... أثبت لأهلنا جميعا أن السياسيين يتلاعبون بفقركم وغرائزيتكم وعند التسويات نُباع في سوق النخاسة الدولي، وعند المقاصة يلتقون على تبادل الأوراق بعد تجميعها بعناية».
وختمت: «ما سردته الان هو بايجاز الحقيقة كما حصلت... لم نهرب من التبانة الى الجبل كما أراد البعض أن يصوّر، بل تبِعْنا الجيش اللبناني، ومشينا خلفه، كما سنفعل في المستقبل اذا طلب منا مجدداً أن نسير خلف جيشنا، حتى لو لم نكن نعلم الى أين يأخذنا».