مقال / «إنما للصبر حدود» !
| إبراهيم صموئيل |
1 يناير 1970
06:23 م
في الأساس، لم تكن شعوب بلدان الربيع العربي مشغولة ومهمومة بما تطالب به الآن، وما ترفع شعاراته. هذه المطالب ذات السقف المرتفع إلى ما يوازي أسقف الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلدان العالم المتطورة كانت أحلاماً وردية للعديد من شعوب بلداننا.
في الأساس، كان يشغل الناس الحصول على كفايتهم للعيش الآدمي، وجود بنية تحتية تؤدي الأغراض من إنشائها تأدية ليست على أعلى تطور تقني لها كما في بلدان الأحلام، بل بحدود تقديم الحاجات اللازمة لعيش الإنسان.
في الأساس، كان يشغل الناس تنمية الأرياف والقرى لا بما يوازي المدن العربية (حتى على هلهلتها في بلدان الربيع العربي) بل بما يُخرج تلك المناطق من حدود العصر الحجري الذي تعيش عليه فعلياً.
تأمين المأوى والغذاء والكساء والدواء والتعليم بالحد الأدنى الذي لا يجعل من تلك الحاجات كوابيس يومية تستيقظ مع استيقاظ الناس ولا تنام حتى في مناماتهم حين يخلدون إلى النوم!
إيجاد فرص العمل التي لا بدّ منها في الحدود الضرورية، وليس كفرص ذهبية للعمل تفرش أمام المواطن مساحات من الاختيار على هوى ميوله ورغباته. فرص عمل تؤمن لقمة العيش ليس إلا!
درجة من الأمن والأمان وفق قوانين في الحدّ المعقول والمقبول، ولمسات من كرامة تغيّر واقع الناس من واقع شياه مملوكة وسبايا، لا إرادة لها ولا قوانين تحمي حقوقها الأولى والأساسية، ولا مرجعية يتمّ الاحتكام لها.
لقد مرت أزمان طويلة جداً على بداية «النشوء والارتقاء» الذي حكى عنه دارون ونظّر له. ولا بدّ أن الإنسان العربي ـ من جملة البشر في العالم ـ قد خطا خطوات في النشوء والارتقاء، وانتقل إلى مرحلة جديدة، ولو كانت مرتبته في بدايتها.
وباختصار، لم يكن للمواطن الذي يعيش داخل حدود بلد من مطالب سوى أن يكون مواطناً على نحو ما، وأن يكون مكتفياً بدرجة ما، وأن يكون حرّاً على قدر ما، وأن يكون مرفوع الرأس ولو قليلاً، معتزاً ببلده، فخوراً بأنه ابن من أبنائه، وفخوراً بانتمائه إليه وليس أن يكون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما عيش الأقنان والسبي، أو الهجرة إلى أي بقعة يابسة في الأرض!
كتبت الصحف ما كتبت عن ظروف الإنسان العربي وعن حاجاته الضرورية التي لا بد منها، وصوّر الكتّاب والفنانون الظلم الواقع على الإنسان العربي، والتضييق الجاري على حقوقه، والعسف المخيّم عليه، وحاجته المزمنة إلى درجة ما من الكفاية. عبّر المفكرون، ونشط الناشطون السياسيون قبل الربيع العربي بعقود وعقود.
غير أن كلّ ذلك لم يلقَ أذناً صاغية ولا عيناً منتبهة، بل راحت الأحوال عقداً بعد عقد تتدهور وتتراجع وتتقهقر ويسودها الفساد والمحسوبيات إلى حد ما كان لأي إنسان في الدنيا إلا أن يبحث عن سبيل ما للتعبير عمّا يعيشه وللخروج من ظلم كوابيس ما يعيشه.
ألم يفطن الحّكام؟! ألم تتعظّ الأنظمة؟! ألم يخطر في بال سلطة أن دوام الحال من المحال؟! ألم يلتفت المستبد، وهو حاكم البلاد والآمر الناهي فيها إلى أحوال العباد لإصلاحها قليلاً لا من أجل عيون العباد، بل ليحفظ نفسه وسلطته ونظامه من براكين تثور فجأة فلا يبقى للحوار مطرح، ولا للتفاهم مطرح، بل وحتى لعدم التدمير مطرح، على مبدأ صار تحصيل حاصل: عليّ وعلى أعدائي يا رب!