مدير الأمن العام اللبناني روى خفايا المفاوضات

هكذا أعطى أبو عزام الكويتي الضوء الأخضر لإطلاق راهبات معلولا

1 يناير 1970 09:58 م
روى المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم خفايا المفاوضات التي أدّت إلى إطلاق راهبات معلولا قبل شهر ودور نائب أمير «جبهة النصرة» في منطقة القلمون السورية «ابو عزام الكويتي» في إعطاء صافرة السير بصفقة مبادلة الراهبات بعشرات المعتقلات في سجون النظام السوري.

اللواء ابراهيم، الذي اضطلع بدور محوري في إتمام صفقة التبادل، اشار في حديث الى مجلة «الامن العام» الى أنه تلقى منذ اليوم الأول اتصالات من عدد من رجال الدين المسيحيين حضّوه على بذل جهود لإطلاق الراهبات، وكانت الخطوة الأولى أنه أجرى اتصالات بمسؤولين قطريين تعاون معهم بنجاح في ملف أعزاز فأبدوا استعدادهم للتعاون ومباشرة العمل.

وأشار إلى أنه وفي ضوء مكالماته الهاتفية بنظيره القطري، عزم على زيارة دمشق للمرة الأولى للخوض معها في الملف، وكان الخاطفون قد أفصحوا عن هويتهم، وقال: «كان من الحتمي زيارة دمشق، الطرف الأساسي الآخر المعني بهذا الملف، وقد تكون المهمة أمام أثمان يقتضي تسديدها لقاء إطلاق المخطوفين»، لافتاً إلى أنّ «الزيارة رمت بداية إلى جس نبض المسؤولين الأمنيين السوريين، حيث لقي تشجيعهم لاسباب شتى منها أنّ معظم الراهبات المختطفات سوريات ما خلا اثنتين لبنانيتين».

وبحسب اللواء ابراهيم، فإنّ تدهور الوضع في يبرود استعجل موافقة الخاطفين على التفاوض، موضحاً أنه أبلغ الوسيط السوري أنّ هدفه الوحيد إطلاق الراهبات أياً تكن الوسيلة والجهة التي تتولاها، وهو يدعم مَن يسعه تحقيقه، إلا أنه أخطره أيضاً برفضه وجود خطوط عدّة لوساطات متشابكة تتضارب فيها المصالح وتتناقض الحسابات والأهداف، وقال له: «لسنا في صدد بازار، بل نريد تحرير الراهبات فحسب، وهذا كلّ ما نتوخاه».

وكشف ان الخاطفين تقدموا بداية لقاء تخلية الراهبات بلائحتين «أولى من 900 معتقل في السجون السورية وثانية من 150 إسلامياً موقوفاً في سجن رومية متهمين بجرائم إرهابية بينهم 35 موقوفاً من جماعة أحمد الأسير متورطون في أحداث عبرا». واذ قال انه وافق على تسلم لائحة 900 معتقل، اوضح انه أوعز إلى الفريق اللبناني برفض تسلم لائحة الـ150، «وقلت انني لن أوافق على إطلاق 16 راهبة في مقابل إعدام الشعب اللبناني، لأنّ إطلاق 150 إرهابياً من سجن رومية يعني تدمير المجتمع اللبناني برمته إذا أفلتوا في البلاد».

ولفت الى انه في المرحلة الثانية حمل لائحة الـ 900 إلى دمشق كي يباشر تفاوضا مشابها لما رافق مخطوفي أعزاز بين السلطات الرسمية السورية والخاطفين «فاستمهلت السلطات الأمنية السورية بضعة أيام للتحقق من الأسماء، وفي وقت لاحق تيقنت من وجود عدد منها في سجونها وبعض آخر لا، وبعض ثالث أسماء مشوبة بأخطاء وتكرار، وبعض رابع قيد المحاكمة يتعذر إطلاقه قبل إنهائها، وبعض خامس لا عقبات في طريق إطلاقه، وبعض سادس لم يرتكب أفعالا جرمية، وفي حصيلة الاستقصاء وجمع المعلومات هبطت لائحة 900 اسم إلى 141 اسماً جلهم من النساء».

وأضاف: «بعد ذلك كان اقتراح من جبهة النصرة يقضي بتسليم الراهبات في عرسال بالتزامن مع وصول الموقوفات السوريات من ضمن لائحة 141 إلى المصنع داخل الأراضي اللبنانية، فرفض ابراهيم هذا الاتفاق، وعرض بديلاً منه غير قابل للتفاوض يقضي بإطلاق الراهبات ونقلهنّ إلى عرسال وتسليمهنّ إلى الأمن العام هناك بسرية مطلقة تمهيداً لنقلهنّ إلى بيروت بالتزامن مع إجراء اتصال بالسلطات السورية لإطلاق السجينات السوريات الـ141 تبعاً للائحة المتفق عليها. عندها، نقل الوسيط السوري الاقتراح البديل فرفض وتم تقديم ثلاثة اقتراحات ضمّنها مطلباً جديداً فاجأ المفاوضين اللبناني والقطري إلا أنه أضحى حجر عثرة في طريق التفاوض واستمرار التعويل على صفقة التبادل وكاد يطيحها: إطلاق 12 موقوفاً في السجون السورية ترد أسماؤهم للمرة الأولى».

وأشار إلى أنه بدأ الخوض بعد ذلك في الأسماء الـ 12 وسط امتعاض سوري من الشرط الجديد، حيث تبين ورود أخطاء في تدوين الأسماء بعضها بدا أنه تعمّد التضليل، ومنذ ذلك الوقت بدأ العدّ العكسي للتبادل: «عند الثانية والنصف بعد ظهر 9 مارس توجهت قوة أمنية من الأمن العام يرافقها الفريق القطري إلى وادي عطا عقبة الجرد في عرسال على مسافة 15 كيلومترا من الحدود اللبنانية السورية لتسلم الراهبات، وبوصول القوة إلى ساحة اللبوة تبلغ الفريق القطري اتصالا من الخاطفين يطلبون اصطحاب عائلة الموقوفة سجى الدليمي إلى نقطة التبادل، فوافقتُ على ذلك وأكدت أن دورية من الأمن العام ستتولى نقلها من المصنع إلى عرسال. وعندها أيضاً، طلبنا من دمشق وقفاً شاملاً للنار في يبرود لساعتين مدّدتا مرتين لتسهيل تسلم الراهبات».

ووفقاً للواء ابراهيم، «عندما اقترب موعد التبادل طرأت عقبة إضافية هي افتعال تأخيره بلا مبرر، حيث كان من المتفق إنجاز التبادل في عرسال بعد ظهر الأحد 10 مارس، إلا أنّ الفريق اللبناني لمس تعمّد الخاطفين تأخير التنفيذ بحجج مختلفة في انتظار هبوط الليل، وبعد سلسلة عقبات وشروط جديدة، كان ردّنا الرفض والاصرار على إتمام التبادل تبعا لما هو متفق عليه: إطلاق راهبات معلولا جميعا في مقابل سجى الدليمي وطفليها وشقيقتها». عندها انقطع الحوار، وأمر اللواء ابراهيم الفريق اللبناني بمغادرة المكان ومعه سجى الدليمي وعائلتها، وكانت الساعة قاربت العاشرة ليلاً. ولم تنقض عشر دقائق حتى تلقى أحد الضباط القطريين مخابرة من أبو عزام الكويتي طالباً العودة لمباشرة تنفيذ التبادل وفق الاتفاق المبرم. وهكذا، أنجز التبادل.