حديث / كُلكُم رَاعٍ

1 يناير 1970 07:31 م
إن معظم الاسر الكويتية بمختلف مستوياتها تهتم بالسمعة، وتعدها أساس التقييم في الزواج لان المجتمع مازال يهتم بالمظاهر اكثر من اهتمامه بالجوهر، فما زالت سمعة الاهل في مقدمه الاوليات التى يسأل عنها المقبلون على الزواج من الطرفين، الرجل والمرأة، وليس صحيحا كما يدعي البعض انها باتت من الماضي وان الشخص نفسه اليوم هو الاهم وليس اهله، ان هذا الادعاء مردود عليه، لان الرجل او المرأة عندما يرتبطان بالزواج فانهما يرتبطان باسرة كلا الطرفين كلها. فيصبح كل ما يسيء الى هذه الاسرة يسيء الى الزوجين معا، ولهذا فعندما يقبل الرجل على الزواج يسأل اول ما يسأل عن اهل الفتاة التي سيقترن بها قبل حتى الاقدام على الخطبة، ومن ثم تبدأ اسرة الفتاة في المقابل بالسؤال عن هذا الرجل واسرته قبل الرد على طلبه بالايجاب او الرفض، ولهذا فان السمعة اما ترفع اسهم الابناء واما تخسف بها الارض عند الزواج تحديدا، فيدفعون ثمن سوء سمعة اهاليهم بعزوف الاخرين عن الزواج بهم او الاقتراب منهم... وهذا الغبن اساسه الأهل انفسهم الذين لم يفكروا يوما في ان حسن السمعة والصيت من الثروات غير الملموسة التي يتوارثها الابناء عن ابنائهم، وكما يقول المثل: (الزين يخص والشين يعم )، ولهذا نجد كثيرا من الفتيات يظلمن اذا كان حظهن ضمن اسرة ليست ذات سمعة طيبة حتى ان حققت الفتاة لنفسها تقدما علميا وثقافيا وماديا في وسط مجتمع اسري مهزوز وسيئ السمعة فهي كمن يبني في الهواء بناء لا اساس له، فتدفع ثمن سمعة اهلها السيئة اما بحرمانها من الزواج او بزواجها بمن هو اقل منها او بمن لا يستحقها... وهنا نسأل هل سمعة الأهل من الاوليات التي يسأل عنها عند الزواج؟... ومن يظلم أكثر الشاب ام الفتاة؟... هل صحيح ان التطور في زمننا هذا شمل العادات الخاصة بموضوع تأثير سمعة الأهل على الابناء؟

إن سمعة الاهل ما زالت مهمة جدا ومن الاوليات التي يسأل عنها المقبل على الزواج، والفتاة قد تظلم اكثر بكثير من الشاب لان الرجل عادة ما يتقصي اكثر عن شريكة حياته لانها ستصبح ام اولاده، وذلك فان المجتمع ينظر الى الرجل على انه (شايل عيبه)، وقد يجد من ترضى به حتى ان كانت سمعة اهله سيئة لان المواريث الاجتماعية تدين المرأة لأتفه الاسباب وتجد المبررات للرجل... وايضا سوء سمعة الأهل تسيء للابناء سواء كانوا ذكورا ام اناثا بعد الزواج، حيث يعاير احد الطرفين الطرف الاضعف عند حدوث المشاكل والخلافات الزوجية (ابوك سوا وامك وفعايلها).

ان العادات والتقاليد لا يمكن تغييرها في هذا الشأن، فما زالت السمعة في مقدمة الاوليات التي يسأل عنها كلا الجنسين قبل الزواج، حيث من المتعارف عليه ان البنت تشبه أمها في تربيتها واخلاقها وان الشاب يشبه والده في طباعه واخلاقه، كما يقول المثل: (إذا بغيت تضمها إنشد عن أمها)... سمعة الأهل اليوم ليست مقياسا للزواج خصوصا بعد تحرر المرأة وخروجها الى العمل وتحررنا من كثير من العادات والتقاليد البالية والظالمة، فالبعض لا تفرق معه سمعة الأهل ولا يهمه سوى من يرتبط بها... والبعض اعتبر ان سمعة الأهل ان ارتبطت بسوء الاخلاق والفساد فان ذلك سيؤثر سلبيا على زواج البنت، لكن ان ارتبطت بمساوئ اقل مثل سوء التعامل مثلا، فمثلا يقال في مجتمعنا (العرق دساس) ومجتمعنا يهتم كثيرا بالسمعة... وايضا سمعة الأهل احيانا ترفع من أسهم الفتاة عند الزواج، حتى ان كانت محدودة الامكانات لأهمية الحسب والنسب عند الزواج والعكس صحيح ايضا، ومثالا على ذلك عندما يقترن الشاب بخادمة فبذلك أساء الى نفسه بهذه الزيجة وعرقل زواج أبنائه مستقبلا.

ان سوء سمعة الفتاة تجعل الشاب يعزف عن الاقتران بها، لان الشاب عندما يقترن بالفتاة يهمه ان تكون زوجته أما صالحة لأبنائه وهي ان كانت كذلك ولكن حظها ان اهلها سمعتهم سيئة فان هذا الامر سيؤثرعلى سمعة ابنائه في المستقبل، لاننا ما زلنا في مجتمع يبحث عن السمعة والصيت ففي مجتمعنا الكويتي نسأل كثيرا عن اسم العائلة ومركزها ووضعها الاجتماعي (ولد منهو ومن عائلة منو... وين بيتهم )، بل نسأل عن الام والاخوة ايضا، فان كان احدهم سيئ السمعة أساء الى الفتاة والى فرحها بالزواج، بل ان السؤال احيانا يمتد الى الخالة والعمة والاقرباء... فلا يمكن ان نزرع قمحا ونحصد بطيخا، فالابناء يتشكلون كالعجين وما نزرعه فيهم من مفاهيم وقيم تشكل شخصياتهم ومعتقداتهم... فالمسلم يولد مسلما من اب وام مسلمين ومن الصعب اقناعه بديانة اخرى بعد ذلك، لانه تشبع بهذه الديانة واكتسب جميع عقائدها، وهذا المسلم ان ولد في بيت يهودي لاصبح كذلك، اذاً من الطبيعي ان يشبه الإنسان أهله في ديانتهم وعقائدهم واخلاقهم ايضا، وسيئ السمعة او صاحب الاخلاق الفاسدة لن يربي ابناء صالحين لان الإنسان ابن بيئته ومن الطبيعي ان يؤثر عليه سمعة واخلاق اهله رغم ان لكل قاعدة شواذ.

واخيرا أختم مقالتي بالقول... انه ليس من العدل ان نحكم على الفتاة او الشاب من خلال سمعة اهلهما التي ليس لهما ذنب فيها فقد يكونان من اشد المعارضين لتصرفاتهما وغير راضين عنها... لكنهما لا يملكان تغييرها، ولهذا يدفع الكثير من الابناء ثمن سمعة الأهل من خلال نظرة المجتمع الدونية لهما عند محاسبتهما على ذلك... في الوقت نفسه سمعة الأهل أمانة ومسؤولية يتحملها كلا الوالدين، وهما محاسبان امام الله عليها وكما قال رسولنا الكريم: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في اهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع ومسؤول عن رعيته) قال وحسبت ان قد قال (والرجل راع في مال أبيه) رواه البخاري.

* كاتبة وإعلامية كويتية

[email protected]

@Follow Me :sshaheen9

Instagram:u20storiess