بري يشكل لجنة لـ «لبْننة» الاستحقاق الرئاسي

1 يناير 1970 08:17 م
مثقلاً بهواجس أمنية تتداخل فيها «الفتائل» الداخلية بـ «الصاعق» السوري، يدخل لبنان اليوم رسميا مدار انتخابات رئاسة الجمهورية مع بدء مهلة الشهرين لإنجاز هذا الاستحقاق الذي ينتظر ان يختزل كل عوامل الصراع اللبناني - اللبناني المستعر منذ العام 2005 و«الكباش» الاقليمي - الدولي حول سورية وملفات شائكة أخرى في المنطقة بينها «النووي الايراني» وهو «الكباش» الذي زادت من سخونته أزمة اوكرانيا وشبه جزيرة القرم التي عاودت رسمة خطوط «الحرب الباردة» بين «الدب الروسي» و«النسر الاميركي».

واذا كان «اقتناص» لبنان فرصة التفاهم الخارجي «الموْضعي» أتاح له تمرير استحقاق حكومة «تعايش الضرورة» بين طرفيْ الصراع الداخلييْن، اي قوى 8 و 14 آذار، وحكومة إبقاء خيوط التواصل و«خطوط الرجعة» في العلاقة خصوصاً بين الرياض وطهران، وإن من منطلق مختلف لكل منهما، فان من الصعب توقُّع ان يكون مسار الانتخابات الرئاسية محكوما بالاعتبارات نفسها التي أفرجت عن التشكيلة الحكومية وأمّنت عبورها البرلمان ببيان وزاري خرج فيه الجميع بـ «نصف انتصار ونصف انكسار».

فرغم التعاطي مع الملف الحكومي قبيل إنجازه على انه «الممر الالزامي» للاستحقاق الرئاسي واعلان الرئيس نبيه بري انه يرى بالحكومة «القاطرة التي يجب أن تصل بلبنان إلى رئاسة جمهورية لمدة 6 سنوات»، فان الوقائع الخارجية لا تشي اقله في المرحلة الراهنة بإمكان اجتراح تسويات من النوع الذي يسمح بتجنيب لبنان فراغا رئاسيا، لم يعد يهدد «الكينونة» المؤسساتية للبنان في ظل وجود حكومة كاملة المواصفات يمكن ان «ترث» صلاحيات الرئاسة بحال تعذّر اختيار خلَف للرئيس ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته في 25 مايو المقبل.

وثمة مَن يرى في بيروت ان الاشارات الامنية السلبية التي أطل لبنان على وقعها على الاستحقاق الرئاسي تعكس «حقل الالغام» الذي يسير فيه هذا الملف والذي تتداخل «أفخاخه» مع الوقائع السورية المعقّدة وصراع النفوذ الاقليمي - الدولي على «الساحات» وفيها، وصولاً الى خشية البعض من صعوبة فك الارتباط بين الانتخابات الرئاسية في لبنان ومصير الاستحقاق الرئاسي في سورية في يوليو المقبل والذي سيرسم مصير الرئيس بشار الاسد، وسط صعوبة افتراض ان داعمي الأسد ولا سيما ايران ستسلّم «ورقة» الرئاسة في لبنان قبل استخدامها للضغط من خلالها في القضية السورية المتجهة الى مزيد من التعقيدات في ضوء التجاذب الحاد الروسي - الاميركي والذي ستكون سورية احد أبرز ساحاته.

وفي حين تشير معلومات في بيروت الى ان الضغط الدولي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده والذي تقوده الولايات المتحدة يستند الى «خريطة طريق» اميركية ستجري محاولات لترجمتها انطلاقاً من «النافذة» التي يفتحها التفاهم الايراني - الغربي حول النووي، فان الانظار تتجه الى قمة الكويت اليوم لرصد اذا كانت ستلاقي المناخ الدولي وتساهم في إرساء مظلة عربية لاجراء «الرئاسية» في موعدها، علماً ان زيارة وزير خارجية مصر نبيل فهمي الاخيرة لبيروت شكلت اشارة ايجابية في هذا الاتجاه.

ورغم ان «جرس» الاستحقاق الرئاسي قُرع ابتداء من اليوم، فان المناخ الداخلي في ملاقاته بدا راغباً في التمهّل وعدم «حرق المراحل» واستباق التفاهات الخارجية الممكنة التي يبرز في سياقها ايضاً لقاء القمة المرتقب بعد غد بين الرئيس الاميركي باراك اوباما والملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وهو ما عبّر عنه الرئيس نبيه بري الذي اعلن امس انه تحت «سقف لبننة الاستحقاق الرئاسي» شكل لجنة من كتلته ضمت النواب علي عسيران، وميشال موسى وياسين جابر «للشروع باتصالات لدى مختلف الأطراف على الساحة اللبنانية، لتأمين انعقاد جلسة نيابية لانتخابات رئاسة الجمهورية حيث تبدأ المهلة المقررة لها دستوريا غداً (اليوم).

وبدا واضحاً ان هذه اللجنة التي سيواكبها بري باتصالات مع القادة اللبنانيين ترمي الى تفادي تكرار ما أعقب انتهاء ولاية الرئيس السابق اميل لحود في نوفمبر 2007 اذ دعا في حينه إلى أكثر من عشرين جلسة لانتخاب خلف له من دون أن يكتمل النصاب فيها، الى ان حصلت تسوية الدوحة في مايو 2008 التي أفضت الى انتخاب سليمان.

وعلى وقع هذا الحراك الداخلي، غادر سليمان بيروت بعد ظهر امس لترؤس وفد لبنان الى قمة الكويت الذي يضم وزراء الخارجية جبران باسيل والمال علي حسن خليل والصحة وائل ابو فاعور. وسيلقي كلمة لبنان في الجلسة الافتتاحية اليوم على ان يضمنها التشديد على السياسة المتبعة لجهة النأي بالنفس، كما يتوقف عند تداعيات الأزمة السورية على لبنان، لا سيما بالنسبة إلى ملف النازحين السوريين، وضرورة العمل للمساعدة في هذا السياق، بعد تزايد الأعداد والتوقعات بتدفق مضاعف لهم في حال استمرت هذه الأزمة. وسيؤكد الرئيس اللبناني في كلمته أيضاً أهمية دور مجموعة الدعم الدولية للبنان ومواكبتها.

وفيما اشارت تقارير في بيروت الى جدول مواعيد ضاغطة لرئيس الجمهورية مع عدد من كبار المسؤولين العرب المشاركين في قمة الكويت، لفت ايعاز سليمان قبل مغادرته الى الوزير باسيل «بتوثيق الاعتداءات الصاروخية والجوية على القرى اللبنانية تمهيدا لاتخاذ الاجراءات الديبلوماسية المناسبة»، وذلك في اشارة ضمنية الى القصف السوري لمناطق لبنانية في الشمال البقاع.