قتيل وجرحى في اشتباكات «المدينة الرياضية»
كرة النار تتدحرج من طرابلس إلى... بيروت
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
08:12 م
على طريقة البيت الشعري القائل «فصرتُ كلما داويتُ جرحاً سال جرح»، تتنقّل الاضطرابات والاشتباكات المسلحة وعمليات الخطف وسواها في لبنان من افتعالات أمنية صغيرة لتمتزج بالحرب الدائرة في طرابلس والوضع الشديد الالتباس على الحدود اللبنانية - السورية راسمةً ظلال الشكوك المتعاظمة حول مصير لبنان برمّته عشية استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية الذي تنطلق غداً مهلته الدستورية التي تستمر شهرين.
هذه الصورة المتشائمة ارتسمت بقوة صباح امس على وقع اندلاع اشتباكات مفاجئة في منطقة لصيقة بمحلّة المدينة الرياضية والطريق الجديدة في بيروت بين مجموعات ميليشيوية مسلحة من أنصار أحد زعماء الأحياء السنّية شاكر البرجاوي الموالي لـ «حزب الله» وما يسمى «سرايا المقاومة» (التابعة لـ «حزب الله») من جهة ومسلحين آخرين من ابناء منطقة الطريق الجديدة (الموالية لتيار المستقبل) من دون ان تتضح فوراً الاسباب التي ادت الى جولة من الاشتباكات بدأت فجراً واستمرت ساعات عدة وادت الى مقتل شخص وجرح 13 قبل ان يضع حداً لها انتشار قوة من الجيش اللبناني في المنطقة.
واذ عزي السبب الى تحضيرات غامضة يقوم بها البرجاوي باستقدام مجموعات مسلحة من الفلسطينيين الموالين له وللجهات التي يرتبط بها وتصدي مجموعات مسلحة اخرى له بعضها من انصار «المستقبل» وبعضها الاخر من اسلاميين سلفيين من ابناء المنطقة، بدا واضحا ان ثمة يداً تتلاعب بأمن منطقة معروفة بشدة قابليتها للتوترات لنقل الاضرابات من طرابلس الى بيروت.
واثارت هذه الاشتباكات خشية من ارتباط محتمل لها بالوضع المتفاقم في طرابلس التي لا تزال ترزح تحت وطأة الجولة العشرين من القتال منذ اكثر من اسبوعين ولم تؤدِ كل المعالجات الامنية والسياسية الى لجم دورة العنف المتواصلة التي ادت الى وقوع عشرات القتلى واكثر من 200 جريح.
ولعل أخطر ما رافق التوتر الذي عرفته منطقة المدينة الرياضية في بيروت هو الايحاءات التي تصاعدت من الوسط السني تحديداً حول استهداف ممنهج لمناطق ذات غالبية سنية معروفة من خلال تنقل الاضطرابات بين مناطق عرسال في البقاع الشمالي وطرابلس والمدينة الرياضية الامر الذي استوقف المراقبين عند هذه الايحاءات.
ومع ان الطابع المحدود للاشتباكات في بيروت لا يثير خشية كبيرة من تصعيد غير قابل للضبط، فان الواقع الامني بدا متجهاً الى مزيد من التفاقم نتيجة الاحتقان المذهبي الـ «ما فوق عادي» والذي لم يخمده تشكيل الحكومة الجديدة لارتباطه بالحرب السورية والصراع على التوازنات داخل لبنان.
وكانت منطقة المدينة الرياضية شهدت ليلا متوترا جراء الاشتباكات المسلحة في الحي الغربي وزاروب الباشا خلف المدينة الرياضية بين جماعة البرجاوي ومسلحين من الطريق الجديدة، حيث سُمع على مدى نحو خمس ساعات دوي انفجارات بين الحين والاخر ناجم عن استخدام قذائف «آؤ بي جي»، وترافق ذلك مع عمليات قنص طالت أحياء قريبة من المنطقة.
ونقل شهود عيان ان حريقاً كبيراً اندلع في مكان الاشتباكات وهرعت سيارات الاسعاف على الفور الى المكان.
وفي حين اعلن البرجاوي، الذي كان مناصرو «المستقبل» طردوه من «الطريق الجديدة» قبل نحو عامين، ان «سبب الاشتباكات يعود الى اجبار مسلحين تابعين لتيار المستقبل عائلتين من انصارنا على الخروج من منطقة الطريق الجديدة، والى محاولة اقتحام هؤلاء المسلحين مكتبا تابعا لنا في الحي الغربي»، نُقل عن مصادر اهلية في الطريق الجديدة ان «محاولة البرجاوي الموالي لحزب الله والنظام السوري افتتاح مكتب حزبي في المنطقة، كانت المسبب الرئيسي للاشتباكات».
وقرابة الثامنة صباحاً، نفذ الجيش انتشاراً في المنطقة حيث سجل هدوءاً حذراً وسط استعدادات عسكرية لتنفيذ عمليات دهم لتوقيف مشاركين في المواجهات.
ولم تحجب «اندفاعة التوتر» في محيط المدينة الرياضية الانظار عن واقع عاصمة الشمال التي عاشت نهاراً هادئاً نسبياً امس خرقه اشكال أدى الى سقوط قتيلين وعدد من الجرحى واشارت تقارير الى انه ناجم عن خلاف فردي فيما لفتت معلومات أخرى الى انه وقع في مكتب احد «قادة محاور» باب التبانة.
وجاء هذا التطور غداة ليل من الاشتباكات العنيفة التي أجّجتها شائعات عن وفاة الزعيم العلوي الابرز في جبل محسن النائب السابق علي عيد في احد مستشفيات سورية نتيجة اصابته بنوبة قلبية. وما ان سرت هذه الشائعة حتى اشتعلت «التبانة» (السنية) برصاص الفرح وسط «صمت» في جبل محسن تحسباً لصحة ما يجري تداوله. وبعد نفي الامر واطلالة عيد شخصياً، مؤكداً انه على قيد الحياة و«لن أموت الا بين أهلي في جبل محسن مقاتلا ومدافعا عن الحق» اشتعل «الجبل» برصاص الابتهاج فيما حلّت «خيبة الامل» على التبانة، قبل ان يستعيد الطرفان مواجهاتهما النارية.
ومعلوم ان رئيس الحزب «العربي الديموقراطي» علي عيد يواجه مذكرة توقيف غيابية صادرة بحقه عن قاضي التحقيق العسكري الاول في بيروت رياض ابو غيدا بتهمة تهريب مطلوب رئيسي في قضية تفجيري مسجديْ السلام والتقوى اللذين وقعا في طرابلس في اغسطس الماضي واديا الى مقتل اكثر من خمسين شخصياً وجرح نحو الف، وهما التفجيران اللذان لايزال يثقلان على واقع عاصمة الشمال ولاسيما بعد اتهام مجموعة غالبية افرادها من جبل محسن بتنفيذ الجريمة التي تم ربطها في احدى حلقاتها بالمخابرات السورية.
فشل محاولة خطف مطران بعلبك
| بيروت - الراي» |
نجت منطقة بعلبك من اختبار كان يمكن ان يفضي لانزلاقها الى مشكلة طائفية تضع العيش المشترك فيها على المحك، بعدما تمدّدت ظاهرة الخطف التي تطبع مناطق عدة في البقاع الى محاولة خطف راعي أبرشية بعلبك - دير الأحمر المارونية المطران سمعان عطا الله على طريق ايعات (قضاء بعلبك).
ولم تكد بيروت ان تتجاوز «فضيحة» كشف المستشار السابق للملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، أحمد العجاجي، انه تعرّض للخطف في لبنان في 9 مارس الجاري من احدى العصابات التي احتجزته لنحو 24 ساعة وفاوضته على فدية، لافتاً الى ان لهجة أفرادها «بعلبكية»، حتى دهمها خبر نفاذ المطران عطا الله من محاولة خطف تعرض لها حين لاحقت سيارتان رباعيتا الدفع مجهولتا بقية المواصفات، سيارته مساء أول من أمس، وهو بداخلها مع سائقه، ثم حاولتا اعتراضه، لكن السائق تابع سيره ولدى الاقتراب من حاجز للجيش، فرّ المطاردون الى جهة مجهولة.
ولدى وصول الخبر الى دير الأحمر، عمد أهاليها الى قرع أجراس الكنائس احتجاجاً على محاولة خطف عطا الله الذي وصل الى المطرانية في بعلبك وهو بصحة جيدة وبدأ توافد الاهالي على وقع بيانات التنديد.
وكان بارزاً في موازاة ادانة مفتي بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي محاولة خطف المطران، حرْص «حزب الله» وحركة «امل» على ايفاد وفدين رفيعين الى مطرانية بعلبك تضامناً مع عطا الله وتنديداً بمحاولة خطفه التي قوبلت بموقف عالي السقف لـ «القوات اللبنانية» التي لوّحت منسقية البقاع الشمالي فيها «ان منطقة دير الاحمر لم تكن يوما مكسر عصى ?حد ولن تكون، وهذا التعدي السافر على مطران ابرشيتها لن يمر مرور الكرام وسيكلف غاليا، وكل يد تمد على أحد ابناء هذه المنطقة ستقطع».
وفيما استنكر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي محاولة خطف المطران عطا الله، داعيا الى استئصال ظاهرة الخطف لان «كلمات العطف والاستنكار لم تعد تكفي»، نقل تلفزيون «ام تي في» عن مصادر امنية تورط مجموعة المدعو أحمد صبحي جعفر بمحاولة خطف عطاالله، لافتة الى ان جعفر الملقّب بـ«أبو أسعد» هو قائد مجموعة مؤلفة من مختار حرب جعفر، وشفيق زعيتر، وعلي حمدان جعفر، ومحمد دوري، وحسين وعلي عباس جعفر وسوري من عائلة شعيب.
وأن هذه المجموعة مسؤولة عن غالبية عمليات الخطف مقابل فدية مالية والتي تحصل في بعلبك - الهرمل.