المستشار السابق للعاهل السعودي يروي وقائع ما تعرّض له على يد الخاطفين مقابل فدية

العجاجي العائد إلى الحرية من الخطف في لبنان: صُفعتُ بقوة ورأيتُ حياتي تمر بلمح البرق أمام عينيّ

1 يناير 1970 08:11 م
• أخبروني أن «أبو جحش» خطفني من منزلي بعد تخديري وسلمني اليهم في منتصف الطريق إلى سورية

• عرضوا عليّ أن أعطيهم 20 ألف دولار لقاء إطلاقي وأخذوا مني «كروت السحب» و«كلمات السر»

• زارني وزير السياحة اللبناني غداة إطلاقي قائلا «لا نريد أن تهتز صورة لبنان عندك» فكان جوابي... يا معالي الوزير إنها لم تهتز بل انهارت

• كنت مستلقيا على كنبة في بيتي بالمتن أقرأ رواية جميلة اسمها «ثلاثية غرناطة» قبل أن أغفو

• استيقظت على كابوس وعلى رجال يلبسون ثيابا مثل «النينجا» لا تظهر منهم إلا عيونهم فتأكدت أنني مخطوف
اتخذت ظاهرة «الخطف مقابل فدية» التي «تزدهر» في لبنان منذ العام 2011 بُعداً خطيراً بات يهدد صورة «بلاد الأرز» وعلاقاتها الخارجية، وذلك بعد الكشف عن ان المستشار السابق للملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، أحمد العجاجي تعرّض للخطف في لبنان في 9 مارس الجاري على يد عصابة احتجزته لنحو 24 ساعة وفاوضته على فدية تقاضت منها نحو سبعة آلاف تم سحبها من صرافات آلية بعد حصول الخاطفين على كلمات السر الخاصة به تحت التهديد الذي استمر بعد تخليته لدفعه الى سداد بقية قيمة مبلغ الـ 20 ألف دولار الذي طلبوه خلال احتجازه.

وتشكّل قضية المستشار السابق للعاهل السعودي (للشؤون السياسية) واحدة من حلقات مسلسل الخطف في لبنان الذي تقف وراءه عصابات «متخصصة» في هذا النوع من الجرائم وتعمل وفق «بنك أهداف» يتم تحديده بدقة مع الآليات المطلوبة للايقاع بالضحية، علماً ان كبار رؤوس مجموعات الخطف معروفة «بالاسم والعنوان» ولا يتم توقيفها لانها تحظى بغطاء من قوى سياسية لاعتبارت عشائرية ومناطقية «تصبّ» بالنهاية في خانة عدم الرغبة في اغضاب «كتل ناخبة». علماً ان هذه المجموعات حققت «ارباحا صافية» من 19 عملية (من اصل نحو أربعين موثقة بين 2011 ومارس 2013) قيمتها 16 مليوناً و288 الف دولار اميركي.

واذ كانت عملية خطف الطفل ميشال الصقر قبل نحو اسبوعين في زحلة أشعلت «غضباً» شعبياً عارماً ولا سيما في مسقطه زحلة (البقاع) التي انتفضت لطفلها الذي أُخذ رهينة وهو في طريقه الى المدرسة وفرضت اعادته من دون «دفع ليرة» بعد تدخلات سياسية على اعلى المستويات مع الخاطفين، فان تداعيات خطف العجاجي تحمل أبعاداً لا تقلّ مأسوية على سمعة لبنان الذي «تسرح» فيه العصابات بلا «حسيب او رقيب» على الرغم من عمليات كرّ وفرّ تحصل بين بعضها وبين القوى الامنية.

ولعلّ أكثر تعبير عن تداعيات هذه العمليات ما قاله العجاجي لوزير السياحة اللبناني الجديد ميشال فرعون الذي زار المستشار السابق للملك السعودي غداة اطلاقه قائلاً له «لا نريد ان تهتز صورة لبنان عندك، نعرف كم تحبه»، فكان جواب العجاجي: «يا معالي الوزير (صورة لبنان) انها لم تهتز بل انهارت. لبنان كله أراه مخطوفاً. كانوا يسألونني في بلادي السعودية متى تنزل الى لبنان؟ فأجيبهم انني أطلع الى لبنان، ولا تصدقوا ما تسمعون وتقرأون، ففي لبنان سلام وأمن أكثر من بلادنا. أين أخفي وجهي؟».

وفي حديث الى موقع «النهار» الالكتروني روى العجاجي ملابسات خطفه قائلاً: «كنت مستلقياً على كنبة في بيتي، في (بيت مسك) (المتن) بعدما جئت وحدي الى لبنان كي أعدّ المنزل وأشرف خصوصاً على أعمال الديكور فيه. كانت ليلة أحد 9 مارس من هذا الشهر تحديداً. كنت على كنبة مستغرقاً في قراءة رواية جميلة اسمها (ثلاثية غرناطة) للكاتبة المصرية رضوى عاشور، وأعتقد انني غفوت نحو الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً. هذا آخر ما أذكره من حياتي الطبيعية، قبل ان يوقظني ما اعتقدته للوهلة الأولى حلما راعباً، أو كابوساً من نوع يجعلك تصرخ من فزع».

فتحت عينيّ وتلفتّ حولي فرأيتني ممدداً على الأرض في ما يشبه زريبة تفوح منها روائح ولا أقرف، وكل ما حولي يوحي الجنون المطلق. صرت أمد يديّ وأتحسس حولي في كل الاتجاهات لعلي أمسك بيد زوجتي أو أحد أولادي. كنت ما أزال أعتقد انه كابوس يعبر وسأستيقظ فعلاً بعد قليل. ولكن لا. سرعان ما اقترب مني رجال وفكوا العصبة عن عينيّ فرأيتهم يلبسون ثيابا مثل «النينجا» وأخفوا وجوههم فلا تظهر الا عيونهم. صرخوا بي فصرخت بهم انا أيضاً: من انتم؟ أين انا؟ ماذا تريدون مني؟ مضت دقائق قبل ان أتأكد انني مخطوف فعلاً.

عرّف الملثمون عن انفسهم بأسماء وهمية، «أبو عمر وأبو جعفر» وما شابه. قالوا انهم سوريون، لكني كنت موقنا من لهجتهم انهم من منطقة بعلبك. مذهولاً ومذعوراً أخذت أستمع اليهم يخبرونني ان رجلاً سموه بـ«أبو جحش» خطفني من منزلي في «بيت مسك» وسلمني اليهم في منتصف الطريق الى سورية، وانهم سيسلمونني عند الحدود السورية الى شخص اسمه «أبو منعم». ثم عرضوا عليّ ان أعطيهم 20 ألف دولار لقاء اطلاقي، وزعموا انهم سيأخذون منها 10 آلاف دولار ويعطون 10 آلاف لـ «أبو جحش»، والا فان «أبو منعم» سيتولى أمري في سورية.

نظرت الى ساعتي، فرأيت انها الساعة الحادية عشرة والنصف قبل الظهر. أي ان 12 ساعة مرّت وانا فاقد الوعي منذ ان غفوت على الكنبة في منزلي. كانت الساعة لاتزال في يدي، لكن بقية أغراضي الشخصية معهم. الكمبيوتر المحمول وجهازا الهاتف وحقيبتي ومحفظتي. «أعطني كلمات سر الكروت»، صرخ بي أحدهم قاصداً «باسوورد» بطاقاتي المصرفية، وهي ست من مصارف لبنانية واثنتان سعوديتان. صرخ بي وما لبث ان صفعني بقوة. وسط ذهولي وانكساري النفسي قلت لهم لا لزوم لان تضربوني ولا لتهددوني بسكين أو مسدس. تلك اللحظات رأيت حياتي كلها تمر بلمح البرق أمام عينيّ، فكرت في أهلي وأولادي وكل عائلتي. سألني أحدهم هل كلمات السر مسجلة على الهاتف؟ فأجبت بنعم. انها مسجلة على الهاتف. ودللته عليها. كنت مستعداً لان أعطي كل ما أملك لقاء الافراج عني.

لاحقاً عرفت انهم سحبوا ما استطاعوا في يوم واحد من الآلات المصرفية، نحو ستة أو سبعة آلاف دولار. طلبوا اليّ ان أكمل مبلغ الـ20 ألفا، فأجبتهم لا أحمل مالاً. المبلغ ليس في حوزتي أرجوكم دعوني أتصل بمنزلي بالسعودية فأؤمن المبلغ خلال ساعات.

أطلقوني مساء الاثنين. نقلني «فان» شبه محطّم الى مدخل مشروع «بيت مسك». واتصلت بمحاميّ على الفور. في اليوم التالي أعطيت المراجع الأمنية افادتي. والمجهولون الذين دخلوا منزلي وخدّروني وخطفوني واصلوا ارسال تهديداتهم اليّ بالاتصالات والرسائل الهاتفية، مطالبين بتكملة مبلغ الـ20 ألفاً!

وفي اليوم الثاني بعد اطلاقي زارني في منزلي وزير السياحة ميشال فرعون.