الثقة بحكومة سلام لا تعكس ثقة في إجراء الانتخابات الرئاسية بلبنان

1 يناير 1970 06:39 م
بالاستقبال البروتوكولي الذي اقيم امس للرئيس تمام سلام في السرايا الكبيرة وانضمامه رسمياً الى نادي رؤساء الوزراء في لبنان، تكون البلاد طوت مرحلة شهر ونيّف من «شد الحبال» حول البيان الوزاري لحكومة «الاولويات لا المعجزات» والتي ما ان صادقت مطرقة رئيس البرلمان نبيه بري على الثقة بها، حتى بدت امام تحدي احتواء «الغبار الأمني» الكثيف الذي لف الشمال والبقاع ربطاً بالحرب السورية وتداعياتها الخطيرة محلياً ومواكبة «جرس» استحقاق الانتخابات الرئاسية الذي يُقرع ابتداء من 25 الجاري تاريخ بدء المهلة الدستورية لاختيار خلَف للرئيس ميشال سليمان والتي تستمر حتى 25 مايو.

ورغم الثقة التي نالتها (بغالبية 96 صوتاً ومعارضة أربعة نواب وامتناع نائب في جلسة التصويت التي حضرها 101 نائب)، فان «المشادات الكلاميّة» التي شهدتها جلسات الثقة بين نواب من كتلة الرئيس سعد الحريري (المستقبل) و14 آذار وآخرين من «حزب الله» و8 آذار على خلفية سلاح «حزب الله» وتورطه في الحرب السورية، عكست عملياً وظيفة هذه الحكومة كما سبق ان حددها «تيار المستقبل»، أي «ربط النزاع» على الطاولة وتنظيم الخلاف حول المواضيع الشائكة وتأمين «شبكة أمان احتياطية» تمنع تداعي المؤسسات بحال لم تسفر الوقائع الاقليمية والدولية المتشابكة عن تقاطعات تفضي الى الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري فتكون الحكومة «حائط الصدّ» امام الفراغ.

واذا كان البعض في بيروت يعتبر ان تمرير الحكومة وبيانها الوزاري من شأنه تأمين «العبور السالم» إلى انتخابات رئاسية في موعدها وهو ما عبّر عنه على طريقته الرئيس بري باعلانه إنه يرى في الحكومة «القاطرة التي يجب ان تصل بلبنان الى انتخاب رئيس لست سنوات»، فان اوساطا سياسية في بيروت ترى ان الملف الرئاسي أكثر تعقيدا بأشواط من الملف الحكومي وحساباته مختلفة تماما وتتداخل فيها أكثر من «طبقة» محلية وخارجية بما يجعل من الصعب «استعارة» التفاهم الاقليمي - الدولي «الموْضعي» على استيلاد حكومة سلام لإسقاطه على الانتخابات الرئاسية التي يفترض ان تعبّر عن حدود أعمق من التوافقات الخارجية تراعي مساحات نفوذ افرقاء اقليميين عدة وحتى «خطوط الاشتباك» وإن «على البارد» الآخذة في الارتسام بين روسيا والولايات المتحدة وشركائها الاوروبيين انطلاقاً من ملف جزيرة القرم.

وفي حين لا يُنتظر ان تعقد الحكومة الجديدة اول جلسة عمل لها بعد نيلها الثقة قبل عودة الرئيس اللبناني ميشال سليمان من قمة الكويت العربية، فان تحريك الاستحقاق الرئاسي سيسبق مباشرة الحكومة مهماتها التنفيذية وسط مؤشرات عدة ظهرت في هذا السياق بالتزامن مع استعداد المرشحين الرئيسيين (الرئيس امين الجميل والعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع) الى اعلان ترشحهم رسمياً (غير ملزم في الدستور اللبناني) بعد «اعلان النيات» الذي قاموا به في الايام الاخيرة مباشرة او عبر قريبين منهم. وأبرز هذه المؤشرات:

* ما نُقل عن رئيس البرلمان من انه سيبدأ اعتبارا من 25 الجاري اتصالات مع رؤساء الكتل للدعوة الى جلسة يؤمن فيها ثلثي اعضاء مجلس النواب في الدورة الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية، وسط تقديرات بان بري سيرجئ هذه الدعوة الى حين تأمين التوافق «الصعب» وسيستهلك قسماً لا بأس به من مهلة الشهرين المتاحة امامه وذلك حرصا على إعطاء الحكومة فرصة للعمل وايضاً منح البرلمان مجالاً للتشريع الملح الذي انقطع عنه منذ التمديد له قبل نحو 11 شهراً.

* استباق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بدء المهلة الدستورية بتحديده المواصفات التي يراها في الرئيس العتيد وهي ان «يكون قوياً ووطنياً ومتمتعاً بعلاقات طيبة مع الاسرة الدولية» مشددا على انه «من المعيب انتظار الدول لتملي علينا اسم الرئيس»، مع تلويحه بإصدار «حرم كنسي» على كل نائب ماروني يقاطع جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، أو يساهم بشكل أو بآخر في تعطيل الاستحقاق الدستوري.

* الاشارات الاميركية، عبر مصادر ديبلوماسية، الى ان واشنطن لا تدعم مرشحاً معيناً للرئاسة الاولى، بل تود ان ترى رئيسا يمكنه العمل مع جميع الافرقاء وتأمل في اجراء الانتخابات في موعدها، «مفسّرة» الرئيس القوي على انه الذي يمكن ان يبني التوافق ويجمع اللبنانيين معاً حول رؤية يضعها ويهمه تأمين التوافق عليها.

وفيما كانت بيروت تنتظر امس ان تبدأ رئاسة الجمهورية بتوزيع الدعوات على القيادات السياسية الاعضاء في هيئة الحوار الوطني من اجل عقد الجلسة المحددة لهذه الهيئة في 31 الجاري في قصر بعبدا لاستكمال البحث في موضوع الاستراتيجية الوطنية للدفاع (سلاح «حزب الله»)، برزت سلسلة مواقف لافتة للرئيس ميشال سليمان الذي اكد في حديث صحافي انه سيسلّم «الأمانة للرئيس المنتخب، باحتفاليّة هي تعبير عن مفهوم حُسن سير المؤسسات، والتزام المواعيد الدستورية».

وفي رد على الحملات التي تعرّض لها، بعد خطاب الكسليك عن «المعادلات الخشبية» (في اشارة الى معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي كان حزب الله يتمسك بها) ومَن قال انه خرق خطاب القسَم في ما خص المقاومة سأل «حزب الله» دون تسميته: «هل نسيتم، أنكم تجاوزتم حدود الوكالة التي أعطِيت لكم في موضوع المقاومة، وذهبتم إلى سورية للقتال هناك؟». واضاف: «أنا قلت ما قلته لأنني ملتزم خطاب القسم، ولكنّ تجاوز حدود الوكالة المعطاة للمقاومة، حتّم عليّ أن أصارح الرأي العام وأن أقول ما تفترضه مسؤوليّاتي، من موقعي الدستوري».