«شبح الفتنة» يخيّم على عرسال ومحيطها وطرابلس برميل بارود
حكومة سلام تواجه «كميناً أمنياً» بعد الثقة
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
06:55 م
اطمأنّت حكومة الرئيس تمام سلام الى اكتمال عُدة تثبيتها ولكن لم تطمئنّ ابداً الى ما ينتظرها من تحديات أمنيّة وسياسيّة واجتماعية قد تشكل في مجملها إرثاً كارثياً مخيفاً ولو في مرحلة قصيرة مبدئياً من ولايتها التي يفترض ان تنتهي مع نهاية العهد الحالي.
فالحكومة التي تَمثُل اليوم وغداً امام مجلس النواب اللبناني الممدّدة ولايته حتى الخريف المقبل لمناقشة بيانها الوزاري والتصويت على الثقة بها، ستحظى في نهاية المطاف بثقة كبيرة ولو انها ستقلّ عن 124 صوتاً (من اصل 128 يتألف منهم البرلمان) التي نالها الرئيس سلام لدى تكليفه تشكيل الحكومة قبل 11 شهراً. ولن يشذ عن منحها الثقة سوى كتلة «القوات اللبنانية» وبعض النواب الآخرين بالاضافة الى متغيبين قسراً عن لبنان كالرئيس سعد الحريري والنائب عقاب صقر.
ومع انتهاء جلسات الثقة غداً، لن يكون الاستحقاق الرئاسي الداهم وحده الشغل الشاغل للحكومة مع ان مهلته الدستورية ستبدأ في الاسبوع المقبل اي في 25 مارس. فالوضع الامني الكارثي في منطقتيْ البقاع الشمالي وطرابلس يكمنان للحكومة بقوة في ظل تنامي الأخطار والمخاوف من تداعيات مفتوحة على المجهول للحملة العسكرية الواسعة التي تشنّها قوات النظام السوري ومقاتلو «حزب الله» على ما تبقى من قرى وبلدات في منطقة القلمون السورية المتاخمة للحدود مع لبنان وخصوصاً المنطقة المترامية لجرود عرسال البقاعية على امتداد يُقدر بمئة كيلومتر عرضاً ولم يعد من مسرب لمقاتلي المعارضة السورية سواه الى الداخل اللبناني.
وتطوّرت تداعيات هذا الواقع الميداني السوري في الايام الاخيرة التي أعقبت سقوط يبرود بيد النظام و»حزب الله» الى حدود خطيرة غير مسبوقة مما هدد منطقة عرسال ومحيطها من المناطق ذات الاكثرية الشيعية الموالية للحزب بشبح فتنة محققة يجري العمل بشتى الوسائل لمنع اندلاع شرارتها.
فمع شبهة ومعلومات أمنية حول تدفق مئات المسلحين المعارضين الى جرود عرسال وتساقُط الصواريخ على مناطق في بعلبك (تبنّاها تنظيم «داعش») ناهيك عن عودة التفجيرات الانتحارية الارهابية، تقف منطقة البقاع الشمالي على «برميل بارود» جاهز للاشتعال في اي لحظة. وما ان تفرغ الحكومة من جلسات الثقة ستجد نفسها مضطرة الى مواجهة هذا الواقع كأولوية لا تحمل تقديم اي ملف آخر عليه ولو كان الاستحقاق الرئاسي نفسه.
وليس بعيدا من هذا الهم الضاغط يبدو الوضع المتفجر في مدينة طرابلس الوجه الآخر لتداعيات متصاعدة للازمة السورية حيث يقف الجيش اللبناني، الذي يبرز تعرضه للاستهداف المباشر من مسلّحين، حائراً امام استمرار النزف هناك من دون ان تقوى على ضبطه كل الاجراءات العسكرية والامنية المتخذة، علماً ان تقارير في صحف قريبة من 8 آذار رسمت علامات استفهام حول اذا كان ما يحصل في طرابلس في اطار توريط الجيش في معركة مع المدينة بهدف تصفية حسابات مع المؤسسة العسكرية وقائدها العماد جان قهوجي عشية انتخابات رئاسة الجمهورية التي يُطرح اسمه في الكواليس كاحد المرشحين لها.
وفي مواجهة الملف الامني الذي يتخذ طابعاً شديد الخطورة، بدأت اوساط وزارية وسياسية تتساءل على نحو مبكر عن قدرة الحكومة على خوض اختبار صمود تماسكها الهش وسط مناخ سياسي سينفتح بقوة على أخطار تفجيرات أمنية تبدو متربصة بالبلاد من جهة، ومزايدات سياسية واسعة سينفتح المسرح السياسي أمامها مع حملات الاسترئاس من جهة اخرى.
وتقول هذه الاوساط لـ «الراي» ان الاسابيع الاخيرة شكلت اثباتاً دامغاً على ان الدفع الديبلوماسي لعدد من الدول كان العنصر الاساسي الذي سيرافق مسار الحكومة ومساعدتها على مواجهة الاوضاع المقبلة بدليل ان اي تفصيل من مشكلة الاتفاق على البيان الوزاري للحكومة الى معالجة عقدة اعتراض حزب الكتائب بالامس وتراجُع هذا الحزب عن الاستقالة من الحكومة ما كانت لتذلل لولا الضغوط والاتصالات الديبلوماسية المتعددة المصدر والدول. وهو امر شكل تكراراً الاثبات على ان الارادة الدولية تمحض هذه الحكومة الدعم السياسي والمعنوي، لكنه دعمٌ يقف عند حدود العجز عن منع التداعيات السورية من التدفق على لبنان، علما ان المخاوف لم تعد محصورة بالبقاع الشمالي وطرابلس بل تتمدد الى الحدود الجنوبية مع اسرائيل في ظل اتهام اسرائيل لـ «حزب الله» بالتوغل مئات الأمتار في أراضيها الاسبوع الماضي وزرع عبوة في مزارع شبعا، وهو تطور يكتسب بدوره خطورة طارئة لا تقلل منها التقديرات التي تستبعد انهيار الوضع المستقر على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية في الوقت الحاضر.
وفي موازاة ذلك، ووسط التقارير عن ان الرئيس اللبناني ميشال سليمان يزمع الدعوة الى معاودة الحوار الوطني في بعبدا عقب عودته من مشاركته في القمة العربية التي ستعقد في الكويت في 24 و25 مارس الجاري مستفيداً من زخم التوافق على الحكومة، نقلت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية امس ان رئاسة الجمهورية لم تحدد بعد أي موعد لجلسة هيئة الحوار الوطني.