شواهد علمية تؤكد نظرة القرآن والسنة: لم تعد مضخات للدماء لتحريك الجسم
... قلوب لا يعقلون بها !
| إعداد: عبدالله متولي |
1 يناير 1970
04:35 ص
• كان الاعتقاد السائد إلى فترة قريبة عند كثير من الناس والعلماء المعاصرين أن العقل مكانه الدماغ
• للقلب في الشريعة الإسلامية منزلة عظيمة حيث جعلت صلاح الإنسان في الدنيا والآخرة مرهوناً بصلاحه
• قرر القرآن الكريم أن القلب محل العقل ومستقره وفي السنّة آثار تدلل على أن القلب محل التمييز والإدراك
من المعلوم لدينا بالضرورة أن أعظم نعم الله تعالى على الإنسان بعد الإسلام هي نعمة العقل، الذي جعله الله تعالى مناط التكليف، وبه يميز الإنسان بين الحق والباطل والخير والشر، وقد ذكر الله سبحانه في كتابه مشتقات العقل في مواضع كثيرة أعطى فيها له مكانة مهمة، ولكن المتدبر لآيات القرآن يجد أن الله تعالى: يذكر للعقل مكاناً غير الذي يعتقده الناس، ففي معرض وعيده للعصاة بسبب إعراضهم عن الهدى والمنهج القويم يقول سبحانه: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]، حيث نرى أن سبب إعراضهم عن الله هو عدم استخدام قلوبهم للتفكر والتدبر والتفقه، وفي آية أخرى نرى أن الله يندب العقلاء من الناس إلى السير والتدبر في هذا الكون ليعلموا أن الله ما خلق هذا باطلا؛ حاشا وكلا بل إنما سخر كل تلك المخلوقات للإنسان لينعم في الأرض وليؤدي دوره الذي أراده له دون تقصير أو تلكؤ فقال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46]، وقد كان الاعتقاد السائد إلى فترة قريبة عند كثير من الناس بل عند كثير من علماء العصر أن العقل مكانه الدماغ، خاصة وأنه أي الدماغ يحتوي على الملايين من الخلايا التي تخزن المعلومات، وفي الحقيقة لا يمكن مع توافر كل الأدلة الظاهرة للعيان أن يعتقد غير ذلك ونحن نرى أن المجنون إنما هو مصاب بعقله (دماغه) -كما يؤكد ذلك الأطباء- لا بقلبه.
في المقابل فإن للقلب في الشريعة الإسلامية منزلة عظيمة، فهو يعد من أشرف الأعضاء، وقد تكرر ذكره في نصوص عديدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ونسبت له وظائف نبيلة تتعلق بالعقل والوعي والإدراك والبصيرة، وجعلت الشريعة الإسلامية صلاح الإنسان في الدنيا والآخرة مرهوناً بصلاح قلبه، إلا أن هذه النظرة الشرعية للقلب تقابلها وجهة النظر الطبية التي لا ترى في القلب سوى مضخة لتحريك الدم في الجسم، إلا أن شواهد علمية عديدة ظهرت في السنوات الأخيرة بدأت تؤيد نظرة القرآن والسنة للقلب، وتؤكد علاقته الوثيقة بالدماغ، فإذا ما تأكدت هذه الشواهد فإنها تستدعي إعادة النظر في بعض الفتاوى والقوانين التي صدرت في السنوات القليلة الماضية بشأن القضايا المتعلقة بالدماغ والقلب، ومنها على سبيل المثال : موت الدماغ.
إنه لأمر جدير بالبحث من قبيل المحاولة لمعرفة الإنسان لنفسه والنظر فيها من خلال التدبر في إبداع الخالق العظيم جل شأنه لخلقه،وما ركب في الإنسان من آيات وصور تتجلى عظمتها في علاقة القلب بالعقل، وهذا ما سنحاول التعرض له في هذه المساحة... فتابع معنا،،،
يتوهم بعض المشككين أن القلب مجرد «مضخة للدم» وليست له مهمة تعقلية، وأن العقل - بكل مزاياه، ومراكزه الحسية، والفكرية الموجودة في الدماغ هو الذي يقوم بوظيفة التعقل والتدبر والإدراك. ويتساءلون: كيف يقول القرآن بعد ذلك: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) (الحج: 46)، فيجعل القلب محلا للعقل، ويستدلون بذلك على تناقض القرآن مع الواقع العملي والعلمي، الذي يثبت أن العقل محله الدماغ.
وقد أبطل العلماء هذه الشبهة من وجهين :
أولا. القرآن الكريم والسنة المطهرة يقرران أن القلب هو مستقر العقل:
لقد قرر القرآن الكريم أن العقل في القلب، قال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمــى الأبصــار ولكــن تعمــى القلــوب التــي في الصدور 46 (الحج)، فجعل الله تعالى محل العقل في القلب، كما جعل محل السمع في الأذن، فلولا أن مستقر العقل في القلب، ما ذكر الأذن محلا للسمع وذكر عضوا غيرها.
كما جعل القلب هو مناط التمييز بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وهذه هي صفات العقلاء أنهم يميزون بين ما يضر وما ينفع، وما هو حق وما هو باطل؛ لذا قال تعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (46) (الحج)، وجاء في تفسير القرطبي: (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) (الحج: 46) «أضاف العقل إلى القلب لأنه محله، كما أن السمع محله الأذن. وقد قيل: إن العقل محله الدماغ، وجاء عن أبي حنيفة، وما أراها عنه صحيحة».
وفي السنة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس». وجاء أيضا: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». وجاء أيضا: «ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب».
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» فزوال القلب فيه زوال العقل، وفي الحديث: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». فلولا أن مناط التكليف محله في القلب لما ركز الرسول على الإشارة إليه والتعويل عليه، فسلامة القلب فيه سلامة العقل.
ثانيا. العلم الحديث يشهد بأن العقل في القلب وليس في الدماغ:
وهذا ما يشهد به الأطباء المختصون بعمليات نقل القلب، والشواهد الطبية على ذلك كثير ومتنوعة ولمن أراد المعرفة فلن يعدم الوسيلة.
شواهد طبية
لقد توافرت في السنوات القليلة الماضية شواهد طبية وعلمية عديدة تشير إلى أن للقلب علاقة وثيقة بعمل الدماغ، نذكر منها:
• في عام 1988 زرع للسيدة كلير سيلفيا قلب ورئة من شاب عمره 18 سنة مات في حادث سير، وبعد الزراعة أخذت تتصرف بطريقة ذكورية، وتحب بعض الأكل الذي لم تكن تطيقه من قبل مثل الفلفل الأخضر والبيرة وقطع الفراخ، وعندما قابلت أهل الشخص صاحب القلب المزروع تبين أن تصرفاتها أشبه ما تكون مرآة لتصرفاته، وقد تجاهل بعض العلماء هذه القصة واعتبروها محض مصادفة، لكن علماء آخرين اعتبروها دليلاً على ظاهرة (ذاكرة الخلية) التي بدأت تستحوذ على اهتمام العلماء مع تزايد عمليات زراعة الأعضاء ولاسيما منها زراعة القلب، فمن المعلوم أن كل خلية من خلايا جسمنا تحتوي على معلومات وراثية وغير وراثية خاصة بكل فرد منا، وعند نقل عضو من شخص لآخر فإن ذاكرة خلايا المتبرع تمارس ذاكرتها في جسم الذي زرع فيه العضو، والأدلة العلمية على هذه الظاهرة بدأت تتزايد يوماً بعد يوم مع تزايد عمليات زراعة الأعضاء، ما دفع العلماء أخيرا إلى بحث هذه الظاهرة بعمق، ولعل قوله تعالى : «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» النور 24، تؤيد هذه النظرية وتوحي بأن لمختلف خلايا جسمنا ذاكرة سوف تكشف يوم القيامة ما فعلناه في حياتنا الدنيا (؟)
• وجدت الباحثة الدكتورة كاندس بيرت، مؤلفة كتاب (جزيئات العاطفة) أن خلايا الجسم والمخ تتبادل الرسائل فيما بينها بواسطة أحماض أمينية قصيرة السلسلة كان يعتقد سابقاً أنها لا توجد إلا في خلايا المخ، وقد أثبتت هذه الباحثة وجودها في أعضاء أخرى منها القلب.
• في عام 1991 طرح الدكتور أندرو أرمور، فكرة وجود (عقل صغير في القلب) يتكون من شبكة من الخلايا العصبية، والناقلات الكيميائية، والبروتينات، والخلايا الداعمة التي تعمل باستقلالية عن خلايا المخ، وتتولى عملية التعلم والتذكر والإحساس، ثم ترسل المعلومات إلى مراكز المخ المختصة بالإدراك واتخاذ القرار والمحاكمات العقلية، ويعتقد هذا العالم أن الخلايا العصبية الذاتية التي توجد في القلب المزروع تمارس عملها هذا وترسل إشارات من ذاكرتها القديمة إلى دماغ الشخص الذي زرع فيه القلب.. كما أن القلب المزروع يحتوي على مستقبلات خاصة بالمتبرع تختلف عن مستقبلات الشخص الذي زرع له القلب، وبهذا يصبح الذي زرع فيه القلب حاوياً على نوعين من مستقبلات الخلايا، إلا أن بعض الباحثين شكك بهذه الفرضية معتمدين على نظرية (إشاعات المستشفى) التي تزعم أن تبادل الحديث بين فريق العمل الجراحي أثناء التخدير يؤثر في الشخص الذي تجرى له زراعة القلب، فيتبنى لا شعورياً ما يسمعه من الفريق الطبي عن أحوال الشخص المتبرع (!)
• في عام 2002 نشر الدكتور بول بيرسال، العالم في المناعة النفسعصبية، مؤلف كتاب (شيفرة القلب) نتائج بحثه الذي استغرق 10 سنوات، وشمل 74 شخصاً زرعت فيهم أعضاء، منها 23 زراعة قلب، وانتهى من بحثه إلى نتيجة مفادها حصول تغيرات في شخصيات المزروع لهم توازي شخصيات المتبرعين، وأورد في البحث عدداً من الحالات، منها :
الحالة الأولى : شاب عمره 18 سنة، كان يكتب الشعر ويلعب الموسيقى ويغني، توفي بحادث سيارة، ونقل قلبه إلى فتاة عمرها 18 سنة، وفي مقابلة لها مع والدي المتبرع عزفت أمامهما موسيقى كان يعزفها ابنهما الراحل، وشرعت بإكمال كلمات أغنية كان يرددها رغم أنها لم تسمعها أبداً من قبل!
الحالة الثانية : رجل أبيض عمره 47 سنة، زرع له قلب شاب أميركي أسود عمره 17 سنة، المتلقي للقلب فوجئ بعد عملية الزراعة بأنه أصبح يعشق الموسيقى الكلاسيكية، واكتشف لاحقاً أن المتبرع كان مغرماً بهذا النوع من الموسيقى!
الحالة الثالثة : حدثت لشاب خرج لتوه من عملية زراعة قلب، وبات يستخدم (كلمة) غريبة بصفة مستمرة، واكتشف لاحقاً في مقابلة مع زوجة المتبرع أن هذه الكلمة كانت (كلمة سر) اخترعاها بينهما تعني أن (كل شيء على ما يرام)!
الحالة الرابعة : فتاة عمرها 8 سنوات زرع لها قلب فتاة مقتولة عمرها 10 سنوات، وبعد الزراعة أصيبت الفتاة التي زرع لها القلب بكوابيس مفزعة تصور قاتلاً يريد أن يقتلها، وذهب بها والدها إلى استشارة الطبيب النفسي الذي استخلص منها تفاصيل الكابوس، فوجد أن الصور التي حلمت بها واضحة ومحددة جداً، لدرجة أن الطبيب أخبر الشرطة بصورة القاتل، وألقي القبض بالفعل على القاتل الحقيقي!
القلب في القرآن والسنة
لقد اهتم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة اهتماماً خاصاً بالقلب، وورد الكثير من الآيات والأحاديث التي تعتبر القلب من أشرف أعضاء البدن، وتنسب له الكثير من وظائف الوعي والعقل والإدراك والبصيرة التي تنسب عادة للدماغ، ونذكر من هذه الآيات والأحاديث على سبيل المثال لا الحصر :
1. أن القلب هو الذي يتلقى الوحي : «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمينُ * على قلبِكَ لتكونَ مِنَ المُنْذِرين» الشعراء 193 ـ 194.
2. والقلب هو موضع الإيمان والكفر «إلا من أُكْرِهَ وقلبُه مطمئنٌ بالإيمانِ» النحل 106.
3. والقلب هو موضع العواطف والمشاعر والانفعالات المختلفة :
- «الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» الرعد 28.
- «هُوَ الذي أَنْزَلَ السَّكينةَ في قلوبِ المؤمنينَ ليزدادوا إيماناً» الفتح 4.
- «فأتاهُمُ اللهُ مِنْ حيثُ لَمْ يحتسبوا وقَذَفَ في قلوبِهِمُ الرُّعْبَ» الحشر 2.
- «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» الأنفال 1.
- «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ» الحديد 16.
- كما (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ مِنْ قلبٍ لا يخشعُ).
4. والقلب السليم هو الذي ينجي صاحبه يوم القيامة «يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ 0 إلا مَنْ أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ» الشعراء 88 ـ 89.
5. والقلب يلين ويقسو «أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» الزمر 22 - 23، وقد «شكا رجل إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قسوةَ قلبه، فقالَ لَهُ : إنْ أردتَ تليينَ قلبِكَ، فأَطعم المسكينَ، وامسحْ على رأسِ اليتيم».
6. والقلوب أنواع عديدة «القلوبُ أربع : قلبٌ أجردُ فيه مثلُ السِّراج يُزهر، وقلبٌ أغلفُ مربوطٌ على غلافه، وقلبٌ منكوسٌ، وقلبٌ مصفَّحٌ. فأمَّا القلبُ الأجردُ فقلبُ المؤمنِ سراجُه فيه نورٌ، وأما القلبُ الأغلفُ فقلبُ الكافرِ، وأما القلب المنكوسُ فقلبُ المنافقِ عَرَفَ ثمَّ أنكرَ، وأما القلبُ المصفَّحُ فقلبٌ فيه إيمانٌ ونفاقٌ، فمثلُ الإيمانِ فيه كمثلِ البقلةِ يمدُّها الماءُ الطيبُ، ومثلُ النفاقِ فيه مثلُ القرحةِ يمدُّها القيحُ والدَّمُ، فأيُّ المَدَّتين غلبتْ على الأخرى غلبتْ عليه».
7. والقلب هو موضع الابتلاء والاختبار والفتنة «تُعرض الفتن على القلوب كالحصير، عوداً عوداً، فأيُّ قلبٍ أُشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نَكَتَ فيه نُكتة بيضاء، حتى تصيرَ على قلبينِ : على أبيضَ مثلِ الصَّفا فلا تضرُّه فتنةٌ مادامت السماواتُ والأرضُ، والآخرُ مُرباداً كالكوز مجخِّياً، لا يَعرفُ منكراً إلا ما أُشْرِبَ مِنْ هَواهُ».
8. والقلب الموقن بالإجابة شرط لاستجابة الدعاء «فإنَّ اللهَ لا يستجيبُ لعبدٍ دعاهُ عن ظهرِ قلبٍ غافلٍ».
9. والقلب عرضة للتقلب كما يدل عليه اسمه وكما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم «ما مِنْ قلبٍ إلا بينَ أصبعين من أصابعِ الرَّحمنِ، إنْ شاءَ أقامَهُ، وإنْ شاءَ أزاغَهُ، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ : يا مثبِّتَ القلوبِ ثبِّتْ قلوبَنا على دينك».
10. والقلب الواعي ينجو من عذاب الله «اقرؤوا القرآنَ، ولا يغرَّنَّكم هذهِ المصاحفُ المعلَّقةُ، فإنَّ اللهَ لنْ يعذِّبَ قلباً وعى القرآنَ».
11. والقلب يُستفتى في الخير والشر «استفتِ قلبك واستفتِ نفسك، البِرُّ ما اطمأنت إليه النفسُ، والإثمُ ما حاكَ في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاكَ الناسُ وأفتوك».
12. والقلب مسؤول كبقية الحواس : «إنَّ السَّمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئكَ كانَ عنهُ مسؤولاً» الإسراء 36.
13. وحادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم دليل ناصع على أن للقلب دخلاً لا ريب فيه في مسائل الوعي والإدراك والكفر والإيمان، فقد ورد في الصحيح : «أنَّ رسولَ اللَّهِ أتاهُ جبريلُ وهو يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فأخذهُ فصرعَهُ، فشقَّ قلبَهُ، فاستخرجَ منهُ عَلَقَةً، فقالَ : هذا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غسلَهُ في طَسْتٍ مِنْ ذهبٍ بماءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَه ُ، ثُمَّ أعادَهُ في مكانِهِ، وجاءَ الغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إلى أُمِّهِ ـ يعني ظئره ـ فقالوا : إِنَّ مُحَمَّداً قد قُتِلَ، فاستقبلوهُ مُنْتَقِعَ اللَّونِ. قال أنس : قد كُنْتُ أرى أثر ذلك المِخْيَطِ في صدرهِ. وقال أبو حاتِم : شُقَّ صَدْرُ النَّبيِّ وهو صبيٌّ يلعبُ معَ الصِّبيان وأُخْرِجَ منه العَلَقَةُ، ولما أراد الله جلَّ وعلا الإِسراءَ به أَمَرَ جبريلَ بشقِّ صدره ثانياً، وأخرجَ قلبه فغسله، ثم أعاده مكانَه مرَّتين في موضعين، وهما غيرُ متضادَّين».
والخلاصة أن الوحي يقرر أن القلب محل العقل ومستقره لقوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) 46 (الحج)، فجعل الله تعالى العقل الذي يميز بين الحق والباطل، وبين المعروف والمنكر، وبين الخير والشر، في القلب، كما جعل محل السمع في الأذن.
وفي السنة آثار تدلل على أن القلب هو محل التمييز والإدراك، وأن بصلاحه يصلح سائر البدن، وبفساده يفسد سائر البدن، ولا يكون ذلك إلا لمكانة القلب وما يحتويه من إشارات عاقلة تمد سائر الأعضاء بالقدرة على التصرف إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
ولقد ثبت علميا بعد عمليات نقل القلب لمرضى أنهم قد تغيرت سلوكياتهم وتفكيرهم وانفعالاتهم، وهذا دليل على أن مركز التفكر والتدبر، إنما هو في القلب، وليس في الرأس، وثبت علميا أيضا أن في القلب هرمونات عاقلة ترسل رسائل عاقلة إلى الجسم كله، فالقلب ليس مجرد مضخة للدم فقط كما كان يعتقد الناس من قبل.
تأثير الاستماع لقراءة القرآن الكريم على القلب
القلب هو المحرك الذي يغذي أكثر من 300 مليون خلية في جسم الإنسان، ويبلغ وزنه (250-300) غرام، وهو بحجم قبضة اليد. وفي القلب المريض جداً يمكن أن يصل وزنه إلى 1000 غرام بسبب التضخم.
ويقوم قلبك منذ أن كنتَ جنيناً في بطن أمك (بعد 21 يوماً من الحمل) بالعمل على ضخ الدم في مختلف أنحاء جسدك، وعندما تصبح بالغاً يضخ قلبك في اليوم أكثر من آلاف اللترات من الدم وذلك كل يوم، أثناء انقباضه وانبساطه، فهو ينقبض أو يدق كل يوم أكثر من مئة ألف مرة، وعندما يصبح عمرك 70 سنة يكون قلبك قد ضخ مليون برميل من الدم خلال هذه الفترة!
يقول تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً) «الإسراء: 82». وربما يعترض بعض الملحدين إذا قيل له إن صوت القرآن يؤثر على القلب ويجعله مستقراً وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) «الرعد: 28».
ولكن الاكتشاف الجديد أن أطباء من فنلندا عرضوا 60 مريضاً يعانون من نوبة قلبية إلى صوت الموسيقى ووجد أن للموسيقى أثراً في شفاء القلب وزيادة مقاومته للمرض. ويقول الباحث Teppo Sarkamo من جامعة هلسنكي: الموسيقى يمكن أن تكون مهمة جداً لمرضى القلب والذين يعانون من نوبات قلبية وهي مادة رخيصة لا تكلف شيئاً.
لقد وجدوا أن النوبات القلبية التي يتعرض لها المريض تؤثر سلبياً على إدراكه وذاكرته، ولكن بعد أن تم وضع كل مريض في الجو الموسيقي الذي يرغب فيه أو الذي يرتاح لسماعه حدث تحسن ملموس في مستوى الذاكرة، واستقرار في أداء القلب.
ويؤكد الباحثون ان هذا البحث وللمرة الأولى يظهر تأثير الاستماع إلى الأصوات المرغوبة من قبل المريض وأثر هذه الترددات الصوتية على قلبه وبخاصة بعد تعرضه للنوبة القلبية مباشرة. حتى إن بعض هؤلاء الباحثين بدأ ينظر إلى أهمية الصوت في علاج المشاكل النفسية العصبية مثل مشاكل النطق التي عجز الطب عن علاجها.
بين الفلاسفة القدماء وعلماء المسلمين
في الماضي لم يكن الفلاسفة الأقدمون يفرقون ما بين (القلب) وبقية الجوارح ذات الصلة (العقل، الروح، النفس) بل كانوا ينظرون لهذه الجوارح على أنها ذات وظائف يتداخل بعضها مع بعض، وهذا ما نلاحظه مثلاً في مدونات الفلاسفة الإغريق قبل الميلاد (أفلاطون، أرسطو، وغيرهما) ويعتقد أن هؤلاء الفلاسفة كانوا ينظرون لهذه الجوارح من خلال الكتب السماوية التي وصلت إليهم، والتي يتوقع أنها كانت على منوال القرآن الكريم تنسب للقلب وظائف واعية كالتي تنسب عادة للدماغ أو للعقل.
ومما يؤكد ذلك أن الفلاسفة المسلمين ظلوا كذلك يربطون ما بين القلب والعقل والروح والنفس تحت تأثير ثقافتهم الإسلامية التي استقوها من القرآن والسنة، ومنهم على سبيل المثال أبو حامد الغزالي (ت 505هـ) الذي قال: (لفظ القلب يطلق لمعنيين: أحدهما: اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر. والثاني: هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان، وهو المدرك العالم العارف من الإنسان، وهو المخاطَب والمعاقَب والمعاتَب والمطالَب، ولها علاقة مع القلب الجسماني.. والعقل له معنيان، أحدهما: يطلق ويراد به العلم بحقائق الأمور. والثاني: يطلق ويراد به المدرك للعلوم فيكون هو القلب).
وكذلك فعل المفسرون، فالإمام القرطبي (ت 671 هـ) في تفسيره لقوله تعالى: «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور» الحج 46، يقول: (أضاف العقل إلى القلب لأنه محله، كما أن السمع محله الأذن، وقد قيل إن العقل محله الدماغ.. وقال قتادة: والبصر النافع في القلب، وقال مجاهد: لكل إنسان أربع أعين: عينان في رأسه، وعينان في قلبه لآخرته، فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئاً، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئاً).
وكذلك فعل الفقهاء، ومنهم ابن القيم (ت 751هـ) الذي قال: (المرض نوعان: مرض القلوب ومرض الأبدان.. فأما طب القلوب فمسلَّم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها، وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه..).
وكذلك فعل أهل اللغة الذين قالوا: سُمِّي القَلْبُ قَلْباً لتَقَلُّبِه. والقَلْبُ الفُؤَاد. وقد يعبر بالقَلْبِ عن العَقْل، قال الفراءُ في قوله تعالى: إن في ذلك لَذِكْرى لمن كان له قَلْبٌ ؛ أَي عقْلٌ. وقال غيره: لمن كان له قَلْبٌ أَي تَفَهُّمٌ وتَدَبُّر.
آليات «تبييض» القلوب
ولَمَّا رأينا لما كان للقلب من مكانٍ في التعقُّل والتفكير والإرشاد إلى الهدي، والسيْر على خُطَى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجَب التذكير ببعض الآليَّات التي تُساعِدنا على تَبيِيض القلب وإسعاد النفس وتنوير العقل ومنها:
1 - الصبر واليقين:
لأنَّ العلوم - وخاصَّة الدينيَّة منها - تحتاج إلى مجاهدةٍ، وهذه مَناطُها الصبرُ، وتَحتاج إلى مُثابَرةٍ، وهذه لا تحصل إلاَّ باستِشعار الأجْر، فإنِ استَشعَر قلبُ العبد اللذَّات التي هو مُتحصِّل عليها وتيقَّن بها، استُخلِف ونالَ التَّمكِين، فالعلمُ ليُحصِّله الإنسان يحتاج إلى صبرٍ على جهْد، ويقين للمثابر على أمره.
2 - الأذكار:
إنَّ مَن أكثَرَ من الأذكار أنعَمَ الله عليه بقلبٍ ملؤه الأفكار، أمَا رأيتَ كيف كتب «صيد الخاطر» من قبل الإمام الهُمام، والأسد المِقدام، حامي السنَّة وقامِع البدعة ابن الجوزي؛ ولهذا لما أفرَغَ على قلبه كثرةَ الاستِغفار والأذكار حَبَاه الله ما نفَع من أفكارٍ، فسارتْ بها الرُّكبان، وانتَفَع بها عددٌ كبيرٌ من الأنام، فأكثِرْ من الاستِغفار تَنل البركة في العقل، ويُرشِدك الله لما صَحَّ من النقل.
3 - الإخلاص:
إنَّ أيَّ عملٍ لا يكون أصلُه لله - تعالى - سوَّد قلبَ صاحبه، ونالَ الرِّياء من سُوَيدائِه؛ فأهلك ذاك القلب وعفن، وأصبح خَراباً للطَّمَعِ والجَشَع، فيقل إدراكه ويعدم فهمه، وأصبح كالذين وصَفَهم الله بأنَّ لهم قلوباً لا يَعقِلون بها، وأمَّا إنِ التَزَمَ في عمله الإخلاص عادَ عليه بالبَياض والرَّخاء، وبالبركة في الفهْم، والاستِزادة من العلْم؛ ولهذا اجعَل كلَّ عملك لله خالِصاً يُبارِك لك الله في كلِّ أمرٍ كنتَ له سائراً.
فحافِظْ على بَياض قلبِك، واعلمْ أنَّ السَّعادة والعِلم والفهْم تحتاج إلى قلوبٍ بَيضاء تعلَم الحَلالَ والحَرامَ، وتَسِير على خُطَى الرحمن، وتستنُّ بسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وتنعم بما آتاها الله من فهْمٍ بجنَّة الرِّضوان.
... «ألا بذكر الله تطمئن القلوب»!
وزيادة مقاومته للمرض. ويقول الباحث Teppo Sarkamo من جامعة هلسنكي: الموسيقى يمكن أن تكون مهمة جداً لمرضى القلب والذين يعانون من نوبات قلبية وهي مادة رخيصة لا تكلف شيئاً.
لقد وجدوا أن النوبات القلبية التي يتعرض لها المريض تؤثر سلبياً على إدراكه وذاكرته، ولكن بعد أن تم وضع كل مريض في الجو الموسيقي الذي يرغب فيه أو الذي يرتاح لسماعه حدث تحسن ملموس في مستوى الذاكرة، واستقرار في أداء القلب.
ويؤكد الباحثون ان هذا البحث وللمرة الأولى يظهر تأثير الاستماع إلى الأصوات المرغوبة من قبل المريض وأثر هذه الترددات الصوتية على قلبه وبخاصة بعد تعرضه للنوبة القلبية مباشرة. حتى إن بعض هؤلاء الباحثين بدأ ينظر إلى أهمية الصوت في علاج المشاكل النفسية العصبية مثل مشاكل النطق التي عجز الطب عن علاجها.