| بيروت ـ «الراي» |
فاجأتْ وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بيروت امس، بزيارة استثنائية في توقيتها ومضمونها ووقعها، شكّلت رسالة دعم قوية لعهد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وحددت «اجندة» التعاطي الأميركي مع الواقع اللبناني الجديد بعد اتفاق الدوحة.
واعتُبرت الزيارة التي التقت خلالها رايس يرافقها مساعدها ديفيد وولش الرئيس سليمان ورئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة (المكلف) فؤاد السنيورة وقادة «14 مارس»، حدثاً بالغ الدلالة انطلاقاً من المفارقات الآتية:
* ان الزيارة هي الاولى لرئيسة الديبلوماسية الاميركية لبيروت بعد حرب يوليو 2006 التي عززت موقع القوى المناهضة للسياسة الاميركية في لبنان لا سيما «حزب الله».
* انه التحرك الاميركي الاول على هذا المستوى في اتجاه لبنان بعد اتفاق الدوحة الذي وجدت فيه واشنطن خطوة في اتجاه الحل عبر انتخاب رئيس جديد للبلاد.
* شكلت عودة اميركية من «الباب الرئاسي» بعد انتخاب العماد ميشال سليمان الذي دعمت الولايات المتحدة التوافق عليه رئيساً للجمهورية.
* بدت مناسبة لمعاودة تأكيد الدعم الاميركي للحكومة برئاسة السنيورة، الذي غالباً ما اعلنت واشنطن وقوفها الى جانبه في اكثر مراحل المواجهة حدة.
* شكلت نقطة تقاطع مع الحراك الاقليمي ـــ الدولي حول لبنان والمتمثل بالاتصالات الرفيعة المستوى السورية - الفرنسية، والاتصالات السعودية - الايرانية التي لا تقل اهمية.
* اعتُبرت بمثابة اكتمال لـ «نصاب» الاحتضان الدولي لعهد الرئيس سليمان، بعد الزيارة التاريخية للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لبيروت قبل 8 ايام، وعشية القمة التي جمعته بالرئيس جورج بوش
وبرزت الاهمية الاستثنائية للزيارة التي استمرت ساعات قليلة من خلال الملفات التي بُحثت خلالها ولا سيما في القصر الجمهوري حيث عُلم ان سليمان طلب الى الادارة الاميركية من خلال وزيرة خارجيتها «بذل الجهود الحثيثة للمساعدة على تنفيذ وعدها بتحرير مزارع شبعا ووضعها تحت المظلة الدولية، الامر الذي من شأنه اقفال ملف المزارع في شأن الاراضي اللبنانية مع اسرائيل وتمكين الدولة من فرض سيطرتها وحضورها على الارض».
ووفق المعلومات التي رشحت عن اللقاء، فان الجانب اللبناني اطلع رايس على الوثائق والمستندات التي في حوزته منذ العام 1943 والتي تؤكد «لبنانية المزارع».
وفي جانب متصل، عرض الرئيس اللبناني لاهمية موضوع «التوطين» وضرورة ابراز موقف اميركي واضح وعلني في شأن عدم السعي الى فرضه على لبنان.
وأوضحت المعلومات ان موضوع المساعدات الاميركية للبنان حظيَ بحيز لا بأس به من اجتماع بعبدا «وخصوصا لناحية المجالات الدفاعية ودعم الجيش اللبناني والقوى الامنية بالعتاد (...)».
وأضاء رئيس الجمهورية وفق المعلومات على «أهمية اعادة فتح خطوط التواصل السورية - الاميركية لما لها من انعكاسات ايجابية على الداخلي اللبناني ونظرا للدور السوري المؤثر في لبنان»، مؤكداً «ان تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وسورية من شأنه تذليل الكثير من العقد وايجاد حلول لمشكلات كثيرة تعيق مسار العمق اللبناني وانطلاقة العهد».
وفي المعلومات الرسمية التي وزعها «القصر»، فقد أبلغ رئيس الجمهورية الى رايس «ان الوصول الى حل شامل ودائم لازمة الشرق الاوسط، ستكون له انعكاسات ايجابية على الوضع في لبنان، وكي يكون هذا الحل عادلا، يجب ان يبدأ من خلال ضمان حق العودة للشعب الفلسطيني الى ارضه»، مطالبا الولايات المتحدة بالمساعدة على استعادة السيادة اللبنانية على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
أما رايس، فنقلت الى سليمان تهاني الرئيس بوش بانتخابه وتمنياته أن يحقق ما يتطلع اليه من آمال عكسها في خطاب القسم «الذي كان له الوقع الجيد لدى دول العالم اجمع، لا سيما تلك التي تدعم لبنان وتوفر له المساعدات الدائمة».
كما نقلت الى الرئيس اللبناني دعوة من نظيره الأميركي لزيارة الولايات المتحدة، مؤكدة انه سيتم تفعيل برامج التعاون العسكري بين لبنان وأميركا «التي ستقف الى جانب جميع اللبنانيين من دون تمييز»، مؤكدة لسليمان «أن بلادها تدعم إيجاد حل لمزارع شبعا إستنادا إلى القرارات الدولية».
واثر اللقاء الذي استمر نحو 40 دقيقة مع سليمان الذي وصفته بانه «رجل عظيم» قالت رايس: «أعربتُ باسم الولايات المتحدة رئيسا وشعبا عن رغبتنا في دعم لبنان وحكومته ومؤسساته الديموقراطية وشعبه، والعمل على بناء لبنان سيد وحر ومزدهر وديموقراطي لجميع أبنائه. وأعلم أن لبنان بذل الكثير لانتخاب رئيس للجمهورية، ولكني أعلم أيضا أن لبنان نجح في اختيار الرجل المناسب ونتطلع إلى التعاون معه».
ورداً على سؤال حول اتفاق الدوحة قالت: «رحبت الولايات المتحدة بهذا الاتفاق باعتباره الخطوة الأولى لحل الأزمة الطويلة في لبنان. وقد تم الاتفاق على منح الثلث المعطل للأقلية لكن أيضا تم الاتفاق على تشكيل الحكومة برئاسة الرئيس المكلف فؤاد السنيورة وانتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما طالبت به الولايات المتحدة مرات عدة. وتمت اعادة اطلاق حركة المؤسسات الديموقراطية التي تعمل بالنيابة عن الشعب اللبناني».
وردا على سؤال، قالت: «(...) نحن ندعم جهود إسرائيل الهادفة إلى إرساء السلام مع سورية».
اضافت: «أما في ما يتعلق بتجديد سورية لعلاقتها مع فرنسا، فأنا أيضا زرت باريس أخيرا، حيث يحضّر الفرنسيون للقمة الأورو- متوسطية التي ليس بين أهدافها إجراء حوارات سياسية، إنما البحث في العلاقات الاقتصادية ومسائل كالمياه والبيئة، مثلما تتحاور حولها البلدان المجاورة. وفي ما يتعلق بالعلاقات اللبنانية - السورية، فسورية ولبنان بلدان جاران، لكن العلاقات بينهما يجب أن تحكمها مبادئ حسن الجوار، أعني بذلك أن يكون البلدان متساويين وأن يكون هناك تبادل للسفراء بحيث تكون العلاقات الديبلوماسية من الند إلى الند، كما هي بين كل البلدان ذات السيادة. وأعني أيضا أنه يجب ترسيم الحدود بين البلدين، وهذا البند أيضا من واجب الأمم المتحدة. آمل أن يكون للبنان علاقة جيدة مع كل جيرانه، لكن آمل أيضا أن تكون هذه العلاقات متساوية، تحترم سيادة لبنان ومؤسساته الديموقراطية واستقلاله وشعبه».
ومن بعبدا انتقلت رايس الى السرايا الحكومية حيث التقت السنيور، وقالت: «في محادثاتي مع الرئيس السنيورة، كما مع الرئيس سليمان، أكدت أن الولايات المتحدة تؤمن أنه حان وقت التطرق إلى موضوع مزارع شبعا ولا سيما في ما يتعلق بتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 1701، ونحن ننوي أن نطلب من الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يولي هذه المسألة دعمه وجهوده، وعلى ما أظن فإنه سيكثف من جهوده في هذا الخصوص من أجل احترام القرار 1701».
ولاحقاً توجّهت رايس الى قريطم حيث التقت زعيم الغالبية النائب سعد الحريري في حضور الرئيس السابق امين الجميل ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع .
وقالت: «ونتذكر في شكل جيد الرئيس الشهيد رفيق الحريري وواقعة اغتياله الوحشي، لكنه ببذله دمائه ساعد لبنان في اطلاق لبنان نحو مسيرة الاستقلال والديموقراطية. كما تطرقنا الى استمرار دعم الولايات المتحدة مسيرة الديموقراطية والحرية والتزام اميركا قيام لبنان سيد ومستقل بشكل حقيقي، حيث لا يسمح بأي تدخل اجنبي او ترهيب من الخارج يرتكب بحقه».
وفي أعقاب لقائها بري اكدت وزيرة الخارجية الاميركية أن «الولايات المتحدة ترى أن مسألة الحكومة وتشكيلها شأن يعود للبنانيين»، مجددة دعم بلادها «لقيام حكومة لبنانية تحظى بتأييد الشعب اللبناني أجمع».
ولفتت رايس الى أن «موقف الولايات المتحدة من «حزب الله» لم يتغير، فما زلنا نعتبره منظمة إرهابية». كما وصفت زيارتها للبنان بانها «جيدة جدا».
بدأت التحضيرات العملية لعقد القمة الروحية المسيحية - الاسلامية في قصر بعبدا بدعوة من الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان تحت عنوان «الالفة والوئام بين كل الاطراف المشاركة»، وفي اطار المصالحة التي طرحها (سليمان) اثر مؤتمر الدوحة بهدف إعادة اللحمة بين الطوائف والمذاهب والدفع نحو الاستقرار في لبنان.
وباشر المستشار السياسي لرئيس الجمهورية النائب السابق ناظم الخوري زيارة المرجعيات الروحية لتوجيه الدعوات اليها، مستهلاً جولته امس، بزيارة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، الذي بدوره زار رئيس الجمهورية في قصر بعبدا على رأس وفد من مشيخة العقل.