تفجير الهرمل يرفع منسوب «الخطر»

احتدام «السباق» بين الأمن والسياسة يضع حكومة لبنان أمام تحديات مبكرة

1 يناير 1970 04:59 م
شكّل التفجير الانتحاري الاخير في لبنان الذي استهدف ليل السبت حاجزاً للجيش اللبناني عند مدخل مدينة الهرمل في البقاع الشمالي حافزاً اضافياً قوياً للحكومة اللبنانية للتعجيل في إنجاز صياغة بيانها الوزاري والمثول امام مجلس النواب لنيل الثقة البرلمانية والتفرغ للملفات ذات الطابع الأمني والسياسي والاجتماعي الشديدة الخطورة التي تواجهها.

وقد اتخذ الهجوم الانتحاري عند جسر نهر العاصي والذي أودى بثلاثة شهداء بينهم ضابط وعسكري في الجيش اللبناني اضافة الى جرح نحو 17 شخصاً بينهم عسكريين، طابعاً شديد الوطأة على مجمل الوضع اللبناني اذ جاء بعد ثلاثة ايام فقط على التفجير المزدوج الذي استهدف الاربعاء الماضي المستشارية الثقافية الايرانية في منطقة بئر حسن مودياً بأحد عشر ضحية، كما انه شكّل الاستهداف الثالث الانتحاري لمدينة الهرمل في اقل من اربعين يوماً. واذ تبين ان العملية الانتحارية كانت تستهدف مكاناً عاماً في المدينة وليس حاجز الجيش الذي اوقف السيارة المفخخة فلجأ الانتحاري الى تفجيرها، لفت بيان لقيادة الجيش اشارت فيه الى انها كانت حذرت من هذا المسلسل الارهابي واكدت مضيها في مكافحة الارهاب بكل الوسائل.

وأشاع التفجير الجديد اجواء من المخاوف المتزايدة حيال كثافة العمليات الانتحارية في لبنان التي يخشى من تصاعدها تباعاً نظراً الى ارتباطها، وفق ما تؤكد معظم المعطيات الأمنية، بالتصعيد الميداني الكبير الذي تشهده الحرب السورية ولا سيما من خلال جبهة القلمون الاقرب الى الحدود الشرقية اللبنانية.

ويبدو واضحاً ان الجهات الرسمية والعسكرية والامنية اللبنانية تتحسب لهذا التصعيد بدليل الاستنفار غير المسبوق الذي يضع الجيش اللبناني والاجهزة الامنية على خط حرب لا هوادة فيها مع الارهاب الاصولي. وكان لتفجير الهرمل الاخير دلالته من هذه الناحية اذ لولا اكتشاف السيارة المفخخة لكانت انفجرت في وسط المدينة وتسببت بعدد اكبر من الضحايا المدنيين، علماً ان الخبير العسكري قدّر زنة العبوة بما بين مئة الى مئة واربعين كيلوغراماً من المواد المتفجرة إضافة الى قذائف وقطع وكلل حديدية.

وتقول اوساط وزارية في حكومة الرئيس تمام سلام لـ «الراي» ان لا خيار امام الحكومة سوى المضي في تحصين المشهد السياسي الذي نشأ مع ولادة الحكومة والذي أثبت انه الردّ الافعل على الاستهدافات الارهابية بدليل تكثيف التنظيمات الارهابية ومَن قد يقف وراءها للعمليات الارهابية بعد تشكيل الحكومة. كما ان كل خطوة تقدم عليها الحكومة لاحقاً ستكون بمثابة تحصين للغطاء السياسي للجيش والاجهزة الامنية في مكافحة الارهاب. ونوّهت في هذا المجال بالدعم الدولي الواسع الذي تحظى به الحكومة والذي برز بقوة في الاسبوع الاول من عمر الحكومة مما سيشكل دافعاً قوياً لها في توظيف هذا الدعم مادياً ومعنوياً. ولذا برزت في الساعات الاخيرة ملامح توافق بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة للتعجيل في انهاء مهمة اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري في اجتماع ستعقده اللجنة مساء اليوم ويرجح ان يكون نهائياً ما لم تبرز عقبات طارئة في اللحظة الاخيرة. وسيدعى على الاثر مجلس الوزراء لاقرار البيان الوزاري في صيغته الرسمية ومن ثم تمثل الحكومة امام مجلس النواب في جلسة المناقشة والتصويت على الثقة.

وفُهم ان مشاورات بدأت مع رئيس مجلس النواب نبيه بري من اجل التعجيل ما امكن في اختصار المناقشات النيابية سعياً الى التصويت على الثقة بالحكومة قبل الخامس من مارس المقبل وهو الموعد المحدد لمؤتمر مجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس والذي تسلّم الرئيس سليمان الدعوة الى حضوره السبت الماضي. علماً ان سليمان سيرأس الوفد اللبناني الى هذا المؤتمر الذي يكتسب اهمية من حيث انه سيخصص للبحث في تقديم الدعم والمساعدات للبنان في ازمة اللاجئين والنازحين السوريين اليه.

ووفق الاوساط الوزارية نفسها فان فرصة التوصل الى الصياغة الاخيرة التوافقية لمسودة البيان الوزاري مساء اليوم تبدو كبيرة لان معظم المسودة جرى التوافق عليها في الاجتماعات السابقة ولم يبق سوى البند الخلافي الاساسي المتعلق بايجاد صياغة وسطية توفق بين رفض قوى 14 اذار لاعادة إدراج عبارة «الجيش والشعب والمقاومة» وتَمسُّك «حزب الله» بادراج المقاومة في البيان. واذ ترجح الاوساط التوصل الى تسوية مساء اليوم فانها بدت حذرة من الجزم في ذلك ولم تسقط احتمال حصول تعقيدات في اللحظة الاخيرة اذا تبين ان اي فريق سيمضي في تصلبه لحسابات معينة او نتيجة لمزايدات سياسية او عوامل اخرى من بينها بدء تأثر بعض الوزراء ولا سيما منهم المسيحيين بأجواء الاستحقاق الرئاسي الذي بدأ يحكم مختلف المواقف السياسية من قضايا الساعة الكبيرة والصغيرة.

وكان تفجير الهرمل بقي محور متابعة أمنية وسياسية. وفيما نعت قيادة الجيش الملازم الأول الياس الخوري والجندي حمزة الفيتروني «اللذين استشهدا مساء السبت في الإنفجار الذي تعرّض له حاجز الجيش»، دان وزير الداخلية نهاد المشنوق عملية التفجير، معتبراً «ان على القوى السياسية المعنية أولاً المساهمة سياسياً بقفل معابر الموت داخل الأراضي اللبنانية سواء المفتوحة في إتجاه سورية والأخرى العائدة من هناك، وثانيا اعادة النظر بموقفها من الحرب الدائرة في سورية».

اما «حزب الله» فاعتبر «ان هذه الجريمة الجديدة هي دليل على أن هذا الخط الإرهابي لا يبحث عن ذرائع وأسباب لارتكاب جرائمه»، لافتاً الى «إن هذا النهج هو عدو لكل لبناني، وخطر على كل اللبنانيين وحتى على اولئك الذين يحاولون كل مرة تبرير جرائمه والادعاء أنها ردود فعل على أفعال أخرى مهما كانت». وحيّا «بطولات المؤسسة العسكرية قيادة وضباطا وأفرادا، التي يقف أبطالها على حواجز منع الموت من التسلل إلى أحيائنا ومدننا»، داعيا إلى «موقف وطني جامع يدعم المؤسسة العسكرية، ويرفض الإرهاب وينأى عن تبريره أو تفسيره بغير حقيقته كعمل جبان يستهدف الآمنين».