رؤى / التحديات الثقافية وعولمة المثاقفة
1 يناير 1970
11:40 ص
عبر سنوات خلت كانت نشر ظاهرة المثاقفة تستغرق زمناً طويلاً بسبب محدودية آليات الاتصال ووسائله، وتباعد الأقاليم الجغرافية عن بعضها البعض، بالاضافة الى موانع أخرى. فقد كانت المثاقفة تتسم بشيء من المحدودية مقارنة الى مكانتها في العصر الحاضر بعد أن أضحى لها شأن آخر، فالثورة التكنولوجية والاتصالية والرقمية دحضت التباعد وأسقطت جداريات التلاقي ما بين الشعوب وتقلصت معها حدود الزمان والمكان حتى غدا العالم أشبه بقرية صغيرة، وزالت الحدود بين المجتمعات فغدت منفتحة أفقياً وعمودياً وفي كل الاتجاهات بل وتقاطعت مصالح الشعوب لمواجهة تحديات التنمية والأخطار التي تهدد وجودها. ورغم تأثر الثقافات بشكل واضح بعواصف التغيير التي أحدثتها العولمة على كل الصعد خصوصاً في المجال الثقافي وتطور اللغات، تغيرت مدلولات مصطلحات وحلت أخرى كبدائل، وبدأت بعض الشعوب الخوف على طمس الهوية الثقافية واجتثاث القيم المجتمعية التي تقارب درجة المعتقدات عند أفرادها وهذا الخوف على المصير والهوية والذات محق في ظل التبديلات الجارفة في العصر الحالي.
اختلفت مواقف المثقفين العرب من المثاقفة فاتسمت مواقف بعضهم بالحذر منها رغم اعترافهم بأهميتها وبضرورة الانفتاح على ثقافة الآخر، انما البعض الآخر تعامل معها من منطلق التمييز بين مفهومي المثاقفة والتبعية والاستلاب والغزو الثقافي والعولمة الثقافية، وبعض آخر أصر على رفضها من حيث المبدأ لأن فيها تخليا عن القيم والتقاليد العربية الأصيلة واستبدالها بتقاليد وقيم غربية دخيلة. لكن البعض قبل بثقافة ومثاقفة ما قبل العولمة ولكنه أخذ يتوجس بعدما ارتدت الثقافة المعاصرة وأخذت تنذر بالمثاقفة العولمية من غزو ثقافي واستلاب وهيمنة خصوصاً بعد أن أصبحت خاضعة لقانون البقاء للأقوى لذلك غدت مجبرة على الانصهار في النمط الواحد الملتئم بالطراز الغربي، وهذه الاختلافات للرؤى الفكرية في مواقف المثقفين العرب من المثاقفة توزعهم في مدارس ومذاهب فكرية مختلفة.
يؤدي التعمق بمصطلح المثاقفة الى هيمنة ثقافية على أخرى بطريقة التبادل أو الاستيراد أو الاستعمار، ويتضح ذلك في ورقة قدمها ريدفيلد لينتون للمؤتمر الدولي الثقافي عام 1938 ومن بعده الباحث الاجتماعي الفرنسي ميشيل دوكوستر الذي أكد بدوره على ان المثاقفة هي صبغ العالم بتأثيرات القوى الكبرى على الشعوب. ان الثقافة العربية ليست بمنأى عن الأخطار الداهمة حيث أن انهيار هذه السيادة الناتج عن ذلك تعرض النسيج الثقافي العربي لتمزيق تضافرت على صنعه الضغوط الثقافية الكثيفة من الخارج، وهذه المتغيرات المتسارعة تستدعي من المثقفين العرب ضخ كل امكاناتهم الفكرية العالية المستوى بتدفق وحيوية ذات قابلية تكيفية مع ما تنتجها وتفرضها هذه المتغيرات على جميع الثقافات المختلفة لتجاوز مرحلة التحديات التي يتلقاها مجتمعنا العربي بسهام عولمية هدفها تقويض أركان صروحنا الثقافية التي عمت الأرض. وفي غمرة هذا المشهد الدرامي على الساحة بات مطلوباً أن يتبنى المثقف العربي نظام المثاقفة عبر مشروع متكامل بهدف توضيح أهميته في تطور المجتمع وفاعليته في الوعي العالمي مع كشف مخاطر ذلك النظام اذا تم التعامل معه بغير وعي، سواء بالرفض التام له أو التصدي للمواجهات بمكوناتها مهما كانت لأنه لم يعد بقدرة أي ثقافة محلية رفض نظام المثاقفة، أو الاستجابة المطلقة له مما يعني الانصهار مع الثقافات الأخرى والتبعية لها وضياع الهوية، ونتيجة الرفض أو الاستجابة يظل واحداً وهو فناء الثقافة المحلية، لذلك تحتاج المثاقفة الى وعي رحمة بالمخزون العربي لثقافة عمرها يتعدى آلاف السنين.
* كاتبة كويتية