«الراي» تحدثت إلى شهود عيان وجرحى

هكذا صار الموت «صبحية» على النواصي

1 يناير 1970 04:50 م
من الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله» الى الهرمل، المنطقة البقاعية المحسوبة عليه، فالى الضاحية من جديد... المشهد مع كل تفجير ارهابي هو عينه والضحايا يتشابهون، والكلام السياسي عن «حرب استباقية» وعن «جهاد مضاد» يتكرر مع كل دوي وكل كارثة.

بالأمس، انفجار آخر في المنطقة عينها بمحاذاة المستشارية الثقافية الإيرانية. المعلومات المتقاطعة والمتضاربة حول سيناريو التفجير، لم تغير شيئاً بمعادلة الخسارة الفادحة على الأرض. دمار هائل لف المكان، خمسة قتلى واكثر من 124 جريحاً خانهم المكان وغدر بهم الزمان، فالتهمتهم النيران بحكم الصدفة والحظ العاثر. في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، الطاقم الطبي الذي تعود على «إسعافات الكوارث» بحكم موقعه الجغرافي على تخوم الضاحية، ينتظر في الباحة الخارجية لمدخل الطوارئ في المستشفى توافد المصابين. وفي الداخل حيث يعج البهو الطويل بالجرحى وذويهم، أطباء وممرضون، وعربات نقل وأسرّة حديدية ووسائل إعلامية باتت على موعد منتظم مع المكان لتغطية مصاب جديد.

أمام غرفة الإنعاش، تنتظر سيدة إبنها بدموع تغطي وجهها فيما يأخذ الهاتف على عاتقه مهمة تخفيف هول المصاب عليها بكلمات مواسية تأتيها من قريب، تروي له ما حدث: كان طارق في مكان الإنفجار فيما كنت أكلمه عبر الهاتف. سمعت دوي الإنفجار وغاب صوته. هو في غرفة العمليات الآن يجري له الأطباء عملية مستعجلة. السيدة التي رفضت لاحقاً الحديث، وقفت إلى جانب باب غرفة العمليات ترفع صلواتها لله رأفة بالفتى.

محل حلويات «جندولين» المعروف في المنطقة عاث به التفجير دمارا، صاحبه هيثم جويدي أُصيب مع آخرين، فتراه يطمئن كل من يسأل عن حاله عن صحته وصحة الموظفين في المحل. الجميع بخير الحمدلله، تعرضت لإصابة ليست بالخطرة، أجريت لي الفحوصات والصور الإشعاعية اللازمة تحسبا لأي نزيف داخلي. أما عن الخسائر المادية، فيوجز باسما: «عوضنا على الله».

جويدي الذي يشدد لـ «الراي» على أن «الوضع كان طبيعيا جدا قبل التفجير، ولم يلحظ أي أمر مريب»، يلفت إلى أن الحواجز الحديدية التي طوقت المبنى حماية للمستشارية الثقافية الإيرانية، إثر تفجير السفارة الإيرانية لم تحمنا من التفجير، مؤكدا أن «المجرم الذي ينوي قتل الأبرياء، لا يردعه عائق».

محمد علي جواد بغدادي، بعد أن نال قسطه من الإسعافات الأولية بعد نقله إلى المستشفى مغمى عليه بسبب مشاكل صحية يعاني منها تفاقمت مع ضغط التفجير، يتلقى التهاني بالسلامة من أقارب حضروا للإطمئنان عليه. ويكشف لـ «الراي» أن مروره بالمنطقة بهدف العمل تزامن مع الإنفجار. فهو الذي يعمل في شركة للدهانات، يمر في كل صبيحة من ذاك المكان لتوزيع دهانات ينقلها بشاحنته.

عن لحظة دوي الإنفجار، قال: «كنت على بعد أمتار من المكان، لم أر شيئا لبرهة. شعرت بأني أطير من الفان. نفذ التفجير بسيارتين مفخختين وذلك ليس بالأمر السهل»، نافيا مشاهدته لأي دراجة نارية قيل أنها نفذت العملية. ويختم شاكيا أمره إلى الله.

من جانبها، زينب حمود التي تقطن في المحيط، صودف وجودها على بعد أمتار من مكان التفجير، حيث كانت تستعد للذهاب لشراء حاجيات للمنزل، فأبعدها ضغط الإنفجار لمسافة مترين عن سيارتها. هي وجيرانها في المحيط تعودوا على الخوف اليومي من عقارب الساعة المعدة في كل حين للتفجير، فتراها في كل تنقلاتها تتلو «الشهادتين» تحسبا لأي موت مباغت. لـ «الراي» تؤكد السيدة «أنها لن تغير مكان سكنها، لأن لا مهرب من القدر، وهي لن تحقق للقتلة الذي لا يمتون للدين الإسلامي بصلة مبتغاهم». وتختم: «باقون في الضاحية، سنعيش هنا ونموت هنا.. كلنا فدا السيد حسن».

في مستشفى الزهراء، ملامح المأساة نفسها ترويها شهادات من عاشوها. أحمد لطيف، كان في طريقه إلى الحمراء، وما إن وصل إلى الدوار على مقربة من السفارة الكويتية حتى دوى صوت إنفجارين ضخمين بينهما جزء من الثانية. قال لـ «الراي»: «السيارة التي كانت أمامي هي التي تم تفجيرها، طارت إلى الجهة الأخرى، نزلت من سيارتي فتزحلقت بالأشلاء». لطيف لا يزال تحت وقع الصدمة، بعد وقوع نظره على يد ضخمة جدا ممدة على الأرض، حيث يرجح انها تعود للانتحاري». يوجز وضعه الصحي بـ «حتى الآن أنا لا أسمع جيدا، ركبتي تؤلمني وكذلك يدي».

من جانبه، حسين قطيش يلفت لـ «الراي» إلى أنه كان في ذلك الوقت يقف خارج محل قطع السيارات الذي يعمل فيه، فدوى الإنفجار على بعد نحو عشرين مترا، ويضيف بهلع: «الصوت كان قويا جدا والدخان كثيف، اسرعت الى المحل للإطمئنان على معلمي، الزجاج كان يتساقط من الواجهات، الحمد لله معلمي لم يصب بجروح». حسين لم يقبل أن ينقل حينها إلى المستشفى رغم اصاباته الطفيفة، فبرأيه “هناك جرحى اصاباتهم أخطر وهم أولى بالاسعاف منه، لكن ما إن وصل الى المنزل حتى بدأت عينه تؤلمنه بسبب دخول الزجاج المشتظي فيها، فقصد المستشفى للمعالجة.

حسين آخر، صادف وجوده في المنطقة حينها، فيروي قصته قائلا: «قصدت صديقي الذي يعمل في مصبغة قبل أن أذهب إلى الجامعة. وددت إلقاء التحية عليه. لم أجده هناك.

جلست داخل المحل انتظره، وما إن وصل بفان يقوده حتى دفعه ضغط الإنفجار الى الخلف، فطار صديقي وتناثر الزجاج فوقه». ويختم بأسى: «حتى اللحظة لا أعلم شيئا عنه». أحد الجرحى يدعى ناصر يعمل في مطعم «كنانه» على مقربة من التفجير، يؤكد لـ «الراي» أنه «لم يسمع دوي انفجارين بل واحد فقط»، لافتا إلى أنه كان يقف على باب المحل، وفجأة تساقط الزجاج عليه». ويقول: «طرت نحو 15 مترا. لم أفقد الوعي، زملائي أخروجني من المحل ليقوم الصليب الأحمر بنقلي الى المستشفى، اصاباتي طفيفة في كوعي ورأسي وأذني».

شابة أخرى نالت نصيبها من المأساة، فتكشف باكية على باب إحدى غرف المستشفى: “جدتي كانت جالسة على شرفة المنزل، الذي يبعد بناية واحدة فقط عن التفجير. وقعت أرضا، كسر كتفها ودخلت شظية في ركبتها، الحمدلله على كل حال.”