يعتبر مجتمع المدينة بعد الهجرة النموذج الأمثل لها وما أحوجنا أن نستحضره هذه الأيام
الوحدة الوطنية ... فريضة شرعية رسخ الإسلام دعائمها لضمان استقرار المجتمع وسلامته
| كتب عبدالله متولي |
1 يناير 1970
09:02 م
• الصراعات الفكرية والنعرات الطائفية توهن قوة المجتمع وتجعله في مرمى نيران المتربصين والطامعين
• أول من أقام نسيج الوحدة الوطنية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أعلن دستور المدينة
• على كل متعصب يحاول إثارة الفتنة أن يعلم أنه لا يخدم وطنه بل يخدم أعداء الأمة الذين يتربصون بها
• المسلم أعمق الناس وطنية وأعظمهم نفعاً لمواطنيه لأن ذلك مفروض عليه من رب العالمين
• توهين الوحدة الوطنية يترتب عليه إثارة الفتن والانصراف عن العمل الجاد وتعطيل المصالح
• من عوامل إضعاف الوحدة الوطنية ضعف الوازع الديني وعدم القيام بحقوق الأخوة
• الوحدة الوطنية إجمالاً تعني اتفاق الجميع بمختلف مشاربهم على تغليب انتمائهم الوطني
• تعزيز الوحدة الوطنية يحتاج إلى اعتماد سياسة إعلامية راشدة وإعادة النظر في رسالة المسجد
• على الجميع أن يدرك أن الاختلاف والتنوع الفكري وتعدد المذاهب طبيعة من طبائع البشر
• تنمية الشعور بالمواطنة لدى الفرد ينبع من شعوره بالعدل والمساواة واحترام شخصيته وصون كرامته
• أثبتت تجارب الشعوب عبر التاريخ أن الشعور بالولاء لا يرتبط بأي شيء قدر ارتباطه بمكانة الفرد في المجتمع
خلق الله عز وجل الانسان وجعله مجبولا على ان يعيش في جماعة بعيدا عن الفردية لما تقتضيه طبيعته البشرية، ومنذ فجر التاريخ عرف الانسان تكوين المجتمعات التي تقوم على العيش الجماعي المترابط وتنوع المصالح بين افراد المجتمع ما يجعل كل واحد فيهم في حاجة الى الآخرين، ومع مرور الزمن وكثرة المجتمعات وتنوعها وتباين المصالح فيما بينها كان على كل جماعة تعيش في مجتمع ان تتوحد لضمان امنها واستقرارها وحتى لا تصبح فريسة لغيرها، ومن هنا عرف الانسان الوحدة الوطنية في شكلها البسيط منذ القدم.
وعندما جاء الاسلام اولى الوحدة الوطنية اهتماما بالغا وعمل على ترسيخ دعائمها وتقوية اواصرها رغبة منه في ان يكون المجتمع المسلم مجتمعا مقربا يقوم على الترابط والتلاحم والتراحم والتسامح والعدل والمساواة والحب والعطف ونصرة المظلوم والاخذ على يدي الظالم والدفاع عن الحق ومواجهة الباطل ودحره.
وهذا ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة الى المدينة المنورة، اذ كان اول اهتماماته هو تأسيس الدولة الاسلامية مكتملة الاركان... هذه الدولة التي ستنطلق منها مشاعل النور الى شتى بقاع الارض لتبليغ الرسالة وإعلاء كلمة «لا إله إله الله» وحتى يتسنى له ذلك فلابد ان تكون دولة قوية تقوم على أسس سليمة البناء حتى يكتب لها الاستمرار.
فكانت البداية مع بناء المسجد الذي هو المؤسسة الدعوية والتربوية والتعليمية ودار العبادة، ثم جاءت الخطوة الثانية وهي «المؤاخاة» التي أبرمها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، والتي كونت أساسا لأعظم مثال تآلفت فيه معاني الحب والاخاء، ثم كانت «الوثيقة» او ما يعرف بـ «صحيفة المدينة» التي كانت درة في جبين التاريخ وسراجا وهاجا يتألق بعظمة الاسلام وسماحته.
هذه الوثيقة كانت الاساس لترسيخ الوحدة الوطنية والتعايش السليم فجعلت مجتمع المدينة مجتمعا واحدا من المسلمين وغير المسلمين.
لقد كان النموذج الذي أسس له الرسول صلى الله عليه وسلم هو النموذج الامثل والاروع للوحدة الوطنية، وما أحوجنا ان نستحضره في هذه الايام المليئة بالصراعات الفكرية والنعرات الطائفية والعرقية بين أفراد المجتمع الواحد، ما يؤجج الصراعات بين أفراد المجتمع الواحد، ويوهن من قوتهم وعزيمتهم، ويجعلهم مرمى نيران المتربصين والحاقدين والطامعين... وقد حذرنا القرآن الكريم من ذلك تحذيرا شديدا، فقال تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا...»، وقال تعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم...»، وغيرها من الآيات الكريمة التي تحث على الوحدة وتحذر من الاختلاف والتفرق والنزاع... وقد سارت السنة النبوية على هذا النهج في التأكيد على الوحدة وعدم الاختلاف، والاحاديث في ذلك كثيرة تفوق الحصر، منها على سبيل المثال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وحديث «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة»، وحديث «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص»، وغيرها من الأحاديث.
وبمناسبة احتفالات دولة الكويت بذكرى يومي الاستقلال والتحرير، خصصنا هذه المساحة للحديث عن الوحدة الوطنية من حيث أهميتها والتأكيد على انها فريضة شرعية لازمة بنص الكتاب والسنة، مع بيان الاسباب التي تؤدي الى وهنها وإضعافها، مع الاشارة الى بعض المظاهر التي تحدث خللا في الوحدة الوطنية، والتأكيد على ان الوحدة الوطنية وصيانتها مسؤولية الجميع، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، ثم بيان سبل تقرير الوحدة الوطنية.
ولا يفوتنا ان نشير الى ان الوحدة الوطنية الحقيقية هي في العودة الى الاسلام وليس في سواه من نظريات وأفكار تفتقر كثيرا من المعايير والأسس التي يطرحها الاسلام باعتبار الدين الأكمل والأشمل لأنه من المنهج الذي ارتضاه الله لعباده، ويؤكد ذلك ما ورد من نصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لترسيخ دعائم الوحدة الوطنية... وأخيرا بيان مفهوم الوحدة الوطنية عبر التاريخ... فتابع معنا:
إن قضية الوحدة الوطنية من القضايا التي تحظى باهتمام بالغ من الباحثين والعلماء والمفكرين والساسة نظرا لخطورتها على أمن المجتمع واستقراره، وفي هذا الصدد يقول الدكتور أحمد عمر هاشم: لقد وضح القرآن الكريم ما قضته الإرادة الإلهية منذ الأزل من اختلاف الناس في عقائدهم، وذلك لحكمة يعلمها الحكيم الخبير، قال الله سبحانه وتعالي: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ» سورة هود 118»، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم». ولا يكره الإسلام أحدا على الدخول فيه، فهو لم ينتشر بسيف ولا عنف ولا اكراه، قال الله تعالي: «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ» سورة البقرة651.
فلو أراد الله توحيد الأديان لوحدها ولو شاء ان يجعل الناس أمة واحدة لجعلهم.
الدين للديان جل جلاله... لو شاء ربك وحد الأقواما
ولقد شهد تاريخ الإسلام الحرص على ترسيخ دعائم الوحدة الوطنية من فجر الإسلام فمنذ الهجرة النبوية كان أول عمل قام به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو بناء المسجد النبوي لتوثيق الصلة بالله، وكان العمل الثاني هو المؤاخاة بين المهاجرين والانصار، وكان العمل الثالث وضع الوثيقة التي أبرمها بين المسلمين وغيرهم وهي صحيفة «المدينة المدينة التي تعتبر أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الإنسان، فعاهد غير المسلمين ان يكونوا مع المسلمين يدا واحدة في مواجهة اعدائهم، فأول من أقام نسيج الوحدة الوطنية هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين أعلن دستور المدينة»، وقرر حقوق غير المسلمين كحقوق المسلمين في المواطنة.
وطبق المسلمون دعائم الوحدة الوطنية بعد ذلك، فقرر الفاروق عمر رضي الله عنه ان لأهل الكتاب كفالة في بيت مال المسلمين، فقد روى انه مر بباب جماعة، فوجد سائلا يسأل، وهو شيخ ضرير كبير فسأله قائلا: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، فسأله: ما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: اسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر رضي الله عنه بيده إلى منزله وأعطاه، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال له: انظر هذا وأضرابه فوالله ما أنصفناه ان أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم.
انها صور مشرقة في تاريخ الإسلام توضح إلى أي مدى كانت الوحدة الوطنية أقوى ما يكون وقد طبق المسلمون تعاليم الإسلام في الحفاظ على حقوق غير المسلمين لدرجة ان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تمسك بإطلاق الاسرى الذين كانوا في أيدي التتار من أهل الذمة مع المسلمين، فعندما أطلق قائد التتار أسرى المسلمين فقط دون أسرى أهل الكتاب لم يقبل شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال لقائد التتار: لا نرضى إلا بإطلاق جميع الأسارى من اليهود والنصارى، فهم أهل ذمتنا ولا ندع اسيرا لا من أهل الذمة ولا من أهل الملة، فحقق له قائد التتار ما اراد، واطلق جميع الأسرى حين رآه مصرا على ذلك.
ونرى صورة اخرى من صور التسامح والحفاظ على الوحدة الوطنية عند فتح مصر حيث علم عمرو بن العاص رضي الله عنه بخروج بنيامين هربا من عنف الرومان وظلمهم فأرسل من ينادي على بنيامين ويدعوه إلى المجيء آمنا معززا مكرما، من أجل ان يدير شؤون أهل ملته وجاء وتولى أمور اخوانه في أمن وسلام.
وهكذا ظل المسلمون والأقباط يعيشون في مناخ أخوي آمن لا عنصرية فيه ولا طائفية فيه بل قامت بينهم الوحدة الوطنية راسخة القواعد، وعاش المسلمون والأقباط في أمن وسلام.
وظل المسلمون مع غير المسلمين لا يعادي اتباع الإسلام اتباع أي دين آخر، بل ان الإسلام أمر بالإيمان لجميع الأنبياء دون تفريق بين أحد منهم.
قال الله تعالي: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» سورة البقرة 631. ونهى الإسلام عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن.
قال الله تعالي: «وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» سورة العنكبوت 64.
فواجبنا جميعا ان نحمي الوحدة الوطنية من أي محاولة سلبية تحاول هز بنائها، أو اشعال الفتنة الطائفية بين أي من عنصري الأمة.
وليعلم كل متعصب يحاول اثارة الفتنة الطائفية بأنه لا يخدم قومه بل بالعكس انه يخدم اعداء الأمة الذين يتربصون بها الدوائر، والذين يسرهم كل السرور ان يروا الأمة في فرقة واختلاف لأن مبدأهم القديم هو: «فرق تسد» وإلى جانب هذا فعلى الجميع ان يعلموا أننا ركاب سفينة واحدة، وسكان وطن واحد وأننا جميعا كالجسد الواحد إذا مس عضوا من أعضائه السوء سرى التعب إلى سائر الأعضاء وركاب السفينة الواحدة إذا حاول احدهم خرقها فلن يهلك -فقط- من مارس الخرق بل يغرق كل ركاب السفينة.
كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في اسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا؟ فلو انهم تركوهم وما ارادوا هلكوا جميعا، ولو انهم أخذوا على ايديهم نجوا ونجوا جميعا».
فريضة شرعية
فيما يرى الدكتور محمد الكبيسي في ورقة عمل قدمها إلى (ندوة المواطنة والوحدة الوطنية – مراكش 13-14 مارس 2009)، أن الوحدة الوطنية فريضة شرعية لقول الله سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)، وقوله: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، وقوله: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، ولما رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن عرفجة: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقول: ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق هذه الأمة وهي جمع فاضربوه بالسيف كائناً من كان).
وفي الحديث الذي رواه النسائي: (فان يد الله على الجماعة والشيطان على من فارق الجماعة يركض).
والشواهد على ذلك كثيرة منها:
- بناء مجتمع المدينة وفق صيغة سجلتها أول وثيقة في التاريخ تنظم حياة مجتمع متعدد الديانات والأعراق والبيئات.
- إعطاء الأولوية للرحم والجوار.
- موقف العلماء من الوحدة الوطنية: (إن الإسلام قد فرضها فريضة لازمة لا مناص منها أن يعمل كل إنسان لخير بلده وأن يتفانى في خدمته وأن يقدم أكثر ما يستطيع من الخير للأمة التي يعيش فيها وان يقوم في ذلك الأقرب فالأقرب رحماً وجواراً، ومن هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية وأعظمهم نفعا لمواطنيه لان ذلك مفروض عليه من رب العالمين.
توهين الوحدة الوطنية
إذا ما تم توهين الوحدة الوطنية وإضعافها فإن ذلك تترتب عليه أخطار ومضار كثيرة منها :
- اسخاط الله عز وجل والتعرض لغضبه في الدنيا وعذابه في الآخرة.
- إثارة الفتن وما يترتب عليها من صراعات وعداوات وثارات وغياب الأمن.
- الانصراف عن العمل الجاد المثمر وتعطيل المصالح العامة والخاصة وتأخير أو إفشال خطط التنمية.
- إضعاف قوة البلد وفتح الأبواب أمام الطامعين به لتحقيق أهدافهم وإفساح المجال لتدخلات خارجية بحجة حماية الأقليات وما يترتب على ذلك من تهديد الاستقلال ونهب الثروات.
- العجز عن تقديم الدعم للأشقاء الذين يتعرضون لعملية إبادة على أيدي اعداء الإسلام في شتى بقاع الأرض.
- إيجاد جو من اليأس والإحباط والتقاعس عن القيام ببرامج الإصلاح.
وكل هذه المعاني وغيرها يتضمنها قول الله عز وجل: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وشواهد ذلك في تاريخنا القديم والمعاصر كثيرة.
عوامل الضعف
إن عوامل إضعاف الوحدة الوطنية كثيرة ومتعددة من أبرزها :
- الاستعمار الذي يذكي روح العصبية والطائفية والمذهبية والعرقية فيحي ويذكي العداوات وعادات انقرضت ويعمل على تشويه التاريخ ويوجد بؤرا للصراع.
- الدعوات الضالة التي أبعدت الدين ونهجه السمح عن حياة الأمة كموحد لها وموجه لسلوكها.
- الأحزاب والجماعات التي لا تحظى بثقة المواطنين ولا تمثل ضميرهم فتلعب على التباينات الموجودة في المجتمع وتحولها إلى تناقضات.
- ضعف الوازع الديني وعدم القيام بحقوق الأخوة، الأمر الذي يورث الحسد والضغينة وصدق رب العزة القائل: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها).
- سوء الأوضاع الاقتصادية التي تجعل الإنسان خائفا على مستقبله.
- السياسات الصهيونية التي تسعى لإثارة الفتن.
- التدخل من إطراف خارجية، الأمر الذي يوجد تناقضات على الساحة الوطنية.
- غياب الحوار الجاد الصريح الهادف والصادق بين مختلف الأطراف ومؤسسات المجتمع المدني ما يوسع الفجوة ويوجد حالة من الاستقطاب.
مظاهر الخلل
هناك بعض المظاهر التي تحدث خللا في الوحدة الوطنية نذكر منها :
- الاصطفاف على أسس مناطقية، وعشائرية وطائفية وعرقية ومذهبية.
- أقلام وأصوات تنخر جذور الوحدة الوطنية مفضلة مصالحها على مصالح الوطن.
- التعبئة والتحريض ضد قطاعات معينة بدعوى التحذير من أخطارها.
- الوقوع في حبائل دول وجهات معادية وترديد أفكار هذه الجهات والترويج لها.
مسؤولية الجميع
الوحدة الوطنية، إجمالاً تعني اتفاق قوى الشعب المتنوعة الاتجاهات والمشارب، القومي والديني والطائفي والسياسي، على تغليب انتمائها الوطني على أي انتماء آخر يؤدي إلى التفرقة والتشرذم، وبصفة عامة فان الوحدة الوطنية تعني أن تكون المواطنة هي الهدف الأسمى الذي تجتمع تحت سقفها كل القوى المتنوعة.
إن شعباً يتكون من ديانات وفرق وطوائف وقبائل متعددة، وينحدر من أصول قومية متنوعة وأقليات قومية أخرى، لا يوجد ما يجمع بين كل هذه المكونات المتنوعة إلا الولاء للوطن. وبعكسه فان اختلفوا في ولائهم فستكون النتيجة مجموعة ولاءات متعددة، قد تكون بدافع الدين، أو القومية أو الطائفة أو القبيلة عندها فإن المصير الذي يتناسب ومجموعة الولاءات المتعددة تلك، هو التجزئة، وبحسب الولاءات المجزئة للناس، سيتجزأ الوطن.
ولكن رُبّ سائل يسأل كيف يمكن أن تجتمع كل هذه المكونات المتنوعة على ولاء واحد، وقبل الإجابة عن هذا التساؤل لنتحدث قليلاً عن أهمية تنمية الشعور بالمواطنة لدى الفرد، وكيف يمكن أن يؤدي هذا الفرد الدور الواجب عليه في حماية الوحدة الوطنية، أو العكس من ذلك، الأسباب التي تكمن وراء ضعف الشعور بالمواطنة ونتائج ذلك على الفرد.
إن الحديث عن تنمية الشعور بالمواطنة لدى الفرد أو على العكس، إضعاف هذا الشعور بل وربما قتله لديه يتم عبر الحديث عن شعوره إما بالعدل والمساواة واحترام شخصيته وصون كرامته أو الشعور بالظلم والقهر والحط من كرامته واحتقار إنسانيته. إن المواطن الذي يشعر انه محط احتقار واستهانة من قبل حكومته وبأنه يعيش تحت وطأة الظلم والقهر وعدم المساواة فانه لن يتوانى عن فعل أي شيء يشعره بتوجيه الأذى والضرر لهذه الحكومة الظالمة، وفي ظل هذا الشعور المتنامي للانتقام من النظام، يفقد هذا الفرد الإحساس بحقيقة الإيذاء والضرر الذي سيسببه بعمله هذا لقضية الوطن والحفاظ عليه.
إن الفرد الذي يعيش مع الإحساس بالظلم والقهر سيفقد بكل تأكيد أدنى رؤية ممكنة للفصل بين النظام والوطن، وسيتحول الاثنان عنده إلى واحد، لذا فإن شعوره تجاه النظام الحاكم سينعكس بالسلب على الوطن من دون أن يشعر بذلك، فهو ينسى أن النظام مهما طال بقاؤه لن يخلد وسيأتي اليوم الذي يأتي بغيره قال تعالى: «وتلك الأيام نداولها بين الناس» وهذه سنة الحياة، أما الوطن فإنه باق ما بقي أبناؤه يذودون عنه ويحمونه بولائهم له.
إن تجارب الشعوب عبر التاريخ أثبتت أن الشعور بالولاء لا يرتبط بأي شيء آخر قدر ارتباطه بمكانة الفرد في المجتمع، والحديث هنا دوماً على المجتمعات التي تتكون من تعددية قبلية، أو دينية، أو طائفية، أما الدول التي لا توجد فيها مثل هذه التعددية فإنها لا تعاني من مشكلة الولاء بهذا القدر الواضح على سطح الحياة السياسية.
إن مشكلة الشعور بالظلم والتهميش تكمن في استحواذ جماعة معينة من الشعب على مراكز القوى مجتمعة دون الآخرين، بغض النظر عن كون هذه الجماعة تشكل الأغلبية من المجموع الكلي للمواطنين أو على العكس، وهذه الحالة ستؤدي إلى مجموعة من المشاكل التي تقف في مقدمتها مشكلة التوزيع العادل للثروات الوطنية حيث ستقود بدورها إلى مجموعة مشاكل صغيرة متفرقة تلقي بظلالها على قضية الوحدة الوطنية والولاء للوطن.
تعزيز الوحدة الوطنية
- إجراء حوار وطني شامل يفضي إلى تحريم المس بالوحدة الوطنية وتجريم استعمال أية وسيلة تعمل على النيل منها.
- اعتماد سياسة وطنية تقوم على احترام الحقوق والواجبات.
- اعتماد سياسة إعلامية راشدة تتبنى قيم الشعب وهي قيم عربية وإسلامية (الإيمان بالله، الإخوة، التسامح، العدل) وتصدر عن المصالح العليا للوطن وتتصدى بوضوح وعمق ومسؤولية لكل سلوك ينخر جدار الوحدة الوطنية. و على وسائل الإعلام مراعاة الإسهام في تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية وعدم المساس بالثوابت التي قامت عليها
- إعادة النظر في رسالة المسجد من حيث القائمين عليها وأولوياتها وطرائق تناول القضايا والموضوعات.
- التزام المؤسسة التربوية بفلسفة التربية والتعليم والأهداف التربوية وبرامج التوجيه والنشاط بما يخدم هذا الهدف والاستمرار في تطوير عناصر العملية التربوية بما يحقق مواكبة العصر وتعزيز الوحدة الوطنية وبما ينمي في نفوس الطلاب صفة الانتماء والاستعداد للبذل والتضحية وتقديم المصلحة العامة وبما يضمن حماية الهوية الوطنية للمواطن ووعيه بها وحمايتها من أي مؤثر سلبي..
- تبني ميثاق شرف يحرم ويجرم الدعوة إلى العصبية القبلية والطائفية والعرقية والمذهبية والعمل من أجل تعزيز وحدة الوطن في عالم لا مكان فيه إلا للأقوياء.
- الوعي بما يحدق بالوطن من أخطار وهجمات شرسة تمس وحدته الوطنية والتنبه إلى ما تحدثه عوامل التنافر والشقاق بأشكاله القبلية أو المناطقية أو من هدم لعرى التماسك والترابط وأواصر بناء العلاقات الأخوية في ظل الوطن الواحد..
- إدراك أن الاختلاف والتنوع الفكري وتعدد المذاهب واقع مشاهد في حياتنا وطبيعة من طبائع البشر يستثمر في التأسيس لاستراتيجية التعامل بنهج الديمقراطية والحوار الحر وتوجيهه الوجهة السليمة التي تخدم أهداف الوطن وثوابته.
- المحافظة على الوحدة الوطنية المبنية على الثوابت الوطنية التي تستمد منها الدولة نظامها ويستمد منها المجتمع هويته وتعميق معاني الديمقراطية ومنعاً من الافتراق والتشتت واستتباباً للأمن بكل معانيه المادية والمعنوية.
- إن من أقوى دعائم الوحدة الوطنية الاهتمام بمعالجة هموم الحياة اليومية للمواطن والتوازن في توزيع برامج التنمية بين المناطق المختلفة.
- مراعاة قضايا الشباب في خطط التنمية وبرامجها وبذل المزيد من الاهتمام بها والمعالجة الشاملة لكافة المشكلات التي يواجهونها.
- الاستمرار في عملية الإصلاح بكافة جوانبه وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية بما يعزز الوحدة الوطنية ويعمق مشاعر الانتماء.
- الإسلام دين وسط في العقيدة والأحكام الشرعية لا يقبل الغلو والتشدد كما لا يقبل التحلل من الثوابت الشرعية ويفرِّق بين التشدد والغلو والتمسك بالسنة والالتزام بها.
- أهمية الحوار كوسيلة للتعبير عن الرأي وأسلوب للحياة وتأطيره لتحقيق التعايش من خلال منهجية شاملة تلتزم بالأصول والضوابط الوطنية.
- ضمان حرية التعبير وفق الضوابط الدستورية والقانونية المعتبرة والتأكيد على ضرورة محاسبة من يمس الثوابت الوطنية والمصالح المتفق عليها أو حريات الآخرين.
الوحدة الحقيقية في العودة إلى الإسلام
إن الوحدة الإنسانية لا تتحقق في الواقع إلا في إطار الرسالة الإلهية لان هذه الرسالة هي القادرة على تربية الفرد والمجتمع الإنساني وفق قيم ومعايير تزول معها كل ألوان الصراع المصلحي المادي بين أبناء البشر وليس معنى هذا أن الدين الإلهي يستهدف خلق نوع من المصالحة بين الظالم والمظلوم في المجتمع الإنساني بل انه يتأمل الظلم والظالمين من المجتمع ويخلق بين الأفراد وحدة في القلوب والأفكار ووحدة في الهدف والمسير ووحدة في المصالح والطموحات وهذه المسألة لا تخفى على كل متتبع لأهداف الرسالات الإلهية التي جاء بها الأنبياء لا التي اختلقتها الكنائس والأديرة والبلاطات . والفترة القصيرة التي مرت بها التجربة الإسلامية - بداية البعثة النبوية - قبل انحراف المجتمع الإسلامي سجّلت في تاريخ البشرية أروع انتصار في خلق المجتمع الموحد في الأفكار والعواطف والأهداف.
فالإسلام انطلق من أرض تسودها ألوان الصراع القبلي والعنصري والطبقي وما ان انتصرت كلمة الإسلام حتى خلق مجتمعاً رافضاً لكل تمييز عنصري (الأسود والأبيض) أو طبقي (السيد والعبد) أو قبلي (قريش وغيرها) وساد الإخاء بين أفراده ومن أول مصاديقه المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وزال الصراع الدامي بين القبائل العربية وانتهى عهد الرق والاستغلال الجاهلي وقطعت أيادي المتسلطين في ذلك المجتمع وبقيت التجربة الإسلامية ومع كل ما عصف بها من انحراف تمارس دورها خلال العصور التالية للبعثة في صهر القوميات المختلفة في بوتقة الإسلام وتربية العواطف الإنسانية والسمو بها عن الهبوط إلى مستوى الصراع المصلحي البهيمي إلا اننا نلاحظ من خلال دراستنا للتأريخ والأحداث انه خلال القرون الأخيرة انحسر الإسلام وتراجع للأسباب المتقدمة ومعه انحسرت الوحدة الإسلامية (الإنسانية) حيث أصبحت البلدان مستعمرات والشعوب أناساً مستعبدين واصبحت الساحة مسرحاً تصول به ذئاب كاسرة انطلقت من الغرب وهي مجهزة بأسلحة جديدة وتكنولوجيا عالية لاستنزاف خيرات الأمة المادية والمعنوية ونتيجة هذا الاختلال في التوازن نشأت الصراعات الدموية التي مزقت الأمة شر ممزق بحيث اصبح توازن القوى هو الحائل الوحيد دون نشوب الحروب العالمية الطاحنة. إذاً لابد من الرجوع إلى القاعدة الأساسية التي وضعها الإسلام وطبقها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تتحقق هذه إلا بزوال ما أمامها من مشاكل وعقبات لذا فإن الطريق الأمثل للوصول إلى الوحدة الإسلامية وإعادة العزة للمسلمين جميعاً هو رفع مستوى المسلمين الفكري واطلاعهم على آراء الإسلام ومعارفه التي يحتويها القرآن والسنة النبوية والروايات وسيرة الأئمة فذلك كفيل بمعالجة المشكلة وسلب الأعداء إمكانية الاستفادة من عوامل الخلاف.
إن زيادة الوعي الديني والثقافي والعلمي لدى المسلمين هو خير وسيلة لتجنب بروز الخلافات التي تثيرها العوامل المذكورة ولشدة تأثير ذلك كان الإسلام يحث اتباعه دائماً وفي كثير من الآيات على التفكر والتدبر بدقة والتعرف على النفوس وما يحيط بها. إذاً لابد أن نضع أيدينا بأيدي بعض من اجل إزالة الغبار عن وجه الإسلام الحقيقي الناصع ليطلع عليه المسلمون. فلو أدرك المسلمون حقيقة الإسلام وما يدعو إليه لما تفرقوا ولأصبحوا اعظم قوة في العالم وارقى الشعوب وانجحها في جميع الميادين.
مفهوم الوحدة الوطنية عبر التاريخ
اختلف تعريف الوحدة الوطنية عبر التاريخ، كما اختلف بين الباحثين المحدثين، نتيجة لاختلاف الثقافات والبيئة الخارجية الدولية، فقد رأى ميكافيلى أن مفهوم الوحدة الوطنية هو : ارتقاء الحاكم في الدولة إلى درجة القداسة، لأنه محور الوحدة الوطنية في الدولة، وإذعان المحكومين لهذا الحاكم وخشيته من ضرورات هذه الوحدة، لأن الأخذ بآرائهم سيؤدى إلى الفوضى والاضطراب، لأنهم لا يمكن أن يكونوا طيبين إلا إذا اضطروا لذلك.
ويرى هوبز أن الوحدة الوطنية : هي سيطرة الدولة وزيادة مقوماتها من خلال الحكم المطلق الذي سيسهم في إضعاف المناوئين لها أو المنافسين لها، كما يجب على الدولة غرس صفات الولاء وحب الوطن عند الأفراد عن طريق برامج التعليم والتدريب والتوجيه السياسي.
أما عند روسو فالوحدة الوطنية : هي قيام عقد اجتماعي بين الشعب والنظام السياسي القائم، بحيث يتوحد الشعب في وحدة قومية مصيرية، وفى إطار من مسؤولية مشتركة يطيع فيها الفرد الحكومة، التي هي نظام اجتماعي ارتضاه عن طواعية واختيار.
والوحدة الوطنية عند هيجل هي طاعة القانون في إطار الحرية الممنوحة منه على أن يتوافق القانون مع منطق العدل الذي هو منطق التاريخ.
وعند رينان الوحدة الوطنية هي الاشتراك في تراث ثمين من الذكريات الماضية مع الرغبة في العيش المشترك والحفاظ على التراث المعنوي المشترك والسعي لزيادة قيمة ذلك التراث.
والوحدة الوطنية عند ماركس: هي القضاء على الصراع والانقسام بين الأفراد في المجتمع، من خلال القضاء التام على الملكية الخاصة التي كانت السبب في صراعات الماضي، لأن وجود تفاوت طبقي اقتصادي في المجتمع هو السبب في ذلك الصراع وتلك الانقسامات.
ويرى «لينين» أن الوحدة الوطنية هي تحقيق المساواة التامة في الحقوق بين الأمم، وحق الأمم في تقرير مصيرها، واتحاد عمال جميع الأمم كلهم هو البرنامج القومي للعمال والفلاحين والمثقفين الأمميين، وعلى هذا الأساس تتحقق الوحدة الأممية.
والوحدة الوطنية عند انجل: هي نوع من التكامل التفاعلي المستمد من علاقات التأثير والتأثر المتبادل بين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها، وبين الجماعات بعضها مع البعض الآخر، والمستمد من كل ما من شأنه أن يزيد من تماسك الأفراد والجماعات ويدعم تضمانهم الداخلي.
وعند بلاك الوحدة الوطنية : هي البوتقة التي انصهرت فيها القوميات والجماعات الثقافية ذات اللغات المتعددة والأديان المختلفة.
أما الباحث الكندي «غلين ويكشفن»، أن الوحدة الوطنية هي الأثر الذي يحدث نتيجة أسباب معينة في المجتمع، حيث تقود هذه الأسباب إلى ترابط الشعب مع بعضه البعض؛ بحيث يمنع هذا الترابط أي دعوات انفصالية في البلاد.
وقد عرف الوحدة الوطنية عدد من الباحثين العرب، لكن اختلفت تعريفاتهم حولها أيضاً، بسبب اختلاف ثقافاتهم وتأثر المعاصرين منهم بالمدارس الفكرية الغربية، واختلاف أيديولوجياتهم السياسية، وأوضاع الدول العربية التي نشأوا فيها، فقد رأى أبو حامد الغزالي أن الوحدة الوطنية تتحقق من خلال الحاكم (الإمام) ؛ لأنه هو أساس وحدة الأمة، وأنه محور اتفاق الإدارات المتناقضة، والشهوات المتباينة المتنافرة من خلال جمعه لها حول رأي واحد، بسبب مهابته وشدته وتأييد الأمة له من خلال تعاقد سياسي بينهم وبينه على شرط أن يقوم هذا التعاقد على الرضي لا على الإكراه، وهذا سيؤدى إلى القضاء على التشتت والتضامن في الجماعة من أجل السلطة.
ويرى الدكتور محمد سليمان الطماوي أن الوحدة الوطنية هي قيام رابطة قوية بين مواطني دولة معينة، تقوم على عناصر واضحة يحس بها الجميع ويؤمنون بها، ويستعدون للتضحية في الدفاع عنها.
ويرى جواد بولس: «أنها تعني التعايش بين المجموعات الدينية والعرقية داخل الدولة».
أما عبد العزيز الرفاعي، فيرى أنها تجمع كل المواطنين تحت راية واحدة من أجل تحقيق هدف سام هو فوق أي خلاف أو تحزب في ظل ولاء أسمى يدين به كل فرد من أفراد المجتمع، ويحكم انتماءه للوطن، بحيث يجب هذا الانتماء ألا يكون لأي انتماء طائفي أو مذهبي.
وهي عند عبد الرحمن خليفة تعني : عدم وجود صراع محلي في المجتمع أو عدم وجود تفاعلات تتصف بالعنف.
وعند عادل محمد زكى صادق هي : حاصل لإيرادات مجموعات بشرية مختلفة النزعات والغايات والمصالح، رأت أن في صالحها قيامها، وبناء على ذلك فهي محصلة مجموع الإرادات المختلفة، وهي صورة حقيقية وصادقة لجميع الاتجاهات والأبعاد، وهذا يعطيها قوة وسلطة تستطيع أن تعكس كل ما كان يحمل في نفوس هؤلاء الأفراد المختلفين في أصولهم ونزعاتهم، وقد جمعتهم الأرض الواحدة، وقام بينهم اقتناع شامل بإبعاد كل ما يعتري علاقاتهم من تناقضات وصراعات وانفعالات ويعملون من أجل غاية واحدة.
ويرى الدكتور محمد عمارة أن الوحدة الوطنية هي التآلف بين أبناء الأمة الواحدة من خلال الروابط القومية على أساس من حقوق المواطنة التي ترفض التمييز والتفرقة بين أبناء الأمة بسبب المعتقد والدين، كما يرى عبد الرحمن الكواكبي أنها : تجمع الناس على أساس قومي بغض النظر عن الاختلاف في العقائد والمذاهب الدينية.
وقد أورد الباحث عبدالسلام بغدادي تعريفاً للوحدة الوطنية، إذ عرًفها بأنها الظاهرة أو الواقعة الاجتماعية التي تتجسد في تفاعل وتواصل جميع أعضاء الجماعة الوطنية، أي جميع سكان الدولة من أجل تحقيق أهداف مشتركة تخدم مصالحهم جميعاً، دون أن يعنى ذلك إلغاء الخصوصيات الفرعية لبعض أعضاء الجماعة الوطنية (عموم السكان) من جانب، وبما يميزهم ككل من جانب آخر عن غيرهم من الجماعات الوطنية الأخرى بسمات ثقافية معينة.
الوحدة في الكتاب والسنّة النبوية
(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) آل عمران: 103.
(واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) آل عمران: 103.
(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران: 104.
(ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) آل عمران: 105.
(كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) البقرة: 214.
(إنما المؤمنون إخوة) الحجرات: 10.
(وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) الشورى: 10.
(فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) النساء: 59.
(إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) الأنعام: 159.
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) الحجرات: 13.
(وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) المؤمنون: 53.
(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة: 2.
(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) الأنفال: 46.
(كنتم خير أمة أخرجت للناس) آل عمران: 110.
(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء: 92.
(يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان) البقرة: 208.
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) صحيح البخاري، ج1، ص7.
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) صحيح مسلم، ج4، ص1999.
(ولينصر الرجل أخاه ظالماً أو مظلوماً ) كنز العمال، ج1، ص1996.
(المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ) صحيح مسلم، ج4، ص1999.
(احب عباد الله إلى الله انفعهم لعباده واقومهم بحقه، الذين يحبب إليهم المعروف وفعاله ) تحف العقول، ص40.
(لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا ) كنز العمال، ج1، ص177.
(إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادي، فلا تظالموا ) صحيح مسلم، ج4، ص1995.
(عليكم بالجماعة وإياكم الفرقة ) سنن الترمذي، ج4، ص466.
(مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش ) تحف العقول، ص29.