مقال / من المبكّر جداً!
| إبراهيم صموئيل |
1 يناير 1970
07:19 م
هل من التطرّف القول بأن كتابة رواية أو قصة أو مسرحية موضوعها الربيع العربي لن تنجو- في المرحلة الراهنة- من الوقوع في فخّ الحدث؟
الحدث كبير، والدماء كثيرة، ومصائر الناس إلى مآلات لا تعدّ ولا تحصى، والقوى والأحزاب السياسية أمام مهام وفي تنازعات غير مسبوقة، والعالم من حولنا منشغل بهذه الدرجة أو تلك بما يجري في بلداننا... بيد أن إنجاز عمل أدبي، في هذه المرحلة، يبدو عصيّاً، لا برغم كل ما يجري، بل بسببه!
ومن تونس إلى سورية، مروراً بمصر وليبيا واليمن، يتخذ ما يجري أشكالاً ومضامين متحوّلة متقلّبة حتى ليمكن القول بثقة تامّة بأن المخاض- ناهيك عن الولادة- في ذروة احتمالاته المتناقضة والمفتوحة حتى لكأننا إزاء براكين لا زالت تنفث حممها وتطلق نيرانها حتى لتكاد تُعمي الناظر إليها.
تُعمي المتخصصين بالبراكين. أعني: الدارسين والمحللين السياسيين، فما بالنا إزاء الأدباء من روائيين وقصاصين وشعراء وكتّاب مسرح؟ وهي تكاد تعمي المتخصصين لأنها غير مسبوقة، منذ سنوات طويلة وسنوات، لا من حيث القوة، ولا الشمول، ولا التقلّب، ولا في سمات الأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية!
من شأن العمل الأدبي، المراد إنجازه في هذه المرحلة، أن يسقط على رأسه، ويتهشّم، لا بسبب ضعف بصيرة كاتبه، أو وهن إمكاناته الإبداعية، بل لأن الحدث نفسَه يتقدّم حيناً، ويتراجع حيناً، ويلتفّ، ويتلوّن، ويغور، ويطفو، ويتشظى- كما شأن مختلف الثورات في العالم- ويخطو في اتجاهٍ ثم سرعان ما يعاكسه.
وإلى ما سبق ثمة في طبيعة الإبداع الأدبي وتكوينه ما يحتاج إلى مسافة، وإلى ترّيث، وإلى «تخمّر» كالعجين، قبل أن يكون جاهزاً للنضوج. المسافة الزمنية، بين الحدث والكتابة الإبداعية الأدبية من وحيه، ضرورة شبه مطلقة حتى لو كانت ثمة استثناءات قليلة جداً، تؤكد القاعدة ولا تنفيها.
من شأن العمل الأدبي، في قلب الزلزال، أن يكون موسوماً ومحمولاً على تداعيات ومتغيرات ومفاجآت الزلزال نفسه. من شأنه أن يكون حدثياً ـ كالإعلام نفسه ـ يُثبت حيناً، وينفي أخرى، ويعدّل تارة، ويغيّر أخرى.
ومن قامات كنجيب محفوظ وأدونيس وسعدالله ونوس ويوسف إدريس، إلى أحدث كتّاب ظهروا، لن يكون في إمكانهم، في قلب الزلزال، النجاة بأعمالهم من تداعيات الزلزال ومتغيراته ومفاجآته وأحواله بعامّة.
وبهذا، سيكون العمل الأدبي عملاً صحافياً إعلامياً، مرئياً أو مسموعاً، أو الأمرين معاً، أو هو سيكون بمثابة ما يكتبه ويقوله المحللون السياسيون والمراقبون والنشطاء. وحين سيلبس الأدب لبوس الإعلام، ويتشكّل وفق ملامحه فلن تكون ثمة حاجة إليه، لأن الأصل- الإعلام- يغطي المساحة، وعلى نحو أصيل، وفي أرضه وميدانه!
من المبكر كثيراً، بل وكثيراً جداً من دون مبالغة، إنتاج أعمال أدبية وفنية الآن: تحفر في العمق، وتؤثر، وتتميّز، وتأتلق، وتبقى.
أما المطالبة بضرورة أن يواكب الأدباء الحدث الكبير والنهوض الشعبي غير المسبوق، فهي مطالبة محقّة ـ ومتحقّقة بطبيعة الحال- عبر مشاركة الأدباء في الندوات والمقالات والبيانات والوقفات الاحتجاجية والإدلاء بآرائهم والقيام بنشاطات مدنية إغاثية... وما إلى ذلك. أما كتابة أعمال أدبية فهذه حكاية أخرى تماماً!