إيران والكويت
... احتفالات الثورة والتحرير
| د. عباس خامه يار |
1 يناير 1970
10:29 ص
ليس من باب الصدف ان تصادف احتفالات الشعب الكويتي بعيدي الاستقلال والتحرير مع أعياد الشعب الإيراني بانتصار ثورته واعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فالصلات والقواسم المشتركة بين الشعبين الجارين المسلمين اكثر من ان تعد، ولعل هذا التزامن بين العيدين يضاف الى سلسلة حلقات التواصل بين البلدين.
واليوم حين يحتفل ابناء الشعب الايراني المسلم وانصاره في ارجاء المعمورة بالذكرى السنوية الخامسة و الثلاثين لانطلاق الجمهورية الاسلامية الايرانية بقيادة الامام الخميني الراحل، فانهم يحيون ذكرى تلك الملحمة الجماهيرية التي طهرت ايران من أرجاس الصهيونية لتعلن افتتاح اول سفارة لدولة فلسطين في العالم، تلكم الذكرى التي أقضت مضاجع الاستكبار العالمي و قوى الهيمنة والاستعباد وألهبت مشاعر الملايين من المستضعفين و المحرومين.
ان ايران ونظراً لموقعها الجيوستراتيجي في العالم تعتبر همزة وصل بين آسيا وأوروبا وتنعم بأكثر طرق الترانزيت أماناً وهي الشريك المطمئن للعرب حيث ساهمت بكل ثقلها في استتباب الأمن وإرساء السلام في ربوع المنطقة ايماناً منها بان بناء الثقة ونبذ التوتر هو الأساس لتكريس الوفاق و وأد الصراعات المستوردة في مهدها.
ان سنوات عمر الثورة التي تعيش عنفوان شبابها كانت دوماً حبلى بالعطاءات ولعل حصر المنجزات والتطورات العلمية والتقنية التي حققها جيل الثورة أمر عسير وصعب، وما نسرده هنا ليس الا غيض من فيض هذه النجاحات التي تحققت في خضم حصار اقتصادي ظالم تتعرض له البلاد وعقوبات لا قانونية يتحداها علماؤنا ليبرهنوا على ارادتهم الصلبة لبناء غد أفضل لبلد مستقل يرفض الخنوع والاستسلام للطاغوت.
أما العلاقات الثنائية الايرانية ـ الكويتية، فتعود جذورها الى بداية استقلال دولة الكويت حيث كانت ايران من أولى الدول السبّاقة للاعتراف بدولة الكويت إذ افتتحت سفارتها في مطلع عام 1962.
ومع انتصار الثورة الاسلامية في ايران بادر حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد الصباح والذي كان يشغل منصب وزير الخارجية آنذاك بزيارة طهران ولقاء سماحة الامام الخميني الراحل (ره) مهنئاً بانتصار الثورة المجيدة ليكون اول شخصية رسمية عربية تنهئ الشعب الايراني بجمهوريته الفتية حيث دخلت العلاقات الثنائية مرحلة جديدة من النماء والازدهار.
وكان للحرب الشعواء التي شنها نظام صدام حسين ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية تداعياتها المسيئة والضارة للبلدين ولكل دول المنطقة حيث تأثرت العلاقات بين ايران والكويت، حتى جاء الموقف المشرّف والأخوي الصادق من الجمهورية الاسلامية الايرانية في دعم حكومة وشعب الكويت ضد الغزو الهمجي للنظام العراقي المباد والمشاركة الحثيثة للخبراء الايرانيين في اخماد الحرائق المشتعلة في آبار النفط الكويتية واحتضان العوائل الكويتية التي وجدت في ايران ملجأ أخوياً آمناً ومطمئناً لها حيث بدأت صفحة جديدة للعلاقات الودية المبنية على حسن الجوار والثقة المتبادلة بين بلدينا الجارين الشقيقين في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية.
وقد تمخضت الزيارات المتعددة لمسؤولي البلدين في المجالات المختلفة عن توقيع العديد من اتفاقيات التعاون والتفاهم الامر الذي يعزز العلاقات المتينة ويكرس تطورها وعنفوانها.
وخلال العام الفائت لمسنا حراكا ناشطاً في العلاقات الثنائية السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية والشعبية حيث كانت الزيارات المتبادلة لوزيري خارجية و وزيري الثقافة والاعلام للبلدين وزيارة الدكتور عبداللهيان نائب وزارة الخارجية الايرانية والتباحث بشأن تنمية العلاقات الثنائية والاوضاع الاقليمية وحضور الدكتور غلام علي حداد عادل رئيس مجلس الشورى الإسلامي السابق في مهرجان القرين الثقافي العشرين و لقائه بكبار الشخصيات الرسمية في البلاد وزيارة وفدين ثقافيين جامعيين الى ايران بدعوة من المستشارية الثقافية الإيرانية ولقاء وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي السيد علي جنتي والاطلاع على التطور العلمي والأكاديمي و تعزيز التعاون الثنائي في مجال الثقافة والشؤون الجامعية في ايران وكذلك تواصل المباحثات والتشاور بين رئيسي البرلمانين في البلدين لدعم الشعب الفلسطيني المظلوم، وكان لهذه الزيارات المتبادلة أعمق الأثر في تعزيز العلاقات الثنائية.
ان التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين يشهد نمواً متسارعاً بحيث ان حجم التبادل التجاري يزداد نمواً مع انه لا يزال دون مستوى الطموح نظراً للامكانيات الهائلة التي يتمتع بها البلدان الجاران. وكان انعقاد اجتماع اللجنة المشتركة برئاسة وزيري الخارجية في البلدين بعد توقف دام عدة سنوات هو غيض من فيض التطورات الايجابية التي مهدت لمزيد من التواصل الثنائي البناء.
ونظراً للتوجهات الحكيمة والارادة السياسية لقادة البلدين وضخامة مجالات التعاون فمن المتوقع ان يشهد التبادل الاقتصادي حراكاً أوسع وأكثر نشاطاً.
ان زيارة الآف المواطنين الكويتيين ألى مختلف المدن الايرانية خلال العام الماضي ان دل على شيء فإنما يدل على عمق الوشائج الاخوية بين الشعبين الشقيقين.
لا شك في ان أهم عامل لتعزيز العلاقات وتنمية التعاون الثنائي هو وجود الارادة السياسية اللازمة لدى قادة البلدين والتي تزداد رسوخاً وعمقاً على الرغم من مكر الماكرين الذين لا يدخرون وسعاً من أجل شق الصفوف وعرقلة التعاون بين ايران والدول المجاورة وفي مقدمتها الكويت.
ومن حسن الحظ فإن قادة البلدين والمسؤولين يحرصون كل الحرص على تعميق وشائج القربى المتينة وترسيخ عرى المودة والتفاهم ايماناً بالروابط التاريخية المميزة بما ينسجم مع الاهداف المشتركة و تمشياً مع رغبة القيادتين في استمرار التنسيق وتوثيق جسر الصلات المرتبطة بالوجدان الشعبي.
* المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الكويت