الحريري يلوّح بالعودة إلى «الحيادية» وجنبلاط المُحرَج... هل يَخرُج؟

المفاوضات في بيروت تقفز على حكومة سلام إلى... ما بعدها

1 يناير 1970 03:39 م
لم يسبق في تاريخ تشكيل الحكومات اللبنانية حصول سباق مع الوقت واللحظة الأخيرة لولادة الحكومة كما حصل في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة. وهو سباقٌ لم يعد محصوراً بإعلان مراسيم تشكيل الحكومة بل تَطوّر نحو الاحتمال الأسوأ اي نحو مرحلة ما بعد انهيار الحكومة الجديدة قبل ولادتها، اذ بدا بحكم المؤكد ان ثمة حكومة ستُعلن ولكنها ستولد ميتة لا محال وفق ما تشي به كل المعطيات والاجواء السائدة.

وانشدت الأنظار امس الى قصر بعبدا حيث كان مقررا وصول الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام لعقد اجتماع حاسم مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان للاتفاق على التشكيلة الحكومية النهائية ثم دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى بعبدا لاطلاعه عليها قبل إصدار مرسوميْ قبول استقالة حكومة تصريف الاعمال الحالية وتشكيل الحكومة الجديدة.

كان الموعد المحدد مبدئياً للاجتماع في الحادية عشرة قبل الظهر وقد الغى الرئيس سليمان أساساً كل مواعيد الاستقبالات والنشاطات الاخرى للتفرغ لإصدار المراسيم. غير ان الاتصالات نشطت بقوة في كل الاتجاهات من اجل استئخار إعلان التشكيلة وإقناع الرئيس المكلف بتأجيل الخطوة النهائية يوماً او يومين الى حين عودة الرئيس سليمان من زيارة سريعة لتونس غداً علّ تمديد المهلة يفسح امام الوساطات في استدراك أزمة أكبر من أزمة تشكيل الحكومة لان قراراً نهائياً اتخذته سائر قوى «8 اذار» بالانسحاب من الحكومة الجديدة اذا فُرضت كأمر واقع على خلفية رفْض زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون لها ترجمةً لموقفه المعترض على المداورة في الحقائب وإصراره تالياً على إبقاء صهره جبران باسيل في وزارة الطاقة.

وتكشف المعلومات في هذا الصدد لـ «الراي» ان المعنيين بالتأليف فوجئوا ليل الاربعاء بتصلب طارئ من الرئيس سعد الحريري في شأن وزارة الداخلية وإصراره على تعيين شخصية شمالية (احمد فتفت) فيها لا يقبل بها الأطراف الآخرون ومن ثم عودة الحريري الى التلميح الى حكومة حيادية اذا فشلت المساعي المبذولة في انقاذ الحكومة السياسية المتَفق عليها وفق توزيع ثلاث ثمانيات والمداورة في الحقائب وإرجاء البحث في البيان الوزاري لما بعد التشكيل.

وفسرت الجهات المعنية بالتشكيل موقف الحريري بانه ردّ مباشر على المماطلة من جانب قوى «8 آذار» وتهديدها بسحب وزرائها الثمانية وبالمبالغة في توظيف الموقف المرن لقوى «14 آذار» على حسابها وذلك لاسترضاء عون والتضامن معه.

ونشطت المساعي حتى ساعات متقدمة من فجر امس ومن ثم طوال ساعات قبل الظهر من اجل تأجيل إعلان التشكيلة. وتردد اولاً ان اجتماع الرئيسين سليمان وسلام حُدد له موعد آخر في الثالثة بعد الظهر، فيما انطلقت المساعي نحو تأجيل العملية يومين او حتى بداية الاسبوع المقبل. وفُهم ان قوى 8 آذار قاطبة اتخذت قرارها بسحب وزرائها من الحكومة التي سيعلنها سلام وان النائب وليد جنبلاط بات هو الآخر في موقع حرج جداً قد يجد نفسه فيه مرغماً هو الآخر على سحب وزيريه بعدما كانت المعطيات تشير الى انه لن يجاري «8 آذار» في هذا الموقف.

حتى ان أوساطاً مشتركة في «14 آذار» و«8 آذار» تحدثت عن بدء الإعداد لمرحلة ما بعد حكومة سلام التي لن تبقى اكثر من ايام في وضع مبتور ريثما يتم التوافق مجدداً على ملامح جديدة لحكومة أخرى وإجراء استشارات نيابية جديدة لتكليف رئيس الحكومة الذي ربما يكون سلام نفسه ولكن هذه المرة على اساس تسوية مسبقة يتفق عليها الجميع بما فيها موضوع المداورة الذي فجّر الخلاف مع العماد ميشال عون.

وأفادت معلومات ان البطريركية المارونية كما الرئيس نبيه بري والنائب جنبلاط دخلوا على خط اقناع الرئيس سليمان بتأجيل التشكيلة لكن سلام ظل مصراً على إصدار الحكومة ولو ان استئخار اجتماع بعبدا اوحى بكثافة المساعي المبذولة لاستدراك المشكلة قبل وقوعها وهو ما عكسته الزيارة المستعجلة التي قام بها موفد جنبلاط الوزير وائل ابو فاعور قبل الظهر للبطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.

وفي غمرة هذا «السباق مع الوقت»، بدا مسار الامور محصوراً بثلاثة مسالك هي:

* ان تصدر مراسيم الحكومة فينسحب منها وزراء «8 آذار» الثمانية ما يجعلها، وإن حافظت على نصاب «صمودها» الدستوري اي الثلثين، مصابة بـ «تشوّه» على صعيد ميثاقيتها نظراً الى غياب الممثلين الرئيسيين للقوتين الشيعية (حزب الله وامل) والمسيحيين (عون و«القوات اللبنانية» التي رفضت المشاركة لاعتبارات سياسية)، وهو ما يعني ان أبواب البرلمان لن تُفتح أمامها للتصويت على الثقة بها من دون ان يُحسم اذا كانت الدعوة الى استشارات جديدة تستدعي انتظار مرور الشهر المعطاة لها لإعداد بيانها الوزاري.

* ان يبادر الرئيس سلام مع «العطب» الميثاقي في حكومته الى تقديم استقالته وفق ما كان لوّح به بحال غياب مكوّن رئيسي عنها، وهو ما يعني حكماً سقوط الحكومة ووجوب تحديد موعد سريع لاستشارات نيابية لتكليف رئيس جديد.

* انضمام وزيريْ جنبلاط الى 8 آذار فتسقط الحكومة أيضاً باستقالة اكثر من ثلث اعضائها ما يستوجب تالياً «القفز» على استشارات نيابية ملزمة جديدة.