تقرير / «حزب الله» لا يريد تفاهماً «ناقصاً» وعون يخفف تشدده
الحكومة اللبنانية الجديدة ... «قاب قوسين أو أدنى»
| بيروت - من وسام أبوحرفوش |
1 يناير 1970
03:39 م
بدا الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام في الساعات الاخيرة كمن يحمل هاتفه بيد وتشكيلته الوزارية بيد أخرى... يجلس في البهو الفسيح لمنزل العائلة «التاريخي» في المصيطبة الذي يستعيد امجاد «القرنفلة والسيجار» أيام رئيس الحكومة الراحل صائب بك سلام، الذي غالباً ما يتردد شعاره اليوم مع الحاجة لقيام حكومة جامعة على طريقة «اللاغالب واللامغلوب».
ينتظر سلام، الذي ملّ الانتظار بعدما مضى على تكليفه تشكيل الحكومة اكثر من عشرة أشهر، رنين هاتفه لعله يسمع جواب «الفرصة الاخيرة» من زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون: «سنشارك او لن نشارك»، قبل ان يقصد قصر بعبدا متأبطاً حكومته لاعلانها بـ «التكافل والتضامن» مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الذي ما برح يلح على القادة السياسيين ضرورة تسهيل ولادة الحكومة.
«اذا مش اليوم غداً»... هكذا اوحت الاتصالات الماراتونية التي اشتعلت دفعة واحدة في الـ «ويك اند» بعدما استشعر الجميع بالحاجة إلى حسم الملف الحكومي نتيجة تعاظم اخطار الانكشاف الامني في البلاد غداة التفجير الارهابي الذي ضرب الهرمل السبت الماضي، والذي أضيف إلى سلسلة التفجيرات التي سجلت 10 عمليات بالسيارات المفخخة والانتحاريين منذ نحو سبعة اشهر، بينها اغتيال الوزير السابق محمد شطح.
فسلام، الذي كان استقبل على التوالي المعاون السياسي لرئيس البرلمان نبيه بري الوزير علي حسن خليل، والمعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الحاج حسين خليل، وموفد عون الوزير جبران باسيل، وممثل زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الوزير - الوسيط وائل ابو فاعور، توج اتصالاته بلقاء مع بري لابلاغه بأنه «طفح الكيل»، في إشارة إلى اضطراره لاعلان تشكيل الحكومة ولو «بمن حضر».
وتحدثت المعلومات عن ان سلام تقدم بـ «عرض أخير» لمعالجة ما يوصف في بيروت بـ «العقدة العونية» التي «تحتجز» الاعلان عن الحكومة الجديدة منذ نحو اسبوعين، وهو يتضمن اسناد حقيبة سيادية (الخارجية) وحقيبة خدماتية (التربية)، إضافة إلى حقيبتين اقل شأناً إلى «تكتل التغيير والإصلاح» الذي يتزعمه العماد عون، ما يشكل استجابة لبعض مطالبه من دون كسر القواعد الأساسية التي تم التفاهم عليها لتشكيل هذه الحكومة، ومن بينها المداورة في الحقائب.
وعلمت «الراي» ان باسيل، الذي ابدى تشدداً في التمسك بحقيبة «الطاقة»، اضافة إلى المكتسبات الأخرى التي انتزعها «التيار الوطني الحر» عبر المفاوضات المستمرة منذ أكثر من أسبوع، لم يقل «نعم» لعرض الفرصة الاخيرة لكنه لم يقل «لا» حاسمة، وهو طلب امهاله 24 ساعة للرد، الامر الذي ترك الابواب المفتوحة لـ «الأخذ والرد»، قبل ان يحسم الرئيس المكلف أمر إعلان حكومة يتمثل فيها الجميع بغض النظر عن موقفهم.
ومع الأجواء التي توحي بأن تشكيل الحكومة بلغ «الخمس دقائق الأخيرة» ما قبل الإعلان عنها، استقرت «بورصة» المواقف والمعطيات على النحو الآتي:
• حرص سلام الذي ابلغ من يعنيهم الامر ان «الحكومة يجب ان تشكل اليوم قبل الغد»، على استنفاذ كل الفرص الممكنة لاقناع عون بـ «حصته المتاحة» في حكومة الـ 24 وزيراً، وللقول «فعلت ما عليّ» قبل تحويل حكومته أمراً واقعاً و«ليتحمل الجميع مسؤولياتهم».
• سعي بري، المنزعج من «ممانعة» عون في الاستجابة للعروض التي تقدم له، للاستعانة بـ «حزب الله» من اجل حض حليفه (التيار الوطني الحر) لملاقاة الآخرين الذين ابدوا مرونة من أجل قيام حكومة جديدة أولوية أولوياتها حماية الاستقرار المترنح والحد من الأخطار الامنية.
• ابلاغ النائب وليد جنبلاط، الذي اجترح المخارج الواحد تلو الآخر لضمان مشاركة «تيار المستقبل» و«حزب الله» في حكومة واحدة، إلى الرئيس المكلف عدم اعتراضه على تشكيل حكومة بمن حضر، بعدما اضطلع بـ «هندسة» صيغ عدة لاسقاط الاعتراض العوني على الحكومة من دون جدوى.
• استمرار «حزب الله» في الضغط في اتجاه اجتراح تسوية يكون عون احد مكوناتها، لا ان يكون في مواجهتها، فالحزب هو أكثر «المحرجين» لانه جزء من الحل عبر التفاهم الذي تم حول توازنات الحكومة الجديدة، وجزء من المشكلة نتيجة مشاركته في الحكومة بما سيؤول اليه موقف عون.
• إصرار «القوات اللبنانية» بزعامة سمير جعجع على البقاء خارج الحكومة والتفاهم في شأنها لـ «أسباب مبدئية» تتصل بعزوفها عن المشاركة في حكومة جنباً إلى جنب مع «حزب الله» ما دام يقاتل في سورية، اضافة إلى مطالبتها بضمانات مسبقة لتضمين البيان الوزاري التزاماً جدياً بـ «اعلان بعبدا» القاضي بتحييد لبنان.
• موافقة «14 آذار» على الصيغة الحكومية المطروحة، وعلى الحقائب التي ستسند اليها، وربط ديمومة هذه الموافقة باحترام مبدأ «المداورة الشاملة» في توزيع الحقائب بين الطوائف والمذاهب والقوى السياسية، اي انها ترفض وفي شكل مطلق كسر تلك المداورة لابقاء حقيبة «الطاقة» بيد «التيار الوطني الحر».
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الراي» أن ثمة آمالاً انتعشت في الساعات الماضية، تؤشر إلى امكان ولادة حكومة جامعة، مشيرة إلى ان «العماد عون يفاوض لكن من دون تشدد الأمر الذي يتيح التوصل إلى مخارج، خصوصاً انه من غير المجدي قيام حكومة أمر واقع، لان الجميع يجب أن يكونوا شركاء في تحمل المسؤولية حيال الأوضاع الخطرة التي تدهم البلاد لاسيما على الصعيد الأمني.
ورأت هذه الأوساط ان قيام حكومة أمر واقع سياسي ستعكس توافقاً ناقصاً ومهتزاً، في وقت تحتاج البلاد إلى حكومة جامعة لأن من شأنها تنفيس الاحتقان الناجم عن تعاظم مشاعر القلق لدى «الطوائف الخائفة والمخيفة» نتيجة الانكشاف الأمني المفتوح على التوقعات الأكثر إيلاماً في اتجاهات الحرب الدائرة في سورية و«شظاياها» اللبنانية.