قالوا... إن ولد إنسان لا يكون إنسانا إلا إذا رباه إنسان. وإذا تأملنا في الأشخاص الذين يتصرفون تصرفات مهذبة وراقية، فإننا سنجد أنهم نشأوا في أسر تقدّر هذا المعنى، وتتمثله في سلوكها، وأيضا لوتأملنا في سلوكيات الأشخاص الغلاظ المتوحشين، أو فاقدي اللباقة، فإننا سنجد أنهم نشأوا في أسر متوحشة وبعيدة عن الكياسة والرقة، ولو رأينا أشخاصا مبادئهم تعمل في فراغ مفاهيمي أو سلوكي، الغش والخداع منهج لكل تعاملاتهم، فاعلم عزيزي القارئ أنهم نشأوا في أسر لا مبادئ تردعهم ولا قيم تنظم حياتهم، ولكل قاعدة شواذها.
ما جعلني اكتب هذا المقال تجربة شخصية خضتها بل عشتها بكل تفاصيلها في مؤسسة تعليمية حكومية، فرأيت صنوف التجاوزات من الإدارة إلى الطالبات، وكان أحد هذه الصنوف الغش في الاختبارات، وليس فيها من الشواذ إلا ما يُعّد على الأصابع، نحن على علم بل على يقين بأن الإنسان يأتي إلى هذه الحياة وهو لا يعرف أي شيء، ولكنه مزود بالاستعداد لأن يتعلم كل شيء، وإن لم يتلق التربية السليمة في مؤسسته الأولى (الأسرة)، في الحقيقة كانوا يختلفون ويتفاوتون في الفئات العمرية، والصفات الشخصية، والمؤهلات العلمية، والظروف الاجتماعية، إلا انهم يتشابهون بالسلوكيات والممارسات السيئة والمشينة التي تترجم ملامح البيئة التي تمتلك الكثير من الاستعدادات والقابليات لخرق ونسف مبادئهم المتشابكة مع مصالحهم غير المشروعة اشتباكاً يسهل فكه في أي زمان وأي مكان من أجل الحصول على شيء مادي لا قيمة له إلا ماديته، من الطبيعي والبديهي من حاز على شهادة علمية بالغش لا قيمة معنوية لها أو استفادة حياتية منها.
إن الله - سبحانه - هيّأ الإنسان لأنواع من الارتقاء لم يهيئ لها الحيوان، فلنفترض بأنك خرجت من بيئة لم تقّوم مقومات الإنسانية لديك أو ترسخ معايير الصواب والخطأ، ما عليك إلا أن تستعين بالآليات والقابليات التي تجعلك أشبه بالعجينة بين يدي نفسك لتشكلها وفق خصائصك الروحية والعقلية والنفسية بما يتواءم مع الثقافة التربوية التي تؤهلك أن تكون إنسانا يملك مقومات الإنسانية بما فيها القيم والأخلاقيات والمبادئ التي لا يمكن أن تتنازل عنها وإن كانت المغريات تحوم من حولك، فهي حصنك الحصين، ودرعك الواقي من السلوكات الخاطئة، أن تغش بالامتحان ولا تبالى بما يترتب عليه غشك، فأنت في ورطة من أمرك لن ينقذك منها شيء سوى الرجوع للقيم والأخلاقيات الحميدة والتمسك بل التشبث بالمبادئ، لا تسمح لنفسك أن تساومك على مبادئك من أجل شهادة علمية قد لا ينفعك الله بها لأنها نتاج غش وخداع وتعدٍ على حقوق الآخرين، حتى وإن ساومك معلم من المعلمين الذين يهيئون الأجواء للغش، بل يرسخون ويؤصلون قلب المفاهيم والقيم ويقنعون الطلبة بأن الغش سلوك حسن ممدوح يجسد قيمة التعاون والمساعدة بين الزملاء على أصولها التي بنيت عليها.
نحن نعاني من خلل جسيم نتاجه واقع سيئ ينقل الأمراض الخُلُقية والاجتماعية من جيل إلى جيل عبر قنوات التربية غير الصحيحة، وضياع بوصلة المعايير التي نحتكم إليها في الحكم على سلوكياتنا وممارساتنا، فالعلاج الأنجع لمثل هذه النماذج القبيحة، تفعيل القوانين التي تصحح وتعالج المفاهيم المغلوطة لديهم، وجبرهم على تحمل مسؤولياتهم التربوية تجاه أنفسهم، إلى أن يتقدموا حضاريا، ويستدعوا المزيد من الرقي الشخصي الذي يكسبهم المعرفة والمهارة التي تربيهم وتزكيهم إلى أن يصبحوا أناساً صالحين.
[email protected]twitter: @mona_alwohaib