من نصاحب...؟ / العافية...
1 يناير 1970
01:48 ص
وإني لأمسح على طرف شاربي. ويقول لسان حالي: هل من مبارز...؟ ان سأل الرجل عن مسح على شاربه، واجاب بهذا القول «فأني لأقول هذا المتعافي». العافية والقوة مرتبطان كالماء في البحر. العافية مالعافية... جرى حديث بيني وبين صاحب سوبر ماركت، في تونس. بعد هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، دعاني احد الاصدقاء لزيارة تونس، «الخضراء»، وهو أي: الداعي يعمل في العقار ولديه مكتب في الكويت. قلت: سأذهب معك لكن ليس لي علاقه في أمور العقار، أنا أود أن أرى أهل تونس والثقافة التونسية وأزور بعض المكاتب، ان سمحت لي؟ قال: لك ذلك. وقال أيضاً: ألا تود رؤية القصور التي سيتم المزاد عليها؟ قلت: لا مانع من ذلك هي جزء من الثقافة. ونحن على متن الطائرة، أحسست إنه مبيت لي مكيدة، أي: صديقي ولكن قال: وما يفيد القول الان وأنا على ارتفاع لا استطيع عده، وأنا أنظر من زجاج الطائرة متأملا كل خير به. وما ان وصلنا ووقفنا خارج المطار، أمام سيارات الأجره، اخذت أتحدث مع شخص تونسي وبعد السؤال والجواب، قلت له: الله يعطيك العافية. وجدته غضبا من أمر أنا لا أعرفه ما الذي اغضبه!، وذهب وذهبت... أتى صديقي إليّ بسيارة أجرة بعد أن تعاقد مع مكتب ايجار. ونحن في الطريق قلت له : كنت أتحدث مع شخص وبعد ما فرغت من الكلام معه قلت : الله يعطيك العافية، فوجدته غاضب غضبا شديدا وتحدث بكلام لم أفهمه؟. قال صاحبي دعك منه إنه مجنون. وسرنا في طريق إلى أن وصلنا إلى مكان السكن وهو، في مدينة سيدي أبو زيد، هي إحدى ولايات الجمهورية التونسية. والاسم سيدي أبو زيد، في كل مكان في تونس يوجد، «سيدي أبو زيد»، في الشوارع وفي البيوت وفي الجبال، يوجد سيدي أبو زيد الغربية، وسيدي أبو زيد الشرقية، والرقاب وجلمة والمزونة، هي ولاية فلاحية من أهم إنتاجها الخضر وزيت الزيتون. وحديثا اليوم عن الزيت. نعود إلى غضب الرجل في المواقف الخاصة في المطار، قلت في نفسي مالذي أغضب ذاك الرجل في أماكن وقوف السيارات؟ فقلت: لأتحدث مع أي شخص وحتى إن لم أفهم عليه. بعد السؤال والجواب مع التونسيين وغير التونسيين، عرفت أن العافية (هي النار) يطلق عليها عندهم. وصديقي لا يود إخباري بذلك... حتى يراني أتعارك مع احد هناك «ليمرح». فقلت: لنا لقاء في الكويت «يا صديق الندامة»، فذهبت إلى السوبر ماركت بحثا عن الثقافة، وليس إلى دور المكاتب..! لأعرف هل يوجد لديهم «زيت العافية بصحة وعافية» أم لا، فوجت زيت العافية، فقلت في نفسي إن كان الزيت موجود في كل بيت في العالم، فما الأمر إذاً؟ ويخطر على بالي حديث: عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله علمني شيئا اسأله الله، قال: سل الله العافية، فمكثت اياما ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا اسأله الله، فقال لي: يا عباس، يا عم رسول الله، اسأل الله العافية في الدنيا والاخرة. فبعد ان قلت الحديث واكثرت قوله على صاحب السوبر ماركت، قال يا أخي المسلم كلمة عادية مثلكم تعني الخير والقوة وصحة البدن. استخدمت أبان الثورة ككلمة «سر» لما كان الحراس يحرسون من الهجمات فعندما تسمع الحراس يقولون «ياووو عليكم البلاندي» معناه القوات الفرنسية المدرعة وإن زال الخطر فيصيح الحراس «ياووو عافية». ويقولون أيضاً: الجزائرية على حد علمي كلمة عافية تستخدم بمعنى النار وفي المغرب أيضاً وبعض المناطق القريبة من الجزائر، ويبدو انه قد غلب اسم المكنى على المكنى به. وذلك لكثرة استخدام كلمة العافية كناية عن النار اكثر من معناها الاصلي، كل هذا حدث من القدم و ستمر على حاله الى الان. وانتهى صاحب السوبر ماركت من التوضيح الكلمة، فقلت: قبل ان ارحل الله يعطيك العافية، فابتسم وانصرفت عنه. وإني لا أستطيع ان اذكر العافية والقوة، ولا اذكر الملوك الاربعة: «الملوك والقادة هم أربعة حكموا العالم من المشرق الى المغرب»: قد علم كثير منا انه لم يستطع حكم الارض منذ خلقها الى يومناَ هذاَ إلا اربعة فقط، وقد شاءت إرآدة الله عز وجل، ان يكون اثنان من هؤلاء الحكام مسلمين واخران كافرن، فأماَ الكافران فهما «النمرود وبختنصر»، واما المسلمان فهماَ «ذو القرنين وسليمان عليه السلام»، لاشك في ان اعظمهم حكماً على الاطلاق كان «سليمان عليه السلام»، وهو من طلب «ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي» جاء القول في «الآية 35: سورة ص»: (قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك انت الوهاب). ويطري على بالي بعد ذكر الملوك قول ابن بطوطة، ونختم به صحبتنا مع المتعافي: ذكر ابن بطوطة أن في الشمال مقبرة دفن فيها ألف ملك عليها لوحة مكتوب فيها: وسلاطينهم سل الطين عنهم والرؤوس العظام صارت عظاماً إن الأمر المذهل في هذا: غفلة الإنسان عن هذا الفناء المداهم له صباح مساء، وظنه أنه خالد مخلد منعم، وتغافله عن المصير المحتوم، وتراخيه عن النهاية الحقة لكل حي.