مناورات في كل اتجاه

«الحكومة الجامعة» في لبنان على محكّ المقايضات

1 يناير 1970 02:00 م
لان «الاتفاق الإطار» الذي وافق بموجبه طرفا الصراع الرئيسيان في لبنان اي «حزب الله» وتيار «المستقبل» على الجلوس معا في حكومة جامعة، جاء من ضمن «عدم ممانعة» ايرانية وسعودية معطوفة على رغبة دولية في تشكيل «مانعة صواعق» سياسية تقي «بلاد الأرز» نسبياً مرحلة «العصْف» الاقليمي، فإن «شدّ الحبال» الدائر حالياً في بيروت حول تشكيل الحكومة وتفاصيلها يبقى في نظر أوساط سياسية مطلعة في سياق «حرب الشروط» و«معارك المقايضات» وإن على «حافة الهاوية»، من دون ان يصل الى حدّ تهديد ركائز «الضرورات» التي أمْلت على القوتين السنية والشيعية الأبرز في لبنان بوصْفهما رافعتيْ فريقيْ 8 و 14 آذار القيام بخطوة تراجُعية أمّنت وضع الملف الحكومي للمرة الاولى منذ نحو عشرة أشهر على سكة التقدم الفعلي.

ورغم اعتبار دوائر سياسية في بيروت ان التعثر الذي أصاب مسار تشكيل الحكومة في الايام الاخيرة جراء شروط زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الرافض لمبدأ المداورة في الحقائب والغاضب من تفرُّد حلفائه (في 8 آذار) بالسير بمواصفات الحكومة بمعزل عن رأيه، يرتبط بمكان ما برغبة اقليمية في «فرْملة» الملف الحكومي في لبنان بانتظار انقشاع الرؤية في مؤتمر «جنيف -2 « حول سورية، فان «الأسباب الموجبة» التي حتّمت على «حزب الله» التواضع بالتخلي عن الثلث المعطّل وعلى «المستقبل» التراجع عن شرط انسحاب الحزب من سورية قبل الجلوس معه على طاولة مجلس الوزراء تبقى الأساس في مقاربة المسار الذي يسلكه العنوان الحكومي ولا سيما في ظل بروز سيناريوات متعددة فرضتها «العقدة العونية» المستجدة.

وفي رأي الاوساط السياسية المطلعة ان كل «التهديدات» سواء من رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام باللجوء الى حكومة أمر واقع سياسية او حيادية بحال استمر عون على شروطه، او من زعيم «التيار الحر» وفريقه والتي بلغت حد التلويح «بمشاريع غير ميثاقية» تهدد كيان لبنان ودعوة سلام الى الاعتذار، او من اوساط في 8 آذار لوّحت بإمكان الضغط نحو سحب التكليف من الأخير، كلها تبقى في اطار تبادُل الرسائل والمناورات حتى ضمن الفريق الواحد وتحديداً 8 آذار وصولاً الى ايجاد حلّ للعقدة العونية. وبعدما بات خيار الإبقاء على الحكومة الحالية المستقيلة شبه مستحيل في ضوء جزم رئيس الجمهورية بأنه لن ينهي عهده بتسليم لبنان الى الفراغ بحال تعذّر انتخاب خلَف له (بحلول 25 مايو) وانه سيوقّع ولو في «ربع الساعة الأخير» لبدء المهلة الدستورية للانتخابات الرئاسية (25 مارس) مراسيم حكومة جديدة، فان «استحالتيْن» أخرييْن بدأتا ترتسمان حول حكومة الامر الواقع السياسية كما الحيادية.

فالحكومة الجامعة التي تولد من دون موافقة عون على حصته وحقائبه فيها ستعني تلقائياً انسحاب «حزب الله» منها تضامناً مع حليفه واستطراداً الرئيس نبيه بري لعدم تظهير اي انقسام شيعي، لتصبح الحكومة «ميتة» سياسياً ومصابة بـ «عيب» في ميثاقيتها في ضوء غياب «التيار الحر» كما «القوات اللبنانية» (ترفض المشاركة لاسباب سياسية تتصل بانخراط حزب الله عسكرياً بسورية) عنها وهما المكوّنان الأكثر تمثيلاً للمسيحيين الذين سيكونون بحال عدم حصول الانتخابات الرئاسية مغيبين عن حكومة سترث صلاحيات الرئاسة الاولى.

اما الحكومة الحيادية، فهي في الأساس مرفوضة بشكل قاطع من 8 آذار ولا سيما «حزب الله» الذي كان حذّر من «فوضى» بحال اللجوء الى مثل هذا الخيار الذي يعتبره في سياق «عزْله» في لحظة اقليمية مفصلية، ما يعني ان اعتماد مثل هذه الحكومة يفتح البلاد على مجهول يرفضه المجتمع الدولي بقوة باعتبار ان لبنان ليس في اولوية أجندته في ظلّ «الساحات الساخنة» الكبرى في المنطقة وان المطلوب «تجميد» الوضع اللبناني ريثما ينجلي الأفق في الأزمة السورية ومع ايران التي لا تزال «قيد الاختبار» في اطار التفاهم المرحلي حول ملفها النووي.

وتبعاً لذلك، وعلى صعوبة التعقيدات القائمة حتى الساعة، لا يزال خيار الحكومة السياسية الجامعة الافضل للجميع في بيروت وسط اقتناع بان هناك تفاهماً اقليمياً - دولياً على «تقطيع الوقت» لبنانياً بحكومة تحفظ لكل الأطراف اوراقاً تحجز لها «مقعداً» في مرحلة إبرام التسوية الكبرى في المنطقة وتالياً تقاسُم النفوذ في ساحات التأثر وبينها لبنان.

وعلى وقع جعل الرئيس نبيه بري التفاهم السني - الشيعي «اولوية الاولويات» التي تتيح «تصفيح» الوضع اللبناني والتصدي للأخطار الأمنية التي يعتبر انها لن توفّر ايضاً الساحة المسيحية، تدور المفاوضات مع العماد عون الذي رغم هجومه العنيف على سلام اول من امس فانه لم يقفل الباب على حلول يعمل بقوة عليها «حزب الله» النائب وليد جنبلاط على قاعدة إما استثناء حقيبة الطاقة التي يتولاها الوزير جبران باسيل (صهر عون) من المداورة وهذا دونه صعوبات جمة، او التخلي عن الطاقة لقاء حقيبة سيادية ووزارتين خدماتيتين، علماً ان الرئيس بري يرفض تنازل الطائفة الشيعية عن حقيبة المال التي تؤمن «توقيعاً شيعياً» في السلطة التنفيذية الى جانب التوقيع الماروني (رئيس الجمهوري) والسني (رئيس الحكومة) على كل المراسيم التي لا تصدر دونها.

ويترافق هذا الحِراك مع «عامل ضغط» اضافي يجري استخدامه لفرْملة صدور حكومة «امر واقع» كما لتليين موقف عون ويتصل بالاستحقاق الرئاسي الذي يتعاطى معه بري على ان «نصف الطريق» اليه يمرّ بتشكيل حكومة جامعة، وهو الموقف الذي يتقاطع مع رؤية المجتمع الدولي للواقع اللبناني الذي يتم التعاطي معه على قاعدة «أطفئوا المحركات» وان لا مكان لمباريات «كرة المضرب» المحلية عندما تكون مباريات «كرة القدم» على أشدّها بين القوى الكبرى المتصارعة في المنطقة و«حلباتها الساخنة».