أن أعتلي المنبر

1 يناير 1970 11:19 ص
متعطشون للدماء... بثياب مهلهلة متخلفة، بلحى غير مهذبة، يتجهون إلى الشمال. بعيدا، حيث قضية لا تمت لهم بصلة.

لم يتجهوا إلى بورما. لم يشاركوا في ثورات اخرى. لم يعرفوا عن فلسطين إلا اسمها.

قبل عامين كانوا في بورما يحرقون المسلمين ويعلقون لهم المشانق ويضطهدونهم بأقسى أنواع التعذيب. ولم نسمع أحد مشايخ الانحطاط يصدر فتوى للجهاد في بورما.

لم تصدر فتوى من دعاة الجنس تنادي بالجهاد بفلسطين رغم شروط الجهاد المتوافرة فالطرف الآخر كافر بمنظورهم الديني ومحتل ظالم بالمنظور الإنساني.

لكن الفتاوى لا تتجمع اليوم إلا من أجل سورية.

الذاهبون إلى هناك معبئون بزوادة هي جينات توارثوها منذ المشاركة بحرب أفغانستان. فبعد انتهاء الحاجة إليهم وقتها، لم تكفهم العودة لأوطانهم. بل بحثوا عن مقار جديدة يفرغون بها غريزتهم الوحشية. البوسنة، الفيليبين، الصومال، طاجيكستان... خط التعطش الدموي يسير بين الحدود بحثا عن أي فتنة. ثم عودة من جديد للتفجير داخل الوطن. والآن جاءت سورية. هل تضيع قافلة الفتنة الدموية فرصة تاريخية للتزود بالغذاء؟

يريدون قتل الآخر المسلم لأن مذهبه مختلف عنهم. ببساطة هذا ملخص فكر المقاتل رغم أن الإسلام ليس به جهاد داخلي. ليس هناك جهاد بين المذاهب أو بين الطوائف. لا يجوز أن تقتل شيعيا وتقول انه جهاد لأجل الله. أو تقتل سنيا وتقول انك ترضي الله. يحرم أن تقتل أتباع أي دين آخر وتحكم أنه جهاد.

ثم من قال ان الذين فجروا الثورة السورية بحثا عن حرية في دولة مدنية يريدون هذه «الفزعة» الجهادية؟ من قال ان الناشطات والناشطين والكتاب والمفكرين من مختلف طوائف سورية قاموا بالثورة من اجل محاكم «داعش» و«النصرة» الميدانية التي تحكم بالاعدام وقطع الرؤوس؟ اين هي الناشطة رزان زيتونة التي كانت من ابرز موثقي الثورة واعتقلها النظام مرات؟ من يعتقلها الآن ويخنق صوتها؟ اي فصيل جهادي؟ ولماذا تبقى راهبات مسالمات قيد التوقيف لدى مجموعات اخرى... «جهادية» ايضا؟ هل في ذلك اي مصلحة للثورة السورية ام ان المصلحة كل المصلحة للنظام وخططه الشيطانية؟

لا نشاهد إلا أصحاب اللحى وأسلحتهم ومشاهد مخيفة فهل يكون بديل البعث الظالم القامع المجرم هؤلاء السفاحون؟

يتخذون قرار الحرب وكأن الدولة غائبة، وكأن أجهزتها نائمة. ينطلقون بحثا عن عشبة الموت. من السعودية من مصر من تونس وليبيا وغيرها، مجاهدون عرب. تكرار مريع لتجربة أفغانستان... تكرار لعلاقة مقززة. أطرافها مخابرات ومرتزقة.

تلاقي أهداف مريضة لخارجين عن القانون مع أهداف أكثر مرضا لسياسات عظمى.

ودولنا. كيف تتسرب كل تلك الأعداد منها دون رادع؟

سيقولون صعبا جدا مراقبة كل الحدود والأصعب معرفة الداخلين والخارجين من سورية واليها.

هل تصعب أيضا عملية إيقاف المحرضين على الفتن؟

الشيخ يعتلي المنبر ويحض الشباب (حي علي الجهاد). والدولة تكتفي ببيان للداخلية يحذر الدعاة وأئمة المساجد من الدعوة للجهاد. وكفى.

لا تتمكنوا من إيقاف المد الشبابي المتجه للشمال لكن بإمكانكم تعطيل الشاحن الذي يمدهم بالفكرة نفسها.

مثل نفسهم التواقة لمشاهد القتل والدمار. وطني يتوق لمشاهد المحاكمات والإيقاف.

ليس من حق الإرهابي اعتلاء منبر لمسجد.

اليوم من حقي كمواطنة اعتلاء المنبر والدعوة لخير الوطن.

اليوم من حقي كمخلصة إلقاء الخطبة. من حقي كمواطنة إنزال الخائن من ذاك المنبر وزجه بالسجون.

لمجرد أنه رجل ولديه لحية، يقف على رؤوسنا ويحدثنا كذبا بأبشع الخطب، ثم يقودنا جهلاً إلى أي منطقة نزاع لقتل الآخر، من يدفع له؟ متبرعون سذج؟ تجار السلاح والمخدرات؟ المخابرات الدولية؟

صاحب الملايين يسمع عبر الأخبار أسماء لشباب قتلتهم فتنته. داخل منزله العامر يتكئ على أريكته، ينادي إحدى زوجاته أو خليلاته لتحضر له مشروباً.

كاتبة وإعلامية سعودية

[email protected]