عدم استبعاد «توزيع أدوار» يَضبط إيقاعها على «جنيف - 2»
«عقدة مسيحيّة» مزدوجة قد ترجئ إعلان الحكومة الجديدة في لبنان
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
01:58 م
لم تبلغ الجهود المتسارعة منذ يومين لتذليل العقبة الاخيرة التي تعترض ولادة الحكومة الجديدة في لبنان الحد الذي يمكن معه التفاؤل بإمكان حصول هذه الولادة في نهاية الاسبوع الجاري، كما يأمل في ذلك رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام.
وعلمت «الراي» بعد ظهر امس ان ثمة همساً بدأ يتصاعد في بعض الكواليس حيال الخشية من ترسيخ ما يسمى «عقدة مسيحية» في التمثيل الحكومي الامر سيحرج كثيراً سليمان ويضعه مجدداً في مواجهة مع زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون من جهة والقوى المسيحية في 14 آذار من جهة أخرى، وينقل التعقيدات في الملف الحكومي إلى مشهد مسيحي - مسيحي.
وقد برز هذا البُعد بقوة في ظل التصلب الذي أبداه العماد عون في تمسكه بالاحتفاظ بحقيبتيْ الطاقة والاتصالات ورفْضه مبدأ المداورة في الحقائب الوزارية الذي يقول ان حلفاءه والرئيسين سليمان وسلام تفاهموا عليه من دون استشارته، الامر الذي بدا معه موقف عون الاعتراضي موجهاً إلى حلفائه اكثر منه إلى اي طرف آخر. اما رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع فبدا هو الآخر راغباً في الذهاب بالتمايز عن حليفه الرئيس سعد الحريري إلى النهاية عبر رفضه المشاركة في الحكومة المطروحة على اساس 8-8-8 قبل موافقة «حزب الله» على إدراج «اعلان بعبدا» (تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية) في البيان الوزاري كإعلان نيات بأنه سينسحب من سورية، مما طرح ايضاً ظلال الشكوك الكبيرة في فرص تشكيل الحكومة في وقت قريب. ومع ان اوساط القصر الجمهوري والرئيس المكلف ومعهما اوساط رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط لا تزال تجمِع على وجود فرصة كبيرة وجدية لتشكيل الحكومة انطلاقاً من الموقف الايجابي للرئيس سعد الحريري خصوصاً، فان ذلك لا يعني اسقاط احتمال تأجيل الولادة الحكومية إلى الاسبوع المقبل على اقل تقدير.
وتقول مصادر واسعة الاطلاع على المشاورات السياسية الناشطة لـ «الراي» ان العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة تكتسب في الظاهر طابع اعتراضات مسيحية، ولكن لا يخفى ايضاً ان هذه الاعتراضات تواكب مشهداً اقليمياً شديد الغموض والالتباس مما لا يمكن معه عزل التعثر الحكومي في لبنان عنه. اذ ان المحك الحاسم لهذا الاختبار لن تكون نهايته بعيدة وهي تُعدّ بالايام القليلة المقبلة التي ستظهر فيها القطبة المخفية على حقيقتها. فاذا تعذر ايجاد حل للعقدة المسيحية، فان ذلك يعني وجود توزيع أدوار بين اللاعبين في كلا فريقيْ 14 اذار و8 اذار في انتظار ما سيتكشف عنه مؤتمر «جنيف - 2» الخاص بالازمة السورية، ولن يكون ممكناً والحال هذه تشكيل الحكومة قبل ذلك. اما اذا كانت هناك توافقات اقليمية ودولية دافعة في اتجاه تشكيل الحكومة بمعزل عن مجريات الازمة السورية ومؤتمر «جنيف -2» فان العقدة الاخيرة امام تشكيل الحكومة ستكون قابلة للتذليل لان الافرقاء المسيحيين لا يمكنهم ان يعرقلوا تسوية ظرفية تمليها الاخطار المتصاعدة جراء النزاع المذهبي الذي يتهدد لبنان والذي من اخطر ظواهره تعاقب التفجيرات الارهابية في البلاد إلى حد يهدد بفتنة ماثلة يصعب تدارُكها من دون اطار سياسي في الحد الادنى باتت تشكله الحكومة العتيدة.
ولذا تقول الاوساط نفسها ان اليومين المقبلين تحديداً سيكونان كفيلين بحسم الوجهة السياسية في لبنان سلباً او ايجاباً مع تعذر اطلاق اي أحكام مسبقة من الان. ولا يمكن في هذا السياق تجاهل مغزى عودة التلويح بحكومة حيادية او باصدار مراسيم حكومة سياسية كامر واقع في حال الوصول إلى طريق مسدود ما يعني ان الرئيسين سليمان وسلام لن يمكنهما بعد الان الا سلوك طريق الحسم الدستوري والا سيرتّب الامر محاذير شديدة الخطورة ويكون عنوان انهيار سياسي خطير يضع البلاد على حافة مرحلة اشد خطورة من كل ما سبقها.
الا ان دوائر مراقبة لاحظت صعوبة امام اعلان حكومة الامر الواقع الجامِعة التي تعني عملياً انتزاع حقيبتيْ الطاقة والاتصالات من عون، لاسيما وان الاخير حذّر من اي خطوة مماثلة «فليجرّبونا... وعندها سيجدون الجواب المناسب» في اشارة إلى امكان انسحابه من مثل هذه الحكومة. وهذا سيعني في ظل غياب «القوات اللبنانية» ايضاً خسارة الحكومة الغطاء المسيحي التمثيلي الحقيقي وتظهير التشكيلة على انها وليدة تفاهم سني - شيعي. علماً ان النقطة الأكثر حساسية في هذا السياق مردها إلى الحكومة العتيدة مرشحة لان ترث صلاحيات رئاسة الجمهورية (المسيحية) في حال تَعذّر انتخاب رئيس جديد للبلاد بحلول 25 مايو المقبل.