«يا ساكني مطروح... جنية في بحركم... الناس تيجي وتروح... وأنا عاشقة حيكم». هكذا تغنت ليلى مراد.. في فيلم «شاطئ الغرام».. الذي صور في هذه المدينة الساحلية الجميلة «مرسى مطروح» 520 كيلو مترا شمال غربي العاصمة المصرية.. هذه المدينة التي تضم شواطئ «بكر».. من أجمل شواطئ الدنيا.. رمال بيضاء «جميلة»، ومياه زرقاء «رائعة».. وشواطئ استقبلت كبار رجال السياسة، ونجوم الفن والمجتمع، وقادة من هنا وهناك.. ولكن بين هذه الشواطئ، ما هو أشهر، وهو «البو - سيت».. والذي زارته «الراي».. في مناسبة العيد الخمسين لاقامة فندقه الشهير الذي يحمل نفس الاسم.. وفي الزيارات ذكريات عديدة وصور متنوعة.. وحكايات كثيرة.
انه شاطئ الأغنياء .... كما يحب ان يطلق عليه أهالي مرسي مطروح .. وعندما تسأل اي سائق تاكسي بمطروح أين «شاطئ الأغنياء».. يرد على الفور: شاطئ البوسيت.
هكذا عرفه الكبير والصغير بمدينة مرسى مطروح .. وهذا الشاطئ له قصة طويلة.. حيث يحتفي مؤسسوه هذا العام بمرور 50 عاما على انشائه ..وهو الشاطئ الذي ارتاده العديد من الشخصيات الهامة سواء.. السياسية أو الفنية أو الدينية.. فالجميع يفضل هذا الشاطئ لما يتمتع به من هدوء غير عادي.. منذ أن أسسه صاحبه المرحوم ديمتري مدبك، والذي عرفه أهل مطروح بمسيو « متسو».
والقصة ترويها لنا زوجة «متسو» «السيدة ماري نجم صايغ ـ 86 سنة».. والتي بادرت قائلة: زوجي كان يعمل موظفا بشركة مصر الجديدة للاسكان، وأنا كنت موظفة بالسفارة الفرنسية بالقاهرة.. في الخمسينات من القرن الماضي.
وكان زوجي يميل للعمل في مجال السياحة بشكل كبير.. فقد قام بمشروع لتنظيم رحلات لنقل المواطنين من القاهرة للاسكندرية لحضور سباق الخيل يومي «السبت والأحد» من كل أسبوع ولكن لم تنجح هذه الفكرة.
ثم قام ببيع الدوبارة لحساب زوج شقيقي ومرة أخرى لم يعجبه العمل.. فقرر ترك العمل بشركة مصر الجديدة، وتوجه للعمل على البواخر في الأقصر وأسوان.
كشفت عن الخطوات الأولى وقالت: كانت أول زيارة لنا لمرسى مطروح العام 1957، وقمنا بتأجير فندق ريفيرا بالاس بمبلغ 50 جنيها، وقد نجحنا في ادارته، ولكن طلب صاحب الفندق زيادة في القيمة الايجارية في العام التالي ليصبح 100 جنيه مصري وكان هذا المبلغ كبيرا لا نملكه فضاع هذا الموسم، وهنا قرر متسو أن يستأجر فيلا ليحولها الى فندق على شاطئ مطروح.
ومن باب العلم بالشيء قال: أتوجه الى محافظ الصحراء الغربية ـ كما كانت تسمى في ذلك الوقت ـ وعرضت الفكرة على المحافظ «السيد فرح» الذي أبدى اعجابه الشديد بهذه الفكرة ليكون هناك فندق لخدمة الزائرين، فعرض تأجير فيلا خاصة به بالقرب من شاطئ الغرام بمبلغ 5 جنيهات شهريا، وتم توقيع العقد بين متسو والمحافظ وجاء دور تسمية الفندق.
وتكمل السيدة ماري الحكاية: مولد الفندق كان على يد صديق لنا كان يعمل مديرا بهيئة قناة السويس العام 1958، وقد اقترح اسم «بوسيت» وهو مكون من مقطعين في اللغة الفرنسية «بو» يعني «جميل» و«سيت» يعني «المكان» ليكون الاسم كاملا «المكان الجميل» وجاءت هذه التسمية بعد زيارة الصديق للمنطقة التي يوجد بها الفندق.
وكان عدد حجرات الفندق «15» حجرة فقط، ومع بداية التشغيل كان هناك نظام في الادارة وطقوس في استقبال نزلاء الفندق ووداعهم بعد انتهاء اقامتهم بالفندق.. هذا جعل تمسك العديد من النزلاء بالحرص على الحضور سنويا لقضاء اجازة الصيف على شاطئ بوسيت بمطروح.
وأضافت: نظرا لزيادة الاقبال على الفندق تمت اقامة خيام حول الفندق وتأجيرها لعشاق الشاطئ، وكنا نتصور ان هذه الخيام لن تجد اقبالا من النزلاء، ولكن فوجئنا بأن نسبة كبيرة تطالب بالاقامة بهذه الخيام وتمت تسمية الخيام، بدلا من ترقيمها مثل خيمة: ريري وميمي وسيسي.. وهكذا.
ومع بداية التشغيل كانت الوجبات الثلاث اجبارية، وبعد ذلك تم تعديله الى افطار وعشاء أو غداء، وأسعار الحجرات والوجبات مع بداية التشغيل كانت لا تزيد على 15 جنيها للفرد وكان يمنع اقامة الأطفال مع النزلاء، وعلى المصطاف أن يكون هو وزوجته فقط ليقيم النزلاء في هدوء طوال فترة الاجازة.
وكان «متسو» متمسكا بهذا الشرط وكان يطبق على أولادي «ماجدة وماي» فكانوا يقيمون في مبنى الراهبات المجاور للفندق.
وتتذكر ماري السنوات الماضية لتؤكد بأن الحياة كانت صعبة في ذلك الوقت وادارة الفندق تحتاج الى مجهود، ومطروح كانت تعتمد على كل شيء قادم من الاسكندرية «الخضراوات والفاكهة».. والثلج حيث لا توجد ثلاجات كبيرة ولا مصنع ثلج ولا توجد لحوم بقري أو جاموسي أو دواجن.
وقالت: كانت والدة متسو.. ترسل لنا الخضراوات واللحوم والدجاج وورق العنب من القاهرة بالطائرة التي تصل لمطروح مرة كل أسبوع، وكان اللحم «الضاني» هو المتوافر في مطروح، ولكنه لا يصلح لاعداد الطعام في الفنادق.
وحول نظام العمل قالت: تم تقسيم العمل بالفندق على أفراد العائلة.
فكانت شقيقة متسو تعمل في المطبخ لاعداد الطعام، ثم جاء شقيقه « أنطون» وكما يناديه أصدقاؤه بمطروح والقاهرة «توني»، وكان عمره لايزيد على 18 عاما ووقف بجوار شقيقه للعمل بالفندق وقد فضل الالتحاق بكلية السياحة ليدرس الفندقية بالأسلوب العلمي، بالاضافة الى خبرة شقيقة متسو.
مدرسة فندقية
السيدة ماري.. أكدت أن الفندق.. كان نقطة تحول كبيرة لعمل الشباب والفتيات من أبناء مطروح للعمل في مجال السياحة وكان مطمع كل شاب أن يعمل في البوسيت للتعلم من الخبرة والمجال السياحي والفندقي.
وكان متسو يفضل أن يكون أبناء مطروح هم أول من يعملون معه في الفندق حفاظا على مودة أهالي مطروح الذين شجعوه للاستمرار.
وقد تخرج من هذا الفندق العديد من مديري الفنادق ورجال الأعمال على مستوى مصر بالكامل، وعلى سبيل المثال «عادل حافظ» الذي يعمل الآن مديرا لفندق المضيفة بمرسى مطروح.. ومجدي عبد الشكور مدير فندق بالاسكندرية.. وفرج ميخائيل صاحب سلسلة فنادق بشمال سيناء.. والآن يقيم أحدث فندق 5 نجوم على شاطئ الأبيّض بمرسى مطروح والذي اعترف أمام الجميع بأنه تعلم في فندق بوسيت بمطروح.
شهرة البوسيت
وكانت شهرة البوسيت محل احترام جميع المسؤولين على مر السنوات.. حيث شاهد هذا الشاطئ عدة أجيال من النزلاء مازالوا يحرصون على المجيء الى هنا، وأكد «توني» ـ شقيق متسو ومدير الفندق الآن ـ أن هذا الفندق شاهد المشاهير من رجال السياسة والاعلام والفن منذ افتتاحه.
فمن رجال السياسة: الرئيس المصري محمد حسني مبارك «عندما كان مديرا للكلية الجوية».. ونائب رئيس الجمهورية الأسبق المرحوم حسين الشافعي.. وعبد المنعم القيسوني.. وعبد اللطيف بغدادي.. وعضو قيادة الثورة الليبية عبد السلام جلود.. والرئيس الأوغندي الراحل عيدي أمين دادة.. ووزير الداخلية المصري السابق اللواء حسن الألفي ووزير الداخلية المصري المرحوم اللواء زكي بدر أيضا، ورئيس مجلس الشورى الحالي صفوت الشريف ووزير الصحة الأسبق الدكتور اسماعيل سلام وووزير الموارد المائية والري المصري الحالي محمود أبوزيد.. ورئيس وزراء سورية فاروق الشرع ووزير الخارجية المصري الأسبق أحمد ماهر ووزير الاعلام المصري الأسبق ممدوح البلتاجي ووزير الاسكان المصري الأسبق محمد ابراهيم سليمان ووزير السياحة المصري السابق فؤاد سلطان ووزير الاسكان المصري الحالي أحمد المغربي .
ومن أهل الفن: سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ويحيى شاهين وشادية وفريد شوقي و«صلاح ومحمود ذو الفقار» وعبد الرحمن الأبنودي وحسن الامام ويوسف شاهين ومحمود ياسين ونور الشريف وبوسي وسمية الألفي ورفيق الصبان ونجلاء فتحي ويسرا وايهاب نافع ومحمد رشوان وعبلة كامل وتحية كاريوكا وحسن يوسف وشمس البارودي وأحمد زكي وأحمد نبيل وصالح سليم وأبناؤه هشام وطارق.. وحسين فهمي وهاني شاكر وميرفت أمين وماجدة الخطيب والمذيع محمود سلطان والدكتور مصطفى محمود.
مدير عام فندق نيو بوسيت فايز فكري جبرة قال: انه ترك الاسكندرية عندما كان طالبا وجاء للعمل بمطروح، وكعادة متسو أن يبدأ الموظف التعلم من أول السلم، فتم اسناد غسل الأطباق والأكواب والشوك والملاعق والسكاكين، وتدرجت في العمل من متر دوتيل.. الى مدير عام الفندق، وأحرص دائما على أن أطبق ما تعلمته.. من المعلم متسو أستاذ الفندقة والسياحة.
احتفالات خاصة
أما الابنة الكبرى لمتسو ورئيس ادارة بوسيت للفندقة والسياحة ماجدة ديمتري مدبك.. قالت: ان والدها وضع نظاما دقيقا لادارة الفندق وكان يعمل بخطة مدروسة طوال هذه السنوات وقد بدأ في التوسع في انشاء ملاحق للفندق بعد زيادة الاقبال على الاقامة بالفندق.. فتم انشاء «نيو بوسيت» بجوار الفندق الأصلي وبعد التوسعات الكبيرة تم تكوين شركة لادارة مجموعة الشركات ..
وأضافت: ما تعلمته من والدي هو حسن معاملة النزلاء.. فكان الوالد يحرص على أن يحصل على تواريخ ميلاد النزلاء، واذا تصادف بأن أحد النزلاء كان عيد ميلاده أثناء اقامة بالفندق يفاجأ بأن ادارة الفندق قد أعدت له تورتة كبيرة عقب العشاء ويحتفل جميع نزلاء الفندق بعيد ميلاده مرددين «سنة حلوة يا جميل» وسط فرحة جميع النزلاء .
وكان هناك تقليد يتبعه والدي مع النزلاء بعد انتهاء فترة اقامتهم.. حيث يصطف طاقم موظفي الفندق.. حاملين المشاعل على جانب المطعم ويقوم متسو بتوديع الأسرة مرددا هو والطاقم «باي باي.. مع السلامة.. باي باي».
وقالت: كان لي أنا وشقيقتي «رحمها الله» دور في الترفيه على أبناء النزلاء.. بعد أن وافق والدي باصطحاب الأولاد مع النزلاء.. حيث نقوم بعمل المسابقات الرياضية في الصباح على الشاطئ، وفي المساء في صالة الديسكو وكانت تجد فرحة كبيرة بين الأطفال والنزلاء جميعا.
وأكدت ماجدة.. أنها وهي تحتفل بمرور 50 عاما على اقامة هذا الصرح سيتم تكريم العاملين الأوائل، بالاضافة الى التكريم السنوي الذي نقدمه للمتميزين في العمل خلال العام.
الحرب العالمية
وفي تصريح خاص لـ «الراي» أكدت ماجدة بأن هناك مفاجأة سارة لنزلاء الفندق العام المقبل، بالاضافة لأعمال التطوير التي شهدها الفندق هذا العام والخدمات الاضافية التي قُدمت.. وسيتم الاتفاق مع شركة الطيران في المرحلة المقبلة لتنظيم رحلات أسبوعية طوال العام، بعد موافقة اللجنة العلي المجلس أمناء الاستثمار بالمحافظة على تمويل المشروع.
وقالت: كانت أسر ضحايا الحرب العالمية الثانية.. يحرصون على زيارة الفندق وقد تم اعداد معرض للسيارات التي شاركت في الحرب العالمية الثانية.. بمعركة العلمين الشهيرة وقد اصطفت السيارات أمام فندق بوسيت العام 1995 في ذكرى مرور 50 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية.
شاطئ البوسيت
جمال الأمكنة في بساطتها