ندوة «القرين» الرئيسية تواصل تشريح أزمة التطور الحضاري

رضوان السيد: التخلُّفُ العربي يبدو واقعة ... وواقعا فاقعا

1 يناير 1970 09:50 م
• عبدالله القويز: يجب على العرب تعزيز ترابطهم الاقتصادي

• اسماعيل الشطي: الصراع كان ولا يزال أساس العلاقة بين المخلوقات في التصور الغربي
شمل اليوم الأول من الندوة الرئيسية لمهرجان القرين جلستين مسائيتين الأولى «الثالثة»- التي أدارها الدكتورعبد المالك التميمي- ناقشت قضية «التخلف الفكري وأبعاده الحضارية»، وتم استعراض بحثين، الأول للدكتور رضوان السيد من لبنان، والثاني للدكتور محمد نور الدين أفايه من المغرب، ومداخلة وتعقيب من رئيس اللجنة الثقافية في مجلس الشورى الإسلامي الدكتور غلام علي حداد.

البداية كانت مع الدكتور رضوان السيد الذي عنون ورقته بـ أطروحة «التخلف العربي وأبعاده الحضارية» وقسم الورقة الى أربعة أقسام تناولت المحاور التالية: أولا: مسألة «الحضارة» والحضارة العربية بالذات، في رؤى المفكرين العرب في الأزمنة الحديثة.

ثانيا: التطور الجديد للنظر في المسألة خلال العقود الخمسة الماضية.

ثالثا: طبائع الدولة والسلطة في العالم العربي في ظروف الحرب الباردة، وتأثيراتها في التعامُل مع المسألة.

رابعا: السياقاتُ العالميةُ لمسالة الثقافة في زمن الحرب الباردة، ثم زمن الهيمنة الأميركية والعولمة.

وفي ربط واسقاط بين ندوة السبعينات وندوة الآن يقول رضوان السيد: بعد أربعين عاما على مؤتمر الكويت إذاً، يبدو التخلُّفُ العربي واقعة وواقعا فاقعا. وهو تخلُّفٌ ذو مستوياتٍ متعددة: تخلُّفٌ عن المسار العالمي لانتظام المجتمعات والدول، وتخلُّفٌ في مجال المشاركة في حضارة العالم وتقدمه النوعي، وتخلُّفٌ في مجال إقامة الدول الوطنية الجامعة والدافعة باتجاه قضايا المواطنة والحريات وإنسانية الإنسان، وتخلُّفٌ فظيعٌ في قضايا التنمية ونوعية العيش، والإهلاك المباشر للإنسان والعمران

ويرى رضوان أنّ الأُصوليات الإسلامية كانت نتيجة أو نتائج للتخلف المفروض على العرب، وأن هذه الأصوليات تأتي في المنزلة الخامسة أو السادسة في تعداد عوامل التأزُّم الحاصل، وقال: إنني لأجزمُ بأنّ المثقفين العرب لم يقوموا بواجبهم ويكملوا ما بدأه المثقفون العرب في الألفية الماضية، بيد أنها ما أنتجت مشروعا نهضويا، ولا اكتسبت صدقية لدى المهمَّشين من طريق معارضة عسكريٍّ مخرِّبٍ أو قاتل مثلا. وقد بدت في ما بين الستينات والتسعينات منصرفة إلى نقد الموروث وليس الحاضر، وإحالة التخلُّف أو الانحطاط على تاريخ الأمة أو دينها أو وعيها الثقافي أو حركياتها العشوائية. وها هُمُ المثقفون العرب يقفون عاجزين أو مشدوهين أو مُرتاعين أو لا مُبالين أمام التأزم الهائل والمذابح والإبادات ومعضلات الحاضر.

واختتم رضوان بالإشارة إلى الكويت نموذجا يترجم كثيرا من النقاشات الدائرة في الندوة قال : إنّ الملاحظة الختامية التي يمكن قولها في مراجعة أُطروحة مؤتمر الكويت بعد أربعين عاما أنّ الأمم الحاضرة في عالم اليوم قوة وتأثيرا إنما قامت على مؤسستين: مؤسسة الدولة الوطنية أو القومية التي تقود شعبها في تطلعاته وطموحاته. ومؤسسة أو جمهرة علماء الأمة ومثقفيها التي تعيش في الحاضر وتفكّر في المستقبل. وقد افتقد العرب هذين العاملين أو هاتين المؤسستين في الأزمنة الحديثة والمعاصرة، بل إنّ عسكريي الأمة ومثقفيها اشتغلوا ضدَّها، وحالوا دون تقدمها وانتظامها. والأولون بالطغيان الهائل. والمثقفون بالتخاذُل أو عدم الانتماء أو الخَطَل في الفهم!

وتحت عنوان مراجعات للعقل والتراث والسياسة، استعرض الدكتور محمد نور الدين أفايه ورقته البحثة وبدأها بسؤال حول جذور الضعف المعرفي العربي وقال: هل الضعف المعرفي الملتصق بالفكر العربي راجع إلى ارتهانه للاعتبارات الأيديولوجية، مادامت المسألة السياسية طغت على هذا الفكر منذ بداياته النهضوية إلى الآن؟ أم أن الأمر مرتبط في الأساس «الإبيستيمي» المعرفي العميق الذي تتحرك داخله اللغة والأفكار والمفاهيم؟

ومضى في استعراض ورقته المطولة التي تتمحور حول مظاهر التخلف المعرفي العربي، ويقول في موضع من بحثه: منذ بداية القرن التاسع عشر والغرب يعمل على إجهاض كل محاولات النهوض العربية الإسلامية إلى الآن، وفي كل مرة يجد الوسائل الملائمة لإدامة التأخر التاريخي العربي، الأمر الذي أفرز، عبر امتدادات وتعرجات الزمن العربي الحديث، ظواهر فكرية وسياسية تمكن الفكر العربي من التقاط بعض أسبابها ومكوناتها بطرق عقلانية، وفلتت منه مستويات متعددة من هذه الظواهر، لاسيما ما يتعلق بالتعبيرات الانفعالية والعاطفية لمختلف الخطابات العربية أو التجليات الرمزية والمتخيلة للصيغ والمواقف التي تتخذها هذه الفئة أو تلك إزاء الوقائع العربية.

وفي تعقيب ومداخلة قرأ الدكتور غلام علي حداد ورقة بعنوان «ملاحظات نقدية حول مفهوم «التقدم» و«التخلف» طرح من خلالها تساؤل حول ربط التقدم بالنموذج الغربي، وإذا كان هذا هو المعيار فيجب أن نطبق النموذج الغربي كاملا ونؤمن بنظرته لكثير من المفاهيم والقيم».

الجلسة الرابعة: التخلف السياسي وأبعاده الحضارة

وتناولت الجلسة الرابعة محور «التخلف السياسي وأبعاده الحضارية» وناقشت بحثين من الدكتور عبدالله القويز، والدكتور اسماعيل الشطي، وأدار الجلسة المستشار بالديوان الأميري محمد أبو الحسن.

أول المتحدثين كان الدكتور عبدالله القويز، واستعرض في حديثه وورقه بعض التعاريف البحثية حول تعريف التخلف السياسي، واستطرد في شرح تعاريف عدة، لينتقل إلى محور ثان في بحثه وهو موضوع «الوحدة العربية». وهنا وجه عددا من الأسئلة. منها هل الوحدة حتمية (قدرية)؟ يجيب أحد الباحثين بالنفي مؤكدا أن وحدة العرب لم تتحقق إلا في فترات تاريخية محدودة وبالتالي فهي مطلوبة ليس لذاتها وإنما لتحقيق أهداف استراتيجية أخرى للأمة كالقوة العسكرية لصد الطامعين والتقدم الاقتصادي وتحقيق الرفاه للمواطنين عن طريق توسيع السوق وزيادة تدفق الاستثمارات والعمالة وعناصر الإنتاج الأخرى لرفع معدلات دخل الفرد والوصول إلى مستويات تقنية عالية عن طريق حشد المزيد من الموارد والعقول لإجراء البحوث وتحقيق الإنجازات العلمية أسوة ببقية الأمم.

وتحدث القويز عما أسماه التحديات الداخلية والخارجية التي يتعين على قيادات الدول العربية فرادى ومجتمعين التعامل معها بكل الجدية، وأول هذه التحديات هو العامل الديموغرافي، وقال: لأسباب تخصها تسعى الدول الأوروبية إلى تعزيز علاقتها مع الدول العربية الواقعة جنوب المتوسط التي من جانبها ترحب بهذا التوجه لما سيجلبه لها من مصالح. فإذا تعزز هذا التوجه باتفاقيات وتدفق التجارة والاستثمار وترابط المصالح كما تشير التوقعات فإن الارتباطات التاريخية بين مشرق الوطن العربي ومغربه ستصبح أقل أهمية. ولذا فإن على العرب تعزيز ترابطهم الاقتصادي والتفاوض مع الكتل الاقتصادية العالمية كسوق واحدة.

قضية التعامل مع التاريخ الذي قال عنه الدكتور البيطار (إنه يرهق ككابوس مروع عقل الأحياء) إننا نعطي نوعا من القدسية لتاريخنا ونمجد أبطاله ونصورهم ككائنات فوق البشر إلى درجة تصوير الأحياء وكأنهم غير قادرين مهما أتوا من قوة أو ذكاء أو دهاء أو تجربة من مجاراة أولئك العظماء الذين صنعوا تاريخنا «المجيد». لا بد من حشد الجهود لإعادة كتابة تاريخنا بحلوه ومره وتخليصه من تلك الهالة التي تكبل الأحياء. إن هذا النداء ليس بجديد فكل أمم الأرض أعادت النظر بتاريخها مهما كان مجيدا وتركته يستريح وانطلقت لبناء مستقبلها.

واستعرض الدكتور اسماعيل الشطي ورقته البحثية المطولة والتي بدأها بحديث حول تعريف التخلف السياسي والحضاري، لكنه عاد ليحذر من خطورة الاعتماد على النموذج الغربي في قياس الحضارة والتقدم والتخلف، وفي هذا الصدد يقول الشطي: لا يمكن الحديث عن الحضارة الغربية من دون التوقف عند منجزاتها، فهي التي فتحت الفضاء ميدانا لأنشطتنا، نرقب الأرض منه، وننتقل في أجوائه بين القارات، ونتواصل من خلاله سمعا وبصرا عبر البحار والمحيطات، ونتبادل الأخبار والأفكار والآراء وكأننا أمام بعض.

وقال إن الصراع كان ولا يزال أساس العلاقة بين المخلوقات في التصور الغربي، وكانت الحياة ثمرة القوة، ولذا لا تجد في المنظومة القيمية الغربية أي غضاضة في الانحياز للقوي (الرجل الأبيض) ومنحه جدارة الحياة أو الرفاه على حساب حياة الضعفاء، ولقد أفرز هذا التصور حضارة عنصرية منحازة لأعراق من دون أعراق ولديها هوس هستيري في حيازة القوة، وانتهى بنظام رأسمالي يقدس الحرية ما دامت تضمن له النمو على حساب العدالة، وأصبح استنزاف ثروات الكون سمة من سماته البارزة.

واختتم الشطي بالإشارة الى أن التاريخ لم يشهد منذ بدء الخليقة حضارة وضعت الحياة برمتها تحت تهديد الإبادة والدمار كما تفعل حضارة الغرب اليوم، ولم يشهد الإنسان قيادة عنصرية مغرورة تقود العالم نحو منحدر مجنون بسرعة هستيرية، ولم تكن حاجة البشرية لمشروع إنقاذ حضاري يعيد لها استقرارها وطمأنينتها مثلما هي عليه اليوم، وأن الوطن العربي لا يمكنه مجاراة الحضارة الغربية بمنجزاتها المادية والمعرفية، ولكنه يستطيع أن يقدم تصورا للحياة يعيد لها طهرها الذي لوثته الحضارة الغربية بأسلحة الدمار الشامل، ويقدم تصورا حول الكون يعيد العلاقة التبادلية بيننا وبينه وبين عافيتنا وعافيته بعد أن أثقلت الحضارة الغربية جسده بالجراح، ويقدم تصورا متوازنا للطبيعة وما وراء الطبيعة ليخفف من رعب الزمان داخل النفس البشرية والآخذ بالازدياد في ظل مادية الحضارة الغربية، ويعيد التوازن الروحي والمادي بعد أن أوغلت البشرية في غرورها نتيجة السيطرة على الطبيعة، غير أن الأرض العربية التي احتضنت الحضارات آلاف السنين، مازالت تحتفظ بداخلها مخزونا من التصورات المتزنة والفكر الراشد والنزعة الإنسانية، هذه الأرض تستطيع أن تكشف عن كنوزها لإنقاذ البشرية من جديد، لكن التخلف يكمن في البحث بين فضلات الآخرين والمضي في التبعية العمياء، وعندما رفع المفكر القومي ميشيل عفلق شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، هل فكر الهتافون ما هي هذه الرسالة؟