مقال / أسئلة ساذجة!

1 يناير 1970 07:19 م




ما من رئيس دولة عربي تعرّض البلد الذي يحكمه لهزّات وانتفاضات شعبية، على مختلف أشكال ظهورها، وأسبابها، وشدّة حراكها، في مطالبات مختلفة، الا وانبرى الرئيس في الحال للقول: :ان مطالب الشعب أو المتظاهرين أو المعتصمين محقّة، ونحن في الرئاسة والحكومة نقدّر مشروعيتها، ولكن...» ثم ينعطف بالكلام نحو مفردات جاهزة، مجهّزة تتحدث عن مندسين، أو جهات خارجية، أو مجموعات ارهابية... الخ!

ما من رئيس عربي، بعد قيام الحراك وانطلاق العشرات من الناس في البداية، ورفعهم الشعارات، الا وسارع للقول «أتفهّم مطالب المتظاهرين وأقرّ بأحقيّتها ومشروعيتها» وهو صادق في ما يقول، غير أنه يريد أن يفصل المطالب عن مخربين ومندسين وأصحاب أجندات خارجية وغير ذلك.

قلت: يكون في كلامه صادقاً، صدق معرفته للمطالب، واطلاعه عليها، وادراكه لضرورات الناس. بلى. هو أول مَنْ يعرف بالمطالب، وأكثر مَنْ يعرف، ليس بعد الحراك والتظاهر بل قبل ذلك بكثير، وهنا العجب والمهزلة.

اذا كان يعرف أن المطالب محقّة - وهو يعرف بلا أدنى شك - فما الذي كان يفعله قبل القيام بالتظاهرات والاحتجاجات؟ ما الذي كان يهتم به؟ ما الذي كان يشغله عنها؟ ولِمَ لم يقم بتلبيتها والاستجابة لأصحابها طالما أنها محقة؟

أسئلة ساذجة طبعاً، لكن سذاجة الموقف والمفارقة تتطلب تلك الأسئلة، خصوصاً وأن الأحرى أن يُجمع الرؤساء على القول: «لم نكن ندري بالمطالب، ولا علم لنا بما لأجله قامت المظاهرات» أما أنهم يعرفونها، ويدركون أنها محقّة، فهذا ما يدينهم حتى النخاع الشوكي!

عبثاً. كلهم يقولون: مطالب الشعب محقّة. وهي المطالب نفسها التي أعلن عنها رجل الشارع، والصحف الخاصة والحكومية، والاذاعات، ومحطات التلفزة، ووسائل الاتصال الحديثة مئات المرات، ناهيك عن الاجتماعات الحكومية، والبرلمانات، وكل مؤسسات وأجهزة الدولة.

هي المطالب نفسها التي لا تحتاج الى من يطالب بها. هل حفظ الكرامة بحاجة الى مطالبة؟ وهل احترام الانسان بحاجة الى مطالبة؟ وهل توفير السكن، ورفع الدخول، وتحسين أداء المؤسسات، وكل ما يمت الى بناء الدولة... بحاجة الى مطالبة؟

وبسذاجة أيضاً: ما الذي يفعله الرؤساء - اذاً - ان لم يعملوا لتحقيق تلك المطالب!؟ لِمَ يتولون منصب الرئاسة اذاً؟ بل يسعون ويجاهدون ويقاتلون لتولي المنصب! حتى الكذب والاحتيال والخداع يحتاج الى فن، الى أساليب ذكية، وطرائق ماهرة. حين يفتقد الاحتيال فنه تصبح تسميته باطلة. الرؤساء العرب الذين شهدت بلدانهم انتفاضات وثورات يريدون أن يصدق الناس كلامهم، حتى وهو عارٍ وخالٍ من الحدّ الأدنى للذكاء.

يا لعبقرية القول: «نحن ندرك أن مطالب الشعب محقّة» والحال أن قائل هذا القول يدرك أحقية المطالب هذه، ومشروعيتها، وملحاحيتها، قبل أن يتولى منصب الرئاسة! غير أن ما لا يدركه بكل تأكيد، وربما ما لم يخطر له على بال، هو أن ينهض الشعب مطالباً بحقوقه المهدورة والمسلوبة، وأن يواجه آلة القمع وأساليبه وأن يصرّ الشعب على قوله بأنه يريد اسقاط النظام!!

ما من ذرة شك بأن أولئك الحكّام كانوا يعرفون المطالب وكانوا يدركون أحقيتها بيد أن المباغت لهم، والصادم لسلطتهم، والمزعزع لنظامهم أن يتجلى مَنْ خالوه قطيعاً: بشراً سوياً مواجهاً وعنيداً ومضحياً لا الى أن تتحقق مطالبه المشروعة، بل الى أن يتمكّن من اسقاط النظام كلّه.