د. حسن عبدالله عباس / 2> 1

اجتماع النقيضين: عرب والديموقراطية

1 يناير 1970 12:58 م
بعد مرور ما يزيد على السنتين من انطلاق شرارة الربيع العربي، ما زالت التجربة فاشلة. جميع الدول التي حط هذا الربيع رحاله فيها لم تفشل فحسب، بل بدت بقية شعوب الدول مهتمة كيف تحصن نفسها وتطرده من حدودها، كأنه وباء موسمي او طوفان من الجراد يريد التهام يابسهم واخضرهم. فما السبب؟ لماذا فشلت التجربة الديموقراطية وأصبح هذا حال الشعوب العربية بعدما كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر؟

يوجد في العرب عيبان من وجهة نظر الفكر الديموقراطي. الاول: ان الثقافة العربية تعاني من العقلية المركزية في كل شيء. المركزية في اتخاذ القرار وادارة الامور وهذا نابع كون العرب يعتمدون وبصورة لا إرادية الى التراتب الاجتماعي بسبب النظام العشائري والقبلي. فهنا تكمن فجوة كبيرة بين الفكر الديموقراطي والفكر العشائري. طالما ان ملكية القرار تكاد تعود بالكامل الى من له الاولوية بحسب النظام الاجتماعي، فان الفشل واقع لا محالة. فالاب ان كان الحديث عن الاسرة، والعميد ان انتقل الكلام الى العائلة، والرئيس في حال العشيرة، والامير في حال القبيلة وهلم جرى بالنسبة لبقية المكونات الاجتماعية. هذا الشكل التراتبي في تحديد مصير الافراد يتناقض كليا مع مفهوم الفردانية، وهو المفهوم او العنوان الرئيسي الذي انبنى عليه ويحوم حوله الفكر الديموقراطي.

اما العيب الثاني من وجهة نظر الفكر الديموقراطي: فيكمن في العقيدة الدينية. الدين الاسلامي كعقيدة تربط الانسان بالسماء، تأتي هي الاخرى كعائق فكري اضافي امام تحول المجتمعات العربية الى انظمة ديموقراطية. في الفكر الديموقراطي ينبغي ألا يسحب الانسان افكاره ومعتقداته ليعكسها على غيره من الناس، وهو متغير فكري جوهري يصطدم ويتناقض كليا مع ركن رئيسي واساسي في الدين ألا وهو قاعدة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ففي ظل تمسك المسلمين بروايات على غرار «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم...»، لن يكون للديموقراطية اي محل ولا معنى بينهم.

لا اقصد من هذا النقاش اننا يجب ان نترك ثقافة التراتب الاجتماعي او التبدل الديني لغرض المكسب الديموقراطي، ولا اقصد ان افاضل بين هذا او ذاك، بل لا يعنيني كل ذلك لا من قريب ولا من بعيد. كل ما اريده شي واحد: التفكير بطريقة منهجية واحدة لا تقبل الازدواجية والثنائية. فلو اردتم التمسك بالثقافة العربية التقليدية (شاملا الدين)، انسوا الديموقراطية وازعاجاتها، وابحثوا عن حل توفيقي من داخل الثقافة المحافظة بحيث يوازن بين حكم المجتمع وحكم الفرد. اما ان اردتم الديموقراطية وخصوصا «الكاملة»، عليكم ان تبنوا من الآن جيلا تحرريا يعتمد من الطفولة على تنمية الذات وترك المركزية وسلطة توجيه وتحديد الرأي (الا في اقل الحدود وتلبية وخدمة لمفهوم الفردانية) حتى يكون الفكر الديموقراطي له معنى وواقع ميداني خصب ويمكن عمليا تطبيقه. اما انكم تريدون التمسك بالتراث التقليدي وبالوقت نفسه حكم ونظام سياسي ديموقراطي فهذا كمن يريد زرع نخلة في القطب الجنوبي!

[email protected]